أستاذ الفلسفة الإسلامية د. حامد طاهر: التصوُّف هو الأقدر على مواجهة التطرّف

نشر في 11-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 11-07-2015 | 00:01
No Image Caption
أرجع أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور حامد طاهر سبب تدني الخطاب الديني إلى تراجع مستوى الدعاة وعدم تطوير المناهج التعليمية، وإلغاء تدريس بعض المواد مثلما الحال في الأزهر، من إلغاء لمواد {الخطابة} و{أدب البحث والمناظرة}، مشدداً على ضرورة الاستفادة من الدراما التلفزيونية والسينمائية وقصائد الشعر في عملية تجديد الفكر والخطاب الديني في عقول الناس، داعياً إلى ضرورة أن يتواكب التجديد مع مستجدات العصر، وتفسير القرآن حسب الحالة الذهنية لأهل كل عصر. مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي.
ما هو الخطاب الديني؟

مصطلح حديث لكنه جيد لأنه يشمل المضمون الذي نقدمه من الإسلام الصحيح للمسلمين وغيرهم، ولمضمونه وسائل.المضمون يعني تقديم القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وسيرة السلف الصالح والشخصيات المتميزة في تاريخ الإسلام حتى تكون قدوة للأجيال الجديدة. أما وسائله فكانت في الماضي تقتصر على الخطابة في المساجد وتأليف الكتب وهي أكثر توثيقاً من الحديث الشفوي، ومن كانوا يتحدثون في المساجد كانوا أنواعاً مختلفة.

حدثنا عن هذه النوعيات.

ثمة المتثبت والحافظ مثل الحسن البصري والجوزي والغزالي والعز بن عبد السلام، وهم نماذج لوعَّاظ نقلوا الخطاب الديني نقلة جيدة جداً. وثمة مجموعات أخرى تسمى الوعاظ أو المذكرين أو القصاص، كان هؤلاء يتكسبون من عملهم فكان كلما زاد تأثير الوعاظ في الناس كانوا في نهاية حديثهم يقدمون لهم جزءاً من المال حتى يتعيشوا منه، فكانوا يذكرون أحاديث ضعيفة أو موضوعة وأحياناً يخترعون بعض الأحاديث كي يدهشوا السامعين. كانوا يستغلون جهل الناس ويذكرون أموراً غريبة، فأشاعوا كثيراً من الخلط بين الأمور الشعبية وبين الدين الصحيح وهذا الذي نعانيه حتى الآن، فقد دونت كلماتهم وأحاديثهم في كتب تتداول حتى اليوم.  يجب تخليص الخطاب الديني المعاصر من هذه الشوائب التي علقت به منذ فترة طويلة، والموجود حالياً كان موجوداً في القرون الثالث والرابع والخامس.. إلخ. ونحن نعاني أمية ثقافية، ما أدى إلى أمية دينية ولذلك أنت ترى المسلمين الآن يسألون عن مسائل بديهية مثل أداء الفروض التي يمكن تعلمهامن قراءة كتب السنة الصحيحة.

تجديد التفسير

كثرت المطالبة بتجديد الخطاب الديني فهل الحاجة أصبحت ماسة إلى ذلك؟

التحديث مطلوب في كل عصر. لا بد من أن نفسر القرآن الكريم في كل عصر تبعاً للحالة الذهنية لأهله، مستفيدين من التفسير القديم كله ومن تقديم سيرة الرسول (ص) بشكل جديد واستخدام وسائل العرض المتاحة في كل مرة نحاول الرد على الشبهات التي تظهر ضد الإسلام أو ضد الرسول (ص). فإذا حصنّا المسلم بسيرة الرسول (ص) الصحيحة والفهم الصحيح للإسلام فلن يتأثر بأي فكر منحرف.

تجديد الخطاب الديني مسؤولية من برأيك؟

قضية تجديد الخطاب الديني ليست مسؤولية جهة بمفردها، فالدين يجب ألا يترك في جهة واحدة. ثمة بيت شعر يقول «وهل يبلغ البنيان يوماً تمامه... إذا كنت تبني وغيرك يهدم}.

نجد المدرسة تتناقض سواء في مناهجها أو تصرفات مدرسيها مع ما يتربى عليه الأبناء في الأسرة إذا كانت سليمة، ثم يأتي بعد ذلك الإعلام يفسد أكثر مما تفسده المدرسة، لذا يجب أن يكون الإعلام والدراما متماشيين مع أخلاق ودين  المجتمع وتقاليده. كذلك نجد قوانين كثيرة تتعارض مع القيم الأخلاقية...

