محمود السعدني... ناظر مدرسة الضحك العربية المشتركة

نشر في 13-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 13-11-2015 | 00:01
No Image Caption
• أطلق النكات على الوزراء والرؤساء

أطلق لسخريته العنان، وشملت قفشاته ونكاته كل شيء حوله، لم يستطع أحد مجاراته في زمنه، التف حوله المثقفون والكتاب والوزراء والرؤساء، وأطلقوا عليه ناظر مدرسة الضحك العربية المشتركة. هو محمود السعدني الذي تحل هذه الأيام ذكرى ميلاده في 20 نوفمبر 1928. عاش حياة حافلة بالكتابة الصحافية والإبداعية، وكان جمهوره بامتداد المنطقة العربية من الخليج حتى المغرب العربي.
يعد محمود السعدني أحد أهم رواد الكتابة الساخرة في العالم العربي. بدأ الكتابة في صحف ومجلات صغيرة نسبيا كالمجلة التي كان يصدرها مأمون الشناوي {الكشكول} حتى تم إغلاقها، وصحيفة {المصري} لسان حزب {الوفد}، وعمل أيضاً في {دار الهلال}، كذلك أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية، أغلقت بعد أعداد قليلة إثر صراع مع الرقابة والجهات الإدارية.

 تولى رئاسة تحرير مجلة {صباح الخير} في الستينيات، ورفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة، وعمل بمجلة {روزاليوسف} قُبيل تأميمها إلى جوار الأديب اللامع إحسان عبدالقدوس، كذلك اشتغل في صحيفة {الجمهورية} التي كان رئيسها أنور السادات شخصيا، وأسس بعد خروجه من مصر مجلة {23 يوليو}.

لم يسلم أحد من سهام محمود السعدني الساخرة، مثلا عندما يتحدث عن تركه مجال التمثيل - وكان قد كون فرقة مسرحية مع الفنان محمد رضا (ابن البلد المسرحية) في نهاية الستينيات – فيقول: {لو فعلت – أي لو استمر بالتمثيل -لأصبحت نجما يشار إليه بالحذاء}. ويصف واقعة فصله من جريدة {الجمهورية}، قائلا: {في أول شهر مايو ذهبت إلى خزانة جريدة الجمهورية لتسلم المرتب، ولكن مسؤول الخزانة الطيب انتحى بي جانباً وراح يعتذر للعبد لله عما حدث، ولم أكن قد فهمت بعد ما هو الذي حدث، ثم قدم لي ورقة كي أوقع عليها، ثم قدم لي خطاباً، فإذا به خطاب فصلي من الجريدة، يا قوة الله في المواقف الصعبة من حياتي تنتابني حالة غباء منقطعة النظير}.

ثورة يوليو

وفي أشهر وقائعه تظهر سخرية السعدني، فقد كان أحد أوائل المتحمسين لثورة يوليو، وكان له دور فاعل ومؤثر من خلال التنظيم الطليعي للاتحاد الأشتراكي للترويج للثورة وأفكارها ومبادئها في أوساط البسطاء وعامة الناس. حتى إن عبد الناصر وصف السعدني ودوره قائلا: {السعدني سفيرنا إلى المصاطب}، والمصاطب مكان جلوس وتجمع الفلاحين والناس في الأحياء الشعبية. وكان السعدني نفسه يردد هذه المقولة مراراً وتكراراً، إلا أنه أثناء زيارة صحافية إلى سورية قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر، فسلمها لأنور السادات من دون أن يعلم محتواها، وكان في الرسالة تهديد لعبد الناصر على إثر خلافه مع شيوعيين العراق، لذا تم إلقاء القبض عليه، وسجن ما يقارب العامين أفرج عنه بعدها، ورغم ذلك احتفظ السعدني بحبه لعبد الناصر وللثوره وحول سجنه إلى ملهاة ساخرة، كتب تفاصيلها في كتابه الشهير الطريق إلى زمش كان السعدني معتقلا في سجن سياسي – من دون أن يعرف سبب سجنه أو اعتقاله – فتلفت حوله فوجد الشيوعيين والوفديين والإخوان المسلمين والماركسيين، وكان لكل منهم حزبه أو تنظيمه السياسي، يفاخر به، ويحتمي خلفه، وكان السعدني وقلة قليلة فقط هم فرادى، فما كان من السعدني، إلا أن اخترع اسما وهو} زمش} كلما سئل إلى أي تنظيم تنتمي، كان يجيب فورا {زمش}، وكان السياسيون قديما قد اعتادو اختصار الأحرف الأولى من اسماء تنظيماتهم مثل {حدتو} بدلا من {الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني}. ومن سخرية القدر أن ذاعت شهرة زمش، مما أزعج بشدة أجهز الأمن، لعدم وجود معلومات عن هذا التنظيم لديها، وذهب البعض إلى احتمال أن يكون امتدادا للحزب الشيوعي السوري - صاحب الرسالة إياها- في مصر، فكلف مأمور السجن بتحري الأمر، حتى استدعاه المأمور، وذهب وهو منكوش الشعر واللحية، وثيابه متسخة وممزقة كعادة المعتقلين، فبادره المأمور يعني أيه حزب {زمش}؟، فرد عليه السعدني مع ابتسامة: {زمش تعني اختصار لـ زي ما أنت شايف}، فضحك مأمور السجن، وتركه يذهب، وأفرجت السلطات عنه بعد فترة لعدم جدية الموضوع.

غضب السادات

أما غضب أنور السادات عليه، فقد كان بسبب النكت التي أطلقها عليه وعلى أسرته، رغم أنه ارتبط بالسادات قبل توليه الرئاسة بعلاقات طيبة، وكان رئيسه في جريدة الجمهورية.

تعد مذكرات السعدني نموذجاً متميزاً لأدب السيرة الذاتية، وبدأ كتابتها منذ نهاية الستينيات، وصدرت في أجزاء: وهي {الولد الشقي في السجن}، و{الولد الشقي في المنفى}، ثم {الطريق إلى زمش}، و{ملاعيب الولد الشقي»، كذلك ترك للمكتبة العربية مؤلفات عدة وعناوين ما زالت تنال إعجاب القارئ، وتعرضها المكتبات للبيع منها {مسافر على الرصيف}، تحدث فيه عن الكثير من الشخصيات الثقافية المصرية المرموقة من كتاب وموسيقيين، كالملحن الشيخ زكريا الحجاوي، والكاتب عبد الرحمن الخميسي، والكاتب المسرحي نعمان عاشور، والشاعر محمود حسن إسماعيل، و}أميركا يا ويكا}، ترصد رحلة عربي لدولة التكنولوجيا الأميركية والفرق الشاسع بين المجتمعين، و}حمار من الشرق} تحليل لأوضاع العرب، خصوصاً مصر من حيث توغل مظاهر التخلف على حساب مظاهر الحضارة، و{الظرفاء}، الذي ذكر فيه مجموعة من المواقف الساخرة التي حدثت بالفعل مع قامات مصرية أدبية معروفة. وله أيضا {السعلوكي في بلاد الإفريكي} رحلات إلى إفريقيا}، {الموكوس في بلد الفلوس}، {رحلة إلى لندن}، {وداعاً لطواحين الهوا}- مجموعة مقالات ساخرة، {رحلات ابن عطوطة}- رحلات متنوعة تبلغ آفاقا مختلفة، و«أميركا يا ويكا}- رحلة إلى أميركا، و}مصر من تاني}- مجموعة مقالات عن تاريخ مصر.

back to top