التخلي عن صفقة سيئة

نشر في 08-09-2015
آخر تحديث 08-09-2015 | 00:03
خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة في شهر أكتوبر عام 2012، شدد أوباما على شروطه الضرورية لعقد صفقة، معلناً: «تقوم الصفقة التي نقبل بها على أن تنهي طهران برنامجها النووي، فالمسألة واضحة جداً»، ولكن ما إن جلسنا إلى طاولة المفاوضات حتى تبين أنه لا يملك الحافز الكافي ليتوصل إلى أفضل صفقة ممكنة بغية إنهاء برنامج إيران النووي.
 ناشيونال ريفيو لا شك أن الولايات المتحدة دخلت المفاوضات مع إيران وهي في موقف قوة، فكانت العقوبات المفروضة على إيران تحقق الأهداف منها، مؤديةً إلى تراجع العملة الإيرانية، ناشرةً الفوضى في قطاع إيران المالي، ومخفضةً إلى حد كبير صادرات إيران النفطية، وكان الاقتصاد الإيراني على شفير الانهيار، وكما أشار الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت سابق من هذه السنة، فرضت الولايات المتحدة "العقوبات الأقسى في التاريخ"، وقد "ساهمت في حمل إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".

خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة في شهر أكتوبر عام 2012، شدد الرئيس على شروطه الضرورية لعقد صفقة، معلناً: "تقوم الصفقة التي نقبل بها على أن ينهوا برنامجهم النووي، فالمسألة واضحة جداً"، ولكن ما إن جلسنا إلى طاولة المفاوضات حتى تبين أن أوباما لا يملك الحافز الكافي ليتوصل إلى أفضل صفقة ممكنة بغية إنهاء برنامج إيران النووي، وبدلاً من ذلك بدا عازماً على عقد أي صفقة، حتى لو كانت سيئة.

خلال هذه العملية تجاهل كبار مفاوضي أوباما نحو 40 سنة من العدائية الإيرانية الصريحة تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، كذلك قرروا تناسي واقع أن إيران انتهكت مراراً شروط اتفاقاتها الدولية السابقة، وقد برهنت هذه الانتهاكات أن قيمة كلمة طهران لا تعادل حتى ثمن الورق الذي تُكتب عليه.

يتضح ذلك من خلال لائحة طويلة من التنازلات التي قدمتها الإدارة الأميركية لإيران في تناقض واضح مع كلمات الرئيس بحد ذاته وتطميناته المتكررة للشعب الأميركي:

• قدمت الإدارة تنازلاً بعدم فرضها حدوداً على قوة إيران الصاروخية البالستية، التي تشكل وسيلة لإيصال الأسلحة النووية.

• تخلت الإدارة عن موقفها، الذي يعتبر أن التفتيش الفاعل يتطلب قدرة تامة على ولوج المنشآت الإيرانية، لكن إيران أعطيت بدلاً من ذلك مهلة تصل إلى 24 يوماً بغية الاستعداد لعمليات التفتيش، فضلاً عن مرونة تشريعية تتيح لها عرقلة عمل المفتشين والمماطلة في عملية التفتيش طوال أشهر.

• تراجعت الإدارة بالكامل عن أهدافها السابقة (بما فيها "الامتناع عن التخصيب" و"وقف كل أجهزة الطرد المركزي") التي اعتبرها الرئيس أوباما لاحقاً غير منطقية. بدلاً من ذلك سمح لإيران بمواصلة تشغيل 6 آلاف جهاز طرد مركزي.

• عكست الإدارة السياسة القديمة التي اتبعتها الإدارات السابقة، والتي هدفت إلى جعل القيود على نشاطات إيران النووية دائمة، وبدلاً من ذلك ستنتهي القيود التي تنص عليها الصفقة بالكامل بعد عشر سنوات، وأقر الرئيس أوباما نفسه أن إطار السنوات العشر الزمني هذا يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي في وقت قصير.

وهكذا جاءت النتيجة النهائية صفقة كارثية لا تخفق في وقف قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية فحسب، بل تمهد أيضاً الطريق أمامها كي تتحول إلى دولة نووية.

بالإضافة إلى ذلك، تُحرر الصفقة عشرات مليارات الدولارات كأصول تابعة لآيات الله يستعملونها في الترويج لبرنامجهم النووي العسكري وتمويل شبكة الإرهاب العالمية التابعة لهم، ويفتح رفع العقوبات أيضاً الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الأجنبية الجديدة والتنمية الاقتصادية في إيران، ولا شك أن دفق المال هذا سيرسخ قبضة النظام الأصولي على السلطة، فضلاً عن ذلك تشكل الصفقة خطراً مباشراً يهدد إسرائيل وحلفاءنا القدماء الآخرين في الشرق الأوسط، كذلك تبدل بشكل دائم المشهد الجيو-سياسي العالمي، وستشكل الشرارة التي تشعل سباق تسلح نووي في المنطقة، ورغم ذلك يتفاخر الرئيس أوباما بثقة اليوم بأنه ما من بديل لهذه الصفقة السيئة.

ولكن ثمة بديل جيد جداً: الابتعاد، والحفاظ على العقوبات، وإرغام إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بغية التوصل إلى صفقة أفضل. رُسم المعيار عام 1986 حين التقى الرئيس ريغان الأمين العام للاتحاد السوفياتي الجنرال ميخائيل غورباتشوف في ريكيافيك بغية التفاوض من أجل إزالة كل الصواريخ البالستية التي تملكها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

وحقق المفاوضون الكثير من التقدم خلال القمة، إلا أن غورباتشوف طالب في مرحلة متأخرة من هذه العملية بأن تضع الولايات المتحدة حدوداً على نظام الدفاع الصاروخي في مبادرة الدفاع الاستراتيجية التي تتبعها، لكن هذا التنازل كان سيشكل انتهاكاً لمبادئ الرئيس ريغان الأساسية؛ لذلك أقدم على خطوة صدمت حتى البعض في إدارته الخاصة: رفض فرصة توقيع اتفاق تاريخي، وقرر الابتعاد بدلاً من ذلك.

سارعت وسائل الإعلام إلى وصف قرار ريغان بالفاشل، ولكن تبين بعيد ذلك أنها كانت مخطئة، ففي غضون سنة أُرغم غورباتشوف على العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن تخلى عن مطالبه بشأن مبادرة الدفاع الاستراتيجية. وقاد هذا إلى توقيع معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى، التي حدت على نحو كبير من ترسانة هاتين القوتين العظميين النووية، وتُعتبر هذه المعاهدة اليوم أحد أبرز انتصارات الولايات المتحدة الكبرى خلال الحرب الباردة.

في خطاب حالة الاتحاد عام 1988، أوضح ريغان لمَ التزم بمبادئه وغادر قمة ريكيافيك: "لا تهدف مقاربتنا إلى التوصل إلى اتفاق من أجل الاتفاق فحسب، بل إلى القبول فقط بالاتفاقات التي تحسّن حقاً أمننا القومي وأمن حلفائنا، ولن نعرض مطلقاً أمننا وأمن حلفائنا للخطر من أجل التوصل إلى اتفاق فحسب، فعدم التوصل إلى اتفاق أفضل من عقد اتفاق سيئ".

ليت الرئيس أوباما ومفاوضيه اتبعوا في جنيف كلمات الحكمة هذه التي لا تُقدر بثمن.

* ثوم تيليس

back to top