 والدعاة جزء من هذه المنظومة الكبيرة التي تبدأ بالأسرة والمدرسة ثم الإعلام ثم القوانين، فيجب أن توجههم الدولة بشكل يتناسب مع أخلاقيات المجتمع.

ما أبرز الغايات المقصودة من وراء تجديد الخطاب الديني؟

التعريف بمبادئ الإسلام الأساسية، فلا بد من أن يعرف كل مسلم ما هي العقيدة وكيفية أداء الشعائر بشكل صحيح، فذلك من شأنه معالجة كثير من الأمراض الاجتماعية. قال تعالى: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ» (العنكبوت: 45)، لكن يجب أن يؤدي المسلم الصلاة بإتقان وليس كنقر الغراب، ويدرك أن عبادته لله فيجب تحسينها.

ما خصائص الخطاب الديني المتوازن الصحيح؟

تقديم الإسلام للمسلمين في العصر الحاضر بصورة واضحة ومقنعة ترسخ في قلوب الناس ونفوسهم، فلا يتأثرون بأي موجات شك أو تشكيك من الخارج أو حتى من الداخل. كذلك يجب على المسلمين عموماً أن يمحوا أميتهم الثقافية ويليها أو يتوازى معها محو الأمية الدينية.

ما عيوب الدعاة في الوقت الراهن؟

أبرز العيوب أن الدعاة يتحدثون عن الدين في الدروس والخطب والقنوات والإذاعات ولا يسألون من يسمعونهم ماذا فهموا من الدرس أو الخطبة. تنتهي العلاقة بين الداعية والمستمعين بمجرد انتهائه من حديثه، فلماذا لا يفتح الباب للمناقشة حول كلامه بعد انتهاء الصلاة؟ للأسف، هذا غالباً لا يحدث. لكن عند المسيحيين مثلاً، لا يقف دور القس على إلقاء درس الأحد وإنما يتواصل مع  المترددين على الكنيسة ويقف على أحوالهم الأخلاقية والاجتماعية لتقويم المعوج منها ويصلح بينهم. أما عندنا فيتعلل الداعية بأنه لا ينال أجراً.

كيف يمكن قراءة النص بأسلوب يواكب روح العصر ومستجداته؟

من خلال إدراك الدعاة المعاصرين أن اللغة العربية تتطور، فاللغة ليست ديناً، والدين فيه مبادئ ثابتة، وفي الوقت ذاته فيه تشريعات متروكة للعقل المسلم يطور فيها حسب الظروف، مثل أسلوب الحكم، شريطة أن يتحلى الحاكم بثلاثة مبادئ هي العدالة والمساواة والشورى.

تجديد المناهج

ما الدور المنوط بالمؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي للعمل على إزالة الفهم الخاطئ للإسلام وتجديد الخطاب الديني؟

المؤسسات لا بد من أن تتحلى بالإخلاص في العمل، فالبعض يهتم بالدنيا ويتكالب عليها ويترك الآخرة ولا يهتم بتقديم الفهم الصحيح للدين. لا بد من تجديد المناهج التي تساعد على تكوين الدعاة الجيدين، بالاستعانة بالكتب التي دونت خلال القرون الخمسة الأولى للإسلام، لما فيها من إبداع وفكر جيد وتبسيطها للطلبة.

ولا بد من وجود منهج اسمه «الدفاع عن الإسلام ضد خصومه» وإحياء فن المناظرة الذي كان يتم تدريسه في الأزهر سابقاً بعنوان {آداب البحث والمناظرة} وتم إلغاؤه منذ سنوات، رغم أنه كان يُعلِّم أدب الحوار، حيث كان الطلاب يجمعون الأساتذة للتباري في مناقشة مسألة فقهية في المسجد مثلاً، ويلتزم الجميع بأدب الحوار. لماذا تم إلغاؤه ونحن الآن ندعو إلى الحوار مع العالم كله. كذلك ألغيت مادة الخطابة من المعاهد والمدارس ومادة الإنشاء... بدأت هذه أمور تتفلت من الثقافة العربية والإسلامية.

