هل العنف من وسائل «الإخوان»؟ (2-3)

نشر في 07-01-2016
آخر تحديث 07-01-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر كيف يمكن للمسلمين أن يدخلوا هذا العصر إن التفّوا حول مبادئ الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإسلامية؟ وما مصيرهم إن اعتزلوا الغرب وما بيده من تكنولوجيا وحداثة وقوة؟ وماذا يفعلون بما تعانيه مجتمعات العالم الإسلامي، من فقر وتخلف وإرهاب؟ لقد خاصمنا وعاندنا العالم المتقدم قرناً كاملاً أو قرنين، فهل الأفضل لنا مواصلة هذه "الممانعة" و"العزلة الشعورية" قرنين آخرين؟

يدافع البعض عن الإخوان المسلمين وربما حتى عن حزب التحرير وجماعات الإسلام السياسي المماثلة، بأنها لم ترتكب عنفاً مماثلا للأحزاب "العلمانية"، القومية واليسارية والوطنية، ولا أقامت دكتاتوريات مثلها، ولم تمارس إرهاباً وعنفاً وتفجيراً كالتنظيمات التكفيرية، "القاعدة" و"داعش" "و"الجماعة الإسلامية"، في مصر وغيرها!

ولكن مثل هذا الاعتراض، إن ناقشناه بهدوء وموضوعية، يبدو غير مقنع لأسباب عدة:

أولاً، الإخوان المسلمون بعد كل هذه السنين الطويلة منذ عام 1928، وكل هذه التجارب والخبرات، ليسوا من السذاجة والمغامرة كي يمارسوا العنف علناً، ويستخدموا السلاح في تحقيق مآربهم، وإن كان للإخوان في لبنان وسورية واليمن والسودان، وكذلك لبعض القيادات مثل فتحي يكن وسعيد حوى ود. الترابي آراء مؤيدة ومتعاطفة مع العنف كما هو معروف، من خلال مؤلفاتهم المتداولة في الوسط الإخواني على نطاق واسع، كما أن الإخوان، في الواقع، تجارب وجماعات واجتهادات، وحمائم وصقور، وقيادات محافظة وأخرى ثورية مندفعة.

 والتجربة أو التجارب في دول عربية عديدة علمتهم ألا يورطوا أنفسهم بسهولة في مغامرات العنف والسلاح، وإن كان بعضهم لا يرى بأسا في الوصول إلى الحكم بانقلاب كما في السودان، أو ربما بوسائل أخرى في دول أخرى.

 فالإخوان في مؤلفاتهم، كما نقرأ، يتحدثون كثيرا عن تهيئة المجتمع لتطبيق الشريعة وحكم الله وغير ذلك، ولكن ينزلقون على الدوام إلى تجارب مستعجلة، أو يُقْدمون على إجراءات غير مدروسة، كما رأينا في تجربة د. محمد مرسي بعد ثورة مصر الأخيرة عام 2013، وقبلها تجربة جعفر النميري والبشير في السودان.

 ثانياً، حركة الإخوان المسلمين حركة ضخمة مترهلة في بعض الدول، وفتية مندفعة شبابية في دول أخرى، والإخوان يهاجمون "الإرهاب"، ولا أعرف ما هو تحديدهم وتعريفهم له، ولكنهم لا يدينون استخدام العنف والسلاح وجماعاته في كل مكان بشكل واضح صريح.

وهم إن امتنعوا عنه في بعض الدول العربية، فلا نعرف موقف الجماعة وعلاقات قياداتها به في دولة أخرى، وبخاصة أن أغلب الإسلاميين، والكثير من البارزين، كانت بدايتهم في جماعات الإخوان، كما هو الأمر مع بعض القيادات والعناصر المعروفة والبارزة في تنظيم القاعدة والنصرة و"داعش" والجماعة الإسلامية وغيرها، ومن المستبعد أن تكون الصلات واحتمالات التنسيق مع الإخوان، الحركة الأم، قد انقطعت تماماً، ففي بعض دول مجلس التعاون مثلاً، كان القيادي الإخواني "الشيخ مناع قطان" يرشد الجماعة هناك، وكان أسامة بن لادن نفسه ضمن أعضاء الجماعة، وكان الكثير من الإخوان يأخذون منه الترخيص بالتوجه إلى أفغانستان للجهاد في ثمانينيات القرن العشرين، بعد أن يأذن لهم.

