أفكار وأضواء: ورقة في ملف المرأة الإيرانية (1 من 2)

نشر في 19-11-2015
آخر تحديث 19-11-2015 | 00:01
 خليل علي حيدر ورقة في ملف المرأة الإيرانية يقدمها الكاتب خليل حيدر على حلقتين، يتناول فيهما قصة المرأة مع فرض الحجاب في أعقاب نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، والانتقادات التي وجهت إلى تعامل الثورة مع العنصر النسائي، في مقابل ردود الكاتب الصحافي اللبناني المتحمس لتلك الثورة حسن الزين والتي تضمنها كتابه «الثورة الإيرانية في أبعادها الفكرية والاجتماعية».

 خاضت السلطة الملكية في إيران، زمن الملك رضا شاه بهلوي (1925 - 1941) معركة اجتماعية مع رجال الدين والقوى المعارضة لسياساته، من أجل إلغاء العباءة أو الشادور أو الحجاب النسائي، وفرض السفور على المرأة في الريف والمدينة بالإكراه... بالطبع، لم يفكر الشاه وأنصاره يومذاك في موقف المرأة ورأيها في مثل تلك الخطوة، أو مراعاة حريتها في اختيار ما يناسبها من حجاب أو سفور أو خليط منهما!

وما إن نجحت ثورة 1979 الإسلامية في إيران، حتى كان إجبار النساء على ارتداء الحجاب، حباً أو كرهاً، في مقدمة اهتمام رجال الدين وقادة النظام الجديد، حيث تم فرضه على سائر الإيرانيات وسائر المدن والمناطق، دون مراعاة بالطبع لقبول المرأة أو رفضها، ودون التفات إلى أن هذا الحجاب الإجباري لا وجود له في أي دولة إسلامية أو غير إسلامية، فالحقيقة أن الإسلاميين عموماً لا يرون بأساً في مثل هذا الإجبار، وأغلبهم ينسون للأسف أن نصف المسلمين من النساء، وأن للمرأة عقلاً وحقوقاً وحريات مدنية وشخصية، وأنها "مواطن" مثل الرجل!

 وفي ما يلي ورقة في ملف هذه القضية!

نحن الآن في أعقاب نجاح الثورة الإيرانية، في سنة انتصارها عام 1979 داخل الطائرة، التي كانت تقل "لجنة التحقيق والاستقصاء"، الموفدة إلى إيران، من قبل "الجمعية الدولية لحقوق الإنسان"، وتسمى باللغة الفرنسية Camite international des droits de L,homme بهدف دراسة أوضاع المرأة الإيرانية، كانت ماريا أنطونينا ماسيوشي، الكاتبة الإيطالية المعروفة، تتساءل دائماً عبر مناقشاتها مع بقية زميلاتها السبع عشرة، عضوات اللجنة "عما إذا كان باستطاعة الثورة الإيرانية تحقيق ذلك النجاح الكبير من دون المساهمة الفعالة التي قدمتها المرأة؟".

بهذه الفقرة بدأ الصحافي اللبناني المتحمس للثورة حسن الزين، الفصل الذي تحدث فيه ضمن حديثه المتدفق عن تطورات ووعود الثورة الكبرى في إيران، عن "المرأة في النظام الجديد". (الثورة الإيرانية في أبعادها الفكرية والاجتماعية، بيروت، يونيو 1979، ص109) وكان الجواب، أضاف الزين، يحمل دائماً إشارة إلى ضخامة حجم المساهمة النسائية "ودورها الحاسم ومشاركتها في جميع أعمال المقاومة وعن أن يوم الجمعة الأسود، الثامن من سبتمبر 1978، شهد مقتل سبعمئة امرأة من أصل أربعة آلاف قتيل، كن يتقدمن الصفوف، يمسكن بزمام القيادة، ومن أصل مئة ألف سجين كان ثمة أربعة آلاف امرأة تعرضن لصنوف التعذيب والقتل التي كانت منظمة السافاك تتقن صنعها وتتقن تنويعها في العهد السابق".

وفاء الثورات

عضوات "الجمعية الدولية لحقوق الإنسان" الإيطاليات أشرن إلى أن الثورات ليست وفية بالضرورة لأبنائها وبناتها مهما كانت درجة تضحياتهم ومساهمتهن، وتطرقن على وجه الخصوص إلى مجريات احتجاج وقمع بحّارة ميناء "كرونستاد" الذين أيدوا الثورة في روسيا عام 1917، ولكنهم اعتبروا مناوئين لمبادئها وعوملوا كأعداء لها وقوة تخريب، عندما اعترضوا على حصر السلطات كلها في يد "البلاشفة".