ما العواقب السيئة التي تترتب على إلغاء هذه المناهج؟

يؤدي إلى انفصال عن النصوص الدينية القديمة فلن نستطيع فهمها. وعلى المؤسسات الدينية أن تنقي مناهجها من الكتب المتأخرة التي دونت في العصور التي تلت القرن الخامس الهجري، وطبعاً ليس كلها سيئاً ولكن كلامي عن أهمية كتب القرون الخمسة الأولى مثال بسيط على أن المناهج الأزهرية سيئة لذلك نجد أن الأزهر فقد دوره في إعداد الدعاة الجيدين وخريجي كلياته، خصوصاً العلمية منها، لا يصلحون لا للعلم ولا للدعوة.

من وجهة نظرك ما هي آليات تجديد الخطاب الديني؟

تحتاج الآليات إلى مجموعة خطط وإرادة سياسية، ويجب إعداد الدعاة جيداً فلا يقوم بآاليات التجديد إلا حفظة القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وتنتقى لهم كتب من القرون الخمسة الأولى والابتعاد عن كتب المتأخرين وكتب الفقه، ويعقد لهم امتحان في ذلك مع الإلمام بعلمي الاجتماع والنفس لدراسة نفسية الشباب والناس الموجه لهم الخطاب في العصر الحديث لمخاطبتهم بلغتهم، فاللغة القديمة تنفر الناس منه ولا يتأثرون بما يقول.

التكفير والتفكير

انتشار الإرهاب وجماعات التكفير، هل يدلل على غياب التجديد في الخطاب وجمود الفكر؟

ثمة عوامل كثيرة أدت إلى ظهور هذه الجماعات أولها الأمية الدينية الناتجة من الأمية الأبجدية، فالجهل يجعل الإنسان يتأثر بالنواحي الشكلية، مثل اللحية والجلباب من دون فهم لما يقوله هذا الشيخ أو ذاك. وتجعلني القراءة أرجع إلى الكتاب والسنة لمعرفة حقيقة ما يقال والرسول (ص) قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي».

 ثانياً، ترك الحكومات لهذه الجماعات تنمو وتتطور وتتمدد وتخرج عن دورها، بل أحياناً استخدمتهم لمصلحتها في إلهاء الشعوب.

هل يجب مراعاة رجال الدين القيمين على فعل التجديد توجهه في إحدى صوره إلى غير المسلمين. كيف يكون ذلك؟

يجب مراعاة شعور غير المسلمين بأن يقتصر حديث الخطيب في الميكرفون الداخلي للمسجد وتمنع الميكروفونات الخارجية وتمنع تماماً مهاجمتهم، فالإسلام دعا إلى ذلك، قال تعالى: «وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (العنكبوت: 46).

يزعم من يرفض تجديد الخطاب الديني أن ذلك من شأنه أن يطاول أصول الدين وثوابته القطعية، ما تعليقك؟

المقصود بتجديد الخطاب الديني تجديد وسائله وليس مضمونه.

السينما والتجديد

هل ينحصر تجديد الخطاب الديني في الخطب والمواعظ والدروس أم هو مفهوم أشمل ينسحب على أشكال الدعوة والإرشاد بأسلوب عصري؟

لم تعد الخطابة في المسجد هي المؤثرة فقط ولا حتى كتابة الكتب والمقالات في ظل تفشي الأمية الكتابية والقرائية وعدم فهم تعاليم الإسلام، لذا يحتاج الأمر إلى استغلال جميع الوسائل المتاحة بجانب الخطابة والكتابة مثل الدراما التلفزيونية والقصائد الشعرية والأفلام الدينية وحتى الاجتماعية المحشوة بالمفاهيم الدينية، ويستلزم هذا الأمر توجيها من الدولة والقيمين على الإعلام.

أين وسائل الإعلام من قضية تجديد الخطاب الديني؟

يساعد الإعلام الآن على التطرف من خلال استضافة أصحاب الآراء الغريبة من الجماعات. أفسد فالإعلام العربي الحديث الخطاب الديني وأسهم في نشر فتاوى غير صحيحة وتطرف بعض الدعاة حتى يجتذبوا جماهيرية، بالتالي تقبل عليهم القنوات الفضائية.

الإسلام السياسي، إلى أي مدى يعتبر المسؤول الأول عن إحباط محاولات تجديد الخطاب الديني؟

الإسلام السياسي مصطلح استخدمته الجماعات الدينية التي نشأت داخل المجتمعات الإسلامية ولم يتم ترشيدها، بل إنها انحرفت عن مسارها الطبيعي المتمثل في مجال الدعوة من دون الدخول في السياسة التي لها ألاعيبها وسراديبها. رأينا نموذج «الإخوان المسلمين» الذين ظنوا بقدرتهم على الحكم من دون كفاءات وإصلاحات إدارية.

