عجبا لشعب ينتفض لقطرات عرقه ولا يثور لدمائه

نشر في 08-08-2015
آخر تحديث 08-08-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر شعب كل ما فيه ينضح غرابة ويدعو للتأمل، فمنذ 2003 وهو يغط في سبات عميق لا يفسده سوى دعوات الحقد والكراهية التي تبثها هذه الجهة أو تلك من الأحزاب الإسلامية التي تتحكم في مقدرات الوطن، ففي الوقت الذي فشلت فيه هذه الأحزاب الشيعية والسنية في كل شيء، أبدعت في بث روح الكراهية بين أبناء الوطن الواحد ضمن مخطط دقيق تنفذه بالنيابة عن أطراف إقليمية ودولية، فحولت البلد من جرائه إلى بركة من الدماء غرق الجميع فيها.

إن التحشيد الطائفي المتبادل هو جل ما تعرفه هذه الأحزاب التي تنطلق في أسسها الفكرية من أحقاد تاريخية، وعقد مزمنة، فالأحزاب السنية تعزف على وتر المد الصفوي الذي يريد أن يبتلع العراق لإرعاب المكون السني، والأحزاب الشيعية أرعبت مكونها من الظلم الذي تعرض له على مر التاريخ، وتحذر من الرجوع إليه من خلال العمق السنّي العربي في المنطقة، وهكذا مر العراق بدوامة مشاكل مستمرة منذ سقوط النظام البعثي حتى يومنا هذا، فلا يكاد يخرج من مشكلة إلا ويقع في أخرى أدهى من السابقة وأمرّ.

 على هذا استمر الشعب العراقي من المكونين في انتخاب الوجوه الكالحة نفسها والأحزاب الفاشلة نفسها في كل انتخابات جرت في البلد، وظل ينتخب الموتورين الآتين من قعر التاريخ نفسهم لينشروا عقدهم في المجتمع، مع يقيني أن الشعب لو أعطي الخيار الكامل في الانتخابات لما انتخب أحدا من الأحزاب الإسلامية، إلا أن هناك نقطتين خففتا من التوجهات الرافضة لهذه الأحزاب في الشارع هما:

1- نجاح هذه الأحزاب في ترويع الطرف الآخر.

2- التصور الموجود عند أغلب الشعب العراقي أن انتخابه لأحزاب غير إسلامية خطأ عقائدي يقترفه. وقد لعبت المرجعيات الدينية دورا أساسيا في تعميق هذا التصور لديه، فكانت المراجع تؤكد دائما اختيار أصلح المرشحين في الوقت الذي ينعدم فيها الأصلح، وكان الأجدى بالمراجع نهي الناس عن انتخاب أي من هذه الأحزاب لأن صالحها طالح.

الدليل على الرفض الحقيقي لهذه الأحزاب هو ما نشهده هذه الأيام من تظاهرات تخرج في معظم المدن العراقية، فهذه التظاهرات تعتبر رفضا ضمنيا للأحزاب الإسلامية حتى إن صبغت بمطالب تحسين الخدمات، فخوف الشعب العراقي من "العقاب الإلهي" يمنعه من رفض هذه الأحزاب جملة وتفصيلا، ليتحول إلى رفض جانب من جوانب فشلها، وإلا هل يعقل ألا يثور الشعب على دمائه التي تسال هنا وهناك منذ 2003 وينتفض من أجل قطرات العرق التي يصبها صيفاً؟ وهل يعقل أن ينتفض لعرق الشيوخ والنساء والأطفال ولا ينتفض لقطرات دم الشيوخ والنساء والأطفال، أو ضد التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونه، وخلق روح الكراهية بين شرائح المجتمع الواحد؟

إن أي شعب لا يثور لهذه الأشياء ويثور لأجل عرقه يكون بحاجة ملحة إلى مصحة نفسية يدخلها ليتأهل فيها من جديد إلى مواطن يحترم ذاته ومواطنته.

وهنا نوجه كلامنا إلى هذا الشعب الذي يئن تحت حكم هذه الأحزاب الإسلامية المتخلفة: إن كنتم تتصورون أن بإمكان هذه الأحزاب الإسلامية أن تقدم لكم حياة كريمة يوما ما فأنتم واهمون، فالآتي من قعر التاريخ وعقده يسحب الشعوب معه إلى قعره وليس إلى الأمام، ماذا قدمت هذه الأحزاب للشعب كي يحافظ عليها؟ إن المنجز الوحيد لهذه الأحزاب ما عدا بث الكراهية بين المكونات هو خلق تنظيمات وميليشيات مسلحة خارجة عن القانون من الطرفين سيطرت على كل مفاصل الحياة وأنهت كل ما يمكن أن نسميه بقايا دولة.

 إن التاريخ يشهد أن الأحزاب الإسلامية أيا كانت معتقداتها المذهبية لم تقدم شيئا لمجتمعاتها، فضعوا يدكم على الجرح ولا تعالجوا أعراض المرض، ومخطئ من يتصور أن ثورته الشاملة على هذه الأحزاب الإسلامية ستعرضه لعقاب إلهي، فالله لا يحب للعبد أن يكون ذليلا، وليست هناك جهة تحتكر الدين لنفسها وتمثله، بل سيحاسبنا الله على خنوعنا وجهلنا وعدم تجرئنا على محاربة هذه العصابات المتخلفة.

إن رجال الدين من الطرفين الشيعي والسني لم يكن لهم مهمة طوال التاريخ إلا استغلال الصراعات التاريخية لتخدمهم على البقاء في صدارة المجتمع والتحكم فيه، ماذا قدموا طوال 1400 سنة للبشرية سوى القتل والدمار في أي مكان حلوا فيه؟ فلا تسمعوا لأصحاب اللحى الذين ركبوا المجتمع واستحمروه طوال هذه القرون، فلو كانوا من البشر حقا لمنعوا سفك هذه الدماء، فثوروا لدمائكم لا لعرقكم، فإن الله لا يحب للعبد أن يكون خانعا ذليلا.

* كردستان العراق– دهوك

back to top