وقالت إحدى الإيطاليات في تنبؤ صادق عن مصير المرأة الإيرانية، "إنني أرى وجوه شبه بين نساء ثُرن في إيران ضد الحجاب وطلب إليهن بعد انتهاء الثورة التي ساهمت فيها العودة إلى البيت والتزام الصمت والطاعة، وبين بحارة كرونستاد"!

استبعد الصحافي اللبناني واستهجن هذا التشبيه، وكتب: "هذا الكلام كان يرد على لسان عضوات الوفد النسائي القادم لأول مرة، إلى إيران من أجل التحقيق في أوضاع المرأة الإيرانية ولكن مع من؟ مع العهد الجديد، مع المجتمع الجديد الذي لم تمض بعدُ أيام على انتصاره على أقسى ما في العالم الحديث من جهل وفساد وفحشاء ومنكر وُجّهت كلها إلى أقدس ما لدى المرأة الإيرانية، وأقسى مؤشرات هذه الفترة يتمثل في سكوت الضمير العالمي، وخاصة النسائي منه، عن هذا الفتك المستمر بحرية المرأة وحيويتها ودورها في المجتمع".

هذا الانتقاد لجمعيات أوروبا وأميركا النسائية، وهذا الاعتراض على تجاهلها "لما كان يجري بحق نساء إيران"، رددته نساء مؤيدات للثورة كذلك، فبعض الجامعيات الإيرانيات تساءلن: لماذا لم تأت إحدى القيادات النسائية الغربية "لزيارة إيران عندما كانت منظمة السافاك تخضع نساء إيران لأقسى أنواع الاغتصاب القسري والتعذيب المميت؟".

وأضافت الجامعيات الإيرانيات يدافعن عن الثورة، قائلات: "أليس الدين الإسلامي هو الأصلح، الأكثر ثورية والأشد يسارية Plus gouchiste؟ إنها الثورة الأبعد انطلاقاً في هذا القرن، تسعون في المئة من الشعب معها، بينما اعتمدت الثورتان الروسية والصينية على نخبة تقدمية قليلة مؤيدة Une Avant garde".

 ثم انتقل الكاتب حسن الزين إلى بيان موقف قيادة الثورة الإسلامية من المسألة النسائية: "نحن لسنا مخالفين لرقي المرأة وإنما نخالف الفحشاء والمنكر والبغي... بهذه الكلمات لخص الإمام الخميني نظرته إلى دور المرأة في المجتمع الإيراني، موضحاً أنه مع رقي المرأة وتقدمها شرط القضاء على الفحشاء والمنكر والبغي".

رقي المرأة

كانت موافقة الثورة الإسلامية على ما يسميه "رقي المرأة"، مرتبطة منذ البداية كما هو واضح، بشروط غامضة اختلف عليها الفقهاء في الماضي والحاضر، فما كان من "المنكر مثلاً" و"البغي" في تصرف وسلوك المرأة، وحتى الرجل في الماضي، قد تغير اليوم، وما كان يعترض عليه الفقهاء أشد الاعتراض قبل قرون شيعة وسنة، بات اليوم من مظاهر وضروريات الحياة، كوجود المرأة في الحياة الوظيفية العامة وقيادة السيارة والسفر دون محرم والقيام بمعالجة المرضى الرجال وإلقاء المحاضرات والعمل في المصانع وفي الزراعة والحقول والمطاعم... إلى آخره. ولو خرج الكثير من فقهاء تلك العصور لهالهم ما يرون في حياة مسلمي القرن الحادي والعشرين، شيعة وسنة! ولو كان المسلمون قد جمدوا عند آراء فقهاء السنة والشيعة الأقدمين، لما تقدمت المجتمعات في إيران ومصر وتركيا وغيرها خطوة واحدة، ولكانت الأسرة المسلمة أفقر الأسر، والمرأة المسلمة في أوروبا لا تصلح إلا للبقاء في المنزل، وربما لا تصلح حتى لتلك المهمة!

دافع الصحافي اللبناني حسن زين عن موقف الثورة الإيرانية من المرأة على آية حال قائلاً: "قد تكون هناك أخطاء، وقد تكون ثمة هفوات، ولكننا لم نر في جميع تصرفات العهد الجديد ما يدل على أن حواجز ستوضع في وجه تقدم المرأة وتحريرها من كل رواسب التخلف والجهل".

back to top