ماذا عن مشاريع تجديد الخطاب الديني السابقة مثل محمد عبده والأفغاني وغيرهما؟

هذه ليست مشاريع. لا توجد مشاريع متكاملة لتجديد الخطاب الديني، والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي مجرد  أفراد متميزين ظهروا بأفكار خاصة أثرت في المجتمع الإسلامي دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ومن يقول إن لهم مشروعاً تجديدياً فهو من باب «أكل العيش».

أساس التقدم

• إلى أي مدى يرتبط نهوض الأمة بتجديد الخطاب الديني؟

أساس تقدمها فهمها للدين الصحيح وليس الخطاب الديني من خلال خطاب موثق ومتنور معتمداً على الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة .

• أي الخطابات على تنوعها يستطيع أن يؤثر في الناس ويتصدى للخطاب المتطرف؟

التصوف القائم على القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح بالإضافة إلى إلمامه القوي بروح العصر، وإذا لم يوجد ننتظر خطاباً وسطياً حقيقياً، فمحمد عبده قال لن يتم إصلاح الأمة إلا بالدين فالناس تنساق بالدين.

• ماذا عن الخطاب الديني الشيعي؟

رغم أن الخطاب الشيعي يتطور باستمرار فإنه غير مؤثر لأنه غير عقلاني.

• كيف تتم مراجعة وتنقية الأسانيد الفقهية، خصوصاً الآراء التي اشتق منها المتطرفون أفكارهم والتي تتعارض مع روح الحداثة؟

كل هذا ينتهي بالحديث النبوي الذي يقول: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي». ما يوافق كتاب الله وصحيح الحديث نعمل به ونرفض المخالف. والخطاب السني راهناً ضعيف ولو قوى نفسه لن يخاف من أي شيء لا من المتطرف، ولا من الإلحاد ولا من الشيعة.

• ما رأيك في مسألة توحيد الخطبة؟

توحيد الخطبة تقييد لإمكانات الدعاة ويمنع البحث والإبداع في الخطبة واختيار اللغة التي تتناسب مع جمهوره.

• لماذا مع يسر ما تطرحه نجد اللجوء إلى الخطاب المتشدد؟

أصبحت المسألة الآن «أكل عيش»، وهو السبب في تشتيت المسلمين.

نجد الدعاة الذين تحدثوا عن الدين حينما بدأ الإخوان مثلاً يصعدون إلى الحكم وظهور الأحزاب السياسية اتجهوا إليها بحثاً عن المكاسب المالية، فهذا ليس داعية إطلاقاً.

على كل من يتصدى للدعوة أن يدرس الدعاة في الماضي مثل الحسن البصري والعز بن عبد السلام وابن الجوزي وأحوالهم، فقد كانوا مرشدين وناصحين للحكام.

في سطور:

ولد عام 1943 حصل على الليسانس من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة 1967، ثم ماجستير في الفلسفة الإسلامية من جامعة القاهرة 1973.

نال دكتوراه الدولة في الفلسفة الإسلامية من جامعة السربون بباريس 1981. وتدرج في الوظائف من معيد بقسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم جامعة القاهرة 1967، حتى تولى عمادة الكلية في الفترة من 1995-1999، ثم نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطـــــــلاب (لفترتين متتاليتين) 1999 ــ 2007.

خبير في لجنة الفلسفة بمجمع اللغة العربية، عضو في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لدورات عدة، عضو لجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة، لدورات عدة، عضو لجنة الإشراف والمراجعة على كتاب «الإسلام بين الحقيقة والادعاء: رد على أهم الافتراءات المثارة ضد الإسلام، قديماً وحديثاً».

رئيس لجنة الإشراف على «موسوعة الفلسفة الإسلامية»، التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف المصرية 2010.

رئيس لجنة الإشراف على «موسوعة الأخلاق الإسلامية» التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 2012.

له ملفات عدة في الفكر الإسلامي والأدب والنقد، منها: «المدينة الفاضلة بين أفلاطون والفارابي: دراسة مقارنة»، و{الفلسفة الإسلامية: الجانب الفكري من الحضارة الإسلامية»، و{الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث»، و»الخطاب الأخلاقي في الحضارة الإسلامية بين الماضي والحاضر»، و»معالم التصوف الإسلامي»، و{قوانين القرآن»، و{ظاهرة التطرف الديني: التشخيص والحل».

back to top