تقرير اقتصادي : الإنفاق العسكري الكويتي متضخم قبل سحب الـ «6 مليارات دينار»

نشر في 17-12-2015 | 00:03
آخر تحديث 17-12-2015 | 00:03
No Image Caption
• نما 112% خلال 8 سنوات ويبلغ 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي

• المصالح الاقتصادية يمكن أن تحقق أهدافاً استراتيجية أكثر من سباق التسلح
وجود مصالح اقتصادية للآخرين في الكويت ومعها أكثر ديمومة ونفعاً من أي أسلحة باهظة الثمن، لا نعلم إن كنا سنستخدمها وقت الحاجة أم لا؟!

على الرغم من أن الخطاب الاقتصادي الرسمي يشدد على خفض المصروفات العامة تحسباً لأي عجز مالي سنوي متزامن مع تراجع حاد في أسعار النفط دون سعر الأساس الذي بنيت عليه أسوأ افتراضات الميزانية، فإن الحكومة اتجهت إلى مناقضة خطابها بإنفاق مالي عال جداً تستنزف فيه الاحتياطي العام للدولة.

فلم تكد الكويت تنتهي من توقيع صفقات عسكرية متنوعة أخيراً حتى اتجهت إلى طلب اعتماد ميزانية تصل إلى ستة مليارات دينار تُسحب من الاحتياطي العام على مدى 10 سنوات لتدعيم خطط تسلح قادمة، مما يشير إلى أن الخطاب الحكومي «الصلب» تجاه المصروفات والإنفاق غير المبرر يصطدم بالأفعال الحكومية على الصعيد العملي!

وربما يتساءل البعض: أليس من حق الدولة شراء الأسلحة والمعدات الحربية وسط محيط إقليمي ملتهب؟ ناهيك عن أن توطيد العلاقات مع دول عظمى عبر صفقات الأسلحة سيخدم الكويت أمنياً حال وجود أي خطر خارجي.

الأمن ليس عسكرياً

لعل السؤال أعلاه يعتبر أساس فكرة ومنطلق شراء أسلحة بمليارات الدنانير وسط حالة اقتصادية صعبة، لكنه أيضاً يعبر عن محدودية في الرؤية التي يترتكز عليها داعمو هذا التوجه، فأمن أي بلد ليس عسكرياً بالضرورة، خصوصاً في وقتنا الحالي، إذ إن خلق مصالح اقتصادية لمجموعة من الدول والشركات في دولة ما يمكن أن يحميها من أي خطر أو تهديد خارجي إلى جانب علاقات خارجية متوازنة مع مختلف الأطراف.

وجود مصالح اقتصادية للآخرين في الكويت، ومعها، أكثر ديمومة ونفعاً من أي أسلحة باهظة الثمن لا نعلم إن كنا سنستخدمها وقت الحاجة أم لا، ففي وقت بَهت فيه بريق النفط الخليجي وسط تراجع الأسعار وفوائض المعروض في الولايات المتحدة وغيرها، بات من الواجب البحث عما يجعلنا مهمين بالنسبة لدول عظمى تستوجب مصالحها الدفاع عنا حال امتد لهيب المنطقة إلينا... ناهيك عن الأثر الاقتصادي الإيجابي على تنويع الاقتصاد وسوق العمل لوجود المصالح الأجنبية في الكويت.

أرقام ودراسات

حسب المعهد العالمي (SIPRI)، وهو متخصص في إعداد دراسات عن الصراعات المسلحة والحد من التسليح، فإن الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بلغ 196 مليار دولار لعام 2014 بزيادة قدرها 5.2 في المئة عن عام 2013 وبنمو إجمالي 57 في المئة منذ عام 2005، وكان العراق الأكثر نمواً في الشرق الأوسط منذ عام 2005 بنسبة 286 في المئة، بينما ارتفع إنفاق الإمارات العسكري بنحو 135 في المئة، والبحرين 126 في المئة، والسعودية 112 في المئة، وإيران 120 في المئة، ولم تتوفر بيانات عن إجمالي الإنفاق العسكري للكويت لعام 2014، لكن تقدر زيادة إنفاقها العسكري بين 2013- 2005 بحوالي 112 في المئة، وفي المقابل، فإن إنفاق تركيا ارتفع 15 في المئة فقط منذ عام 2005، بينما استقرت نفقات إسرائيل العسكرية منذ 2005 إلى 2014 عند معدلاتها... وبالاعتماد على بيانات (SIPRI)، فإن الإنفاق العسكري في إسرائيل انخفض 8 في المئة في 2014 مقارنة بـ 2013.