ونعرف جميعاً أن مؤسس الإخوان نفسه المرشد حسن البنا قد أفتى في قضية جواز استخدام العنف في اللحظة المناسبة، وقال في أحد المؤتمرات الحزبية رداً على المندفعين والمتعجلين من الإخوان ما معناه أن ساعة العنف لم تحن بعد، فهو لم يستهجن ولم يستنكر اللجوء للعنف في الصراع السياسي، ولم يبرئ نفسه أو جماعته من احتمال اللجوء للقوة والسلاح، حيث قال في المؤتمر الخامس للجماعة، ضمن خطاب جامع لخص فيه تجارب عشر سنوات مضت من تأسيسها، 1347 و1357هـ، "إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها".

غير أنه حاول طمأنة السلطات في مصر الملكية، فأضاف: "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها". (رسائل البنا، طبعة الشهاب، ص169-170).

ولكن استبعاد اللجوء للعنف إلا في اللحظة المناسبة، والتبرؤ من اللجوء للانقلاب والثورة، كانا بلا شك للاستهلاك الداخلي ولحماية الجماعة من الملاحقة والمضايقة، فقد كان حسن البنا، ربما مثل الكثيرين آنذاك، مبهوراً بمعجزات هتلر وموسوليني، ونجاحات النازية والفاشية، وحتى أتاتورك وستالين، بل إنه استبشر خيراً باشتعال الحرب العالمية الثانية، لأنها تعجل وتسرع تطور الأحداث، كما كان يرى.

 ربما إذاً كانت "الدعوية" في الجماعة بالنسبة إلى البنا مجرد واجهة رسمية، كما هي عادة الإخوان في أماكن كثيرة، بل يقال إن المرشد كان منذ البداية يتجه نحو بناء التنظيمات السرية المسلحة، يقول الباحث المصري في شؤون الإخوان د. زكريا سليمان بيومي في كتاب معروف هو "الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية"، مكتبة وهبة، 1979، ضمن حديثه عن بداية "التنظيم السري" في جماعة الإخوان ما يلي:

"أما عن النشأة التاريخية للتنظيم فقد اختلف الباحثون في تحديدها، وكان أقربهم للصواب، في رأينا، من رأى أن الفكرة قد وُلدت مع الدعوة وفي السنة الأولى منها، ويرجع ذلك إلى أن البنا كان يرى أن الاستعداد بالتسلح والتدريب أمر ضروري لاكتمال دعوته، وتنفيذاً لأمر الإسلام، مما جاء في الحديث الشريف: "من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية"، وقد تطور هذا التنظيم في مراحل كما كانت الدعوة، فبدأ في صورة نشاط رياضي كشفي، وألفت الجماعة فرقة الرحلات في كل شعبها، وكان البنا قد ألف أول شعبها وتولى تدريبها بنفسه".

 ويضيف: "ومع انتقال المركز العام للإخوان إلى القاهرة، وما صحبه من تطور في الجماعة، تطورت فرق الرحلات وتعددت أغراضها، وأصبح من أول هذه الأغراض التدريب العسكري، ثم التعارف ونشر الدعوة في ضواحي القاهرة". (ص124-125).

وتقول بعض المراجع إن "الجهاز الخاص" أو "الجهاز السري"، وهو نفسه التنظيم الخاص أو السري الذي ظهر وسط جماعة الإخوان كأداة تقوم بالاغتيالات وإرهاب الخصوم، قد نشأ قبل الحرب العالمية الثانية، ويذكر مؤرخ ثان للإخوان وهو د.إسحاق الحسيني، نقلاً عن أنور السادات "أن البنا كان يجمع السلاح سنة 1940". (بيومي، ص127).

