الحياة متعة في مدريد!

نشر في 25-08-2015
آخر تحديث 25-08-2015 | 00:01
في الأحوال الجيدة كما السيئة، تعيد العاصمة الإسبانية ابتكار ذاتها وتستمتع في كل لحظة من ذلك.

تشكل بلازا مايو جنوب مدريد حفرة كبيرة في الأرض كانت تضم سوق الشعير في القرن السادس عشر. عندما كانت إسبانيا مزدهرة قبل عقد من الزمن، وُضعت خُطط لتحويل هذا الموقع إلى مجمع رياضي ومركز تسوق عصريين. لكن أزمة عام 2008 بددت كل هذه الخطط، تاركة وراءها طبقة من الإسمنت فحسب. بما أننا في مدريد، تحول هذا الموقع للتجمعات: راح الفنانون المحليون يرسمون الجداريات على السياج المتعرج، يجمعون المدرجات الخشبية لإقامة حفلات في الهواء الطلق، ويزرعون حديقة عامة. وهكذا أعادوا ابتكار El Campo de Cebada (حقل الشعير)، الذي أضحى أحد أبرز معالم التسلية الشعبية في المدينة.

أخبرني صحافي، متحدثاً عن طبقات من الفساد والوعود الكاذبة التي أدت إلى هلاك هذا المركز التجاري الضخم: {يشكل هذا أحد أكبر إخفاقات مدريد}. ولكن فيما كنت أقف مع بضع مئات من الناس وأستمتع بنور الشمس وغناء أحد المطربين الأسبان، بدا لي مثالاً جيداً للعبقرية المبدعة التي ترتكز عليها إحدى أكثر المدن الأوروبية إثارة. أحدث حفرة في الأرض وسيتوصل الناس إلى طريقة لتحويلها إلى موقع للحفلات.

تشكل روح المرح الصلبة هذه جزءاً من حمض المدينة النووي منذ خمسمئة سنة تقريباً، وهي تمد راهناً هذه العاصمة الدائمة الحركة بمواقع جديدة قليلة الكلفة لتناول الطعام والشراب وللاستكشاف. يذكر خيسوس رويز مانتيلا، مراسل في مجال الفن والثقافة في الصحيفة الوطنية El País: {من اللافت للنظر أن الأزمة تشكل وقتاً ملائماً للثقافة في مدريد. فقد أقنع تطور كبير الناس بأننا نحتاج إلى الإبداع الثقافي}.

اليوم الأول: الطعام والشراب

تشعر مع كل وجبة في مدريد بأنك في عطلة. الغداء عند الثانية بعد الظهر، وجبة التاباس عند الخامسة، والعشاء عند التاسعة مساء، ويبدو أن سكان المدينة الـ3.2 ملايين يخرجون جميعاً دفعة واحدة، بحثاً عن اللحم والزيتون وسمك الأنشوفة. يذكر السفير الأميركي في  إسبانيا جيمس كوستوس، الذي انتقل إلى هنا من لوس أنجلس، حيث كان مديراً تنفيذياً في مصرف HBO: {تسير كل الأمور في أوقات محددة. تشعر أن الناس يريدون التجمع حقاً}.

خلال بعد الظهر الأول في هذه المدينة، اصطحبني صديق إلى Barrio de las Letras، مركز أدبي تحده الأشجار كان سابقاً منزلاً لسيرفانتس ومقصداً مفضلاً لهيمنغواي. كان طلاب الجامعات بوجوههم البريئة والرجال الأكبر سناً بقبعاتهم الرياضية يتحلقون حول طاولات صغيرة في الخارج ويتسامرون وهم يدخنون ويتناولون المشروب. وفي موقع جديد لتناول التاباس يُدعى TriCiclo، كانت الحشود الأنيقة تملأ المكان. فاقتحمنا طريقنا وسط الزحمة إلى الصندوق على أحد الجدران وتناولنا سيفيتشي السمك الأبيض المميز بشهية لا تُضاهى.

أوضح صديقي، مستخدماً كلمة تشير في مدريد إلى الضحيح المرح للحشود المجتمