على الغرب التعاطي بهدوء مع بوتين

نشر في 12-10-2015
آخر تحديث 12-10-2015 | 00:01
احتمال غرق روسيا عميقاً في المستنقع السوري وارد بشكل كبير، ومن المحتمل أن نشهد عمليات فرار بين جنود النظام، وتفجير مفخخات في القاعدة الروسية في اللاذقية، وقد تبدأ السعودية بتجهيز الثوار بصواريخ أرض جو، وإذا ما حدث ذلك فستواجه موسكو المعضلة المعتادة.
 موسكو تايمز في لحظة، يكون الرئيس فلاديمير بوتين على وشك الانهيار، معزولاً، ويفتقر إلى المصداقية، لكنه يعود بعد إلقاء بضع قنابل إلى لاعب الشطرنج الجيو-سياسي المحترف والرجل الذي تفوق على الولايات المتحدة، وهو في الواقع ليس هذا ولا ذاك، وكلما سارع الغرب إلى التوقف عن التنقل بتهور بين هذين المفهومين المتطرفين، تحسن الوضع بالتأكيد وتراجعت قوة بوتين.

لا شك أن روسيا تتمتع بقوة كبيرة، وأنها قادرة على إرسال نحو 12 طائرة قاذفة للقنابل إلى سورية، مثيرة في الوقت عينه الاضطرابات على حدودها، ولكن لا داعي للمبالغة في ذلك.

لكن الكلام عن خطر مواجهة "أفغانستان ثانية" يقتصر على إظهار مدى الفارق الذي تحدثه القدرة على إرسال جنود عبر حدود برية مشتركة، مقارنة بالحاجة إلى الشحن بالسفينة أو الطائرة لكل جندي، وكل لتر من الوقود، أو حصة طعام، والأهم من ذلك أنه يخفق في إظهار الاختلاف في ضخامة القدرات بين الجيشين السوفياتي والروسي، فقد أبقى السوفيات أكثر من 100 ألف جندي في أفغانستان طوال السنوات العشر التي أمضوها في هذا البلد، لكن تحدي إبقاء نحو 10 آلاف جندي في دونباس يكاد يستنفد قوى أفضل التشكيلات الروسية. لا شك أن احتمال أن تغرق روسيا عميقاً في المستنقع السوري كبير، ففي الحروب تسير الأمور دوماً بعكس ما تشتهي السفن: فقد نشهد عمليات فرار بين جنود النظام، وتفجير شاحنة مفخخة في القاعدة في اللاذقية، وقد تبدأ المملكة العربية السعودية بتجهيز الثوار بصواريخ أرض جو، وعندما يحدث ذلك ستواجه موسكو المعضلة المعتادة: هل تغير مسارها وتخرج أم تعزز التدخل على أمل على أن تسير الأمور نحو الأفضل؟

في الوقت الراهن، تشن قوة صغيرة نسبياً ضربات جوية ضد خليط شامل مختار بعناية يضم أهدافاً من "داعش" والقوات المناهضة للحكومة التي تهوى واشنطن مناداتها بـ"الثوار المعتدلين"، ولا داعي لأن نشير إلى أن الأميركيين غير مسرورين.

خلاصة القول، يبقى النظام في دمشق، وإن كان بغيضاً جداً، الحكومة الشرعية، ومن الواضح أنه مسرور برؤية الروس يقصفون بقوة، ومتحمس أيضاً لرؤية المخاطر الآنية تُعالج قبل البعيدة.

قد يكون هذا مزعجاً ومحرجاً للولايات المتحدة، إلا أنه لا يبدل اللعبة، وقد تساهم الهجمات الروسية في تأخير هزيمة نظام بشار الأسد البطيئة، إلا أنها لن تعكسها على الأمد الطويل، ولكن حتى لو كان عدد الضربات التي يتلقاها "داعش" محدوداً، فهي تساهم في زعزعة هذا التنظيم، أليس كذلك؟

لكن رد فعل واشنطن يبدو متأثراً بالاستياء والغضب أكثر منه بالمنطق الهادئ، وهكذا لا يكون سلاح موسكو الأقوى، إذا جاز التعبير، طائرات Su-24 التي تحلق راهناً فوق سورية أو قوات سبيتسناز الخاصة التي استولت على القرم، ولا حتى الغواصات النووية التي تجوب البحار تحت الجليد القطبي، بل القدرة على إثارة الاستياء، والاستفزاز، والمفاجأة.

تبدو هذه لعنة الغرب: فكلما تحركت روسيا شعر الغرب بأن عليه الرد، ويكون هذا أحياناً مناسباً وضرورياً، وقد استدعى ضم القرم مثلاً رد فعل قاسياً لمعاقبة روسيا، لكن الغرب لا يفكر غالباً بعمق فيما يدفعه إلى خطوات مماثلة، بخلاف أن هذا ما اعتاده منذ زمن. إذاً، ترسل روسيا طائرات Tu-95 لتحلق حول مجال حلف شمال الأطلسي الجوي؟ يعني هذا في الوقت الراهن أن على طائرات الاعتراض أن تهرع إلى السماء، ما يكبدنا كلفة عالية (إبقاء طائرات Typhoon الأوروبية في الجو مستهلكة الكثير، من الوقود إلى الصيانة، مما يرفع الكلفة إلى 18 ألف دولار في الساعة)، ولكن لمَ نتكبد كل هذا العناء؟ فمن المستبعد أن تشن هذه الطائرات اعتداء ضدنا، فلمَ لا نترك، إذاً، موسكو تهدر الوقود وتستهلك طائراتها، فيما ترخي عمليات مماثلة بثقلها على قواتها؟

إذاً، يهدد بوتين بإرسال أسلحة نووية إلى كالينينغراد؟ وأين المشكلة؟ إن لم نكن نتوقع حرباً ضد حلف شمال الأطلسي (وهذا شبه مستحيل في الوقت الراهن)، فلا يهم موقع هذه الأسلحة. نجح بوتين حتى اليوم في استفزاز الغرب بتحدثه عن الأسلحة النووية، ولكن لمَ نحقق له غايته ونجعله يشعر بالرضا؟

إذاً، تدخل روسيا فجأة في سورية؟ كما لو أنها لم تتدخل فيها من قبل، بتزويد النظام بالسلاح، وإدارتها المحطات الاستخباراتية، وتنسيقها للعمليات. صحيح أنها تقدم اليوم للنظام دعماً ميدانياً أكبر، لكن هذه المهمة مصممة بدقة لجعل الغرب يشعر أن عليه التعاطي بلطف مع موسكو. دعهم ينضموا إلى هذه الحرب الفوضوية ويكتشفوا متعة التعاطي مع "داعش"، ولنرَ ما إذا كانوا مستعدين لدعم الأسد بالتضحية بحياة الروس والعتاد الروسي عندما يتضح أن الغرب غير مستعد للوقوع في شرك مماثل.

تبقى النقطة الرئيسة: كلما أعرب الغرب عن صدمته وسارع إلى الرد على بوتين عزز قوة هذا الأخير ومنحه سبباً إضافياً لمواصلة استفزازاته، صحيح أن رد الفعل الهادئ والبارد على نحو إيجابي قد لا يبدو منطقياً لقادة متخرجين من مدرسة "إطلاق النار" للحوكمة، وقد لا يروق للمعلقين الأكثر تشدداً والسياسيين الذين لا يديرون دفة الحكم، إلا أن رداً مماثلاً قد يساهم في انتزاع زمام المبادرة السياسية من بوتين. باختصار يمكننا تفادي حرب باردة بالتصرف بتعقل أكبر.

مارك غاليوتي - Mark Galeotti

back to top