سباق عسكري

البيانات المذكورة أعلاه، تشير إلى وجود سباق عسكري في المنطقة منذ 2005، وهو تاريخ أقدم بكثير من الحروب الدائرة في المنطقة مثل سورية أو اليمن أو العراق، بالتالي فإن اللحاق بمثل هذا السباق وإنفاقه العالي جداً أمر أشبه بالمستحيل، خصوصاً في الضغط على الميزانية من خلال تراجع الإيرادات، ناهيك عن أن وجود بدائل ذات منافع اقتصادية كوجود مصالح لشركات عالمية مرتبطة بعمليات استثمار وتخزين وإدارة موانئ وخدمات لوجستية ونفط، يمكن أن تحقق الغرض الدفاعي نفسه للكويت وعلى مدى أطول... فقط لو توافرت إدارة تدرس البدائل وتقيمها.

الثالث عالمياً

وحسب مجلة «ميد»، فإن الإنفاق العسكري المجمع لدول الخليج بلغ 114 مليار دولار عام 2014 فقط، أي ما يوازي 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة والنمو عن عام 2013 بمقدار 13 في المئة، إذ اعتبرت المجلة دول الخليج منطقة موحدة أو دولة منفردة، وهي بذلك تحتل المركز الثالث في العالم من حيث الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة بواقع 609 مليارات دولار والصين بواقع 216 مليار دولار.

بل يوازي الإنفاق العسكري للكويت 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى أصلاً من المعدل العالمي البالغ نحو 2.5 في المئة من الناتج المحلي، وبالتالي فإن سحب 600 مليون دينار للإنفاق العسكري سنوياً لمدة 10 سنوات؛ سيرفع مستوى الإنفاق في العام الواحد مقارنة بـ 2013 بأكثر من 35 في المئة، وهي قفزة كبيرة لإنفاق متضخم أصلاً.

ضغط أكبر

علينا أن نعرف أن المستقبل القريب يشكل ضغطاً أكبر على موازنات وإيرادات الكويت؛ من خلال تنامي اختلالات سوق النفط بعد عمل إيران على عودة إنتاجها النفطي إلى ما كان عليه قبل العقوبات الدولية، إلى جانب رفع العراق صادراته في نوفمبر الماضي إلى مستوى قياسي قدره 3.365 ملايين برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عقد من الزمن، ناهيك عن أساسيات سوق النفط الهشة المتمثلة في تباطؤ الطلب الآسيوي، وسياسات التقشف الأوروبية، وتنامي الإنتاج البترولي الأميركي، بالتالي فإن الدخول في سباق تسلح مع الآخرين أمر محفوف بالمخاطر.

أوفست

يأتي التوسع في سياسات التسلح في وقت حلت الحكومة شركة الأوفست - التي شابت أعمالها ملاحظات كثيرة وعجزت عن تنفيذ المطلوب منها - ومع الحل وعدم تأسيس شركة بديلة، يضيع على الدولة عائد استثمار ما لا يقل عن 30 في المئة كحد أدنى من العقود العسكرية في السوق المحلي في مجالات التعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية.

سحب الاحتياطي

السحب من الاحتياطي العام وسط توقعات سلبية لسوق النفط على المديين القصير والمتوسط؛ يعطي مجموعة من المؤشرات أولها أن سياسات الإصلاح المالي يمكن أن تخضع لاستثناءات عسكرية؛ تفتح المجال لاستثناءات أخرى، إلى جانب أن القيمة المالية للسحب من الاحتياطي العام في ظل تراجع الإيرادات ستكون أعلى من السحب في فترة الفوائض المالية مثلاً، فضلاً عن أن التوجه الخاص بتمويل القطاعات العسكرية جاء استثنائياً، متجاوزاً كل أولويات الإنفاق المالي التي تدعي الدولة أنها حريصة على خفضه إلى أدنى مستوياته للحفاظ على مستوى إنفاق مقبول.

back to top