وكان إيمان البنا برسالة جماعته لا يختلف ربما عن إيمان موسوليني وهتلر بحزبيهما: وكانت سيطرة البنا على التنظيم الإخواني وسياسات الجماعة "سيطرة كاملة لما منحه قانونها له من سلطات طغت على مبدأ الشورى، مما جعل المنشقين يتهمونه بالدكتاتورية، ويضربون مثلا بتعطيله مكتب الشورى العام المقرر عقده كل شهر لمدة عام، ولم يكن للجان حق الشورى إلا في الإجراءات الإدارية، أما سياسة الجماعة فكانت متروكة لتصرفه وحده". (المصدر نفسه، ص278).

ومما يؤكد هذا التوجه لدى البنا كذلك، وفق المقالات التي نشرتها صحيفة "النذير"، 16/ 2/ 1940، والتي ذكرت قوله لنفر من جماعته في خطبة عامة "إنه تسلم الراية من رسول الله، وإنه بهذا يريد أن يفهم أعضاء جماعته أنه مؤيَّد من قبل الرسول وليس لأحد أن يحاسبه أو يراقبه". (بيومي، ص279).

ورغم ما كان البنا يقوله بشأن "عدم التفكير في الثورة أو الانقلاب"، وتنزيه الإخوان أنفسهم عنهما، فقد وجد التنظيم السري لاحقاً طريقه إلى الجيش المصري، بل لا يزال الإخوان يتباهون بأن ثورة يوليو 1925 كانت من إعدادهم قبل أن يسرقها منهم جمال عبدالناصر، وقد كتب أحد العسكريين المصريين الذين انضموا للجهاز الخاص وهو "حسين محمد أحمد حمودة"، كتاباً عن تجربته في الجهاز، ذكر فيه أن مجموعة من الخلايا السرية ظلت تعمل داخل الجيش قبل الثورة، في الفترة ما بين 1944 و1948، وكانت خلية "حمودة" تضم جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين وخالد محيي الدين، وكانت هذه هي الخلية الرئيسة للإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة". (انظر: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، القاهرة: الزهراء للإعلام، 1985، ص33).

 ولا نريد الاستطراد في هذه المبحث التاريخي الذي نشرت عنه كتب ومقالات واعترافات كثيرة، ويتضح منها جميعاً أن جماعة الإخوان لم تكن جماعة دعوة دينية فحسب، ولم تكتفِ في دول عدة بالوسائل السلمية، واعتمدت في تجاربها في مصر على جماعة داخلية سرية مدربة على الأسلحة والمتفجرات، لتأدية المهام الخاصة، ولربما، كما قلنا، استلهم المرشد هذا النهج من تنظيمات عصره، أو حاول إيهام الجماعة أنه يقوم بما يشبه غزوات عصر ظهور الإسلام، وبخاصة أنه، كما أشرنا، قد ذكر في خطبة أنه "تسلم الراية من رسول الله"!

 وقد قال القيادي الإخواني السابق د. ثروت الحزباوي في إحدى مقابلاته التلفزيونية في محطة "أزهري" مؤخراً، إن عضو التنظيم السري الذي قام بإحدى عمليات التصفية، قام بها لأن رئيسه اشتكى أمامه ذات مرة "يا ريت واحد يخلصنا منه"، فنفذها دون أن يكلفه أحد مباشرة بالعملية! ولا حاجة اليوم للإخوان بأي تنظيم سري لأداء أي مهمات قد تسيء إلى سمعة الجماعة وتورطها مع الأمن، فما أكثر الجماعات المسلحة وأرباب "القوة الفعلية"، ممن قد يوعز إليهم الإخوان، ومعظمهم من تلاميذ الجماعة، فيقومون بالمطلوب. وما من شخص بارز في هذه الجماعات إلا والإخوان يعرفون عنه ربما أكثر ما تعرف الاستخبارات الأوروبية والأميركية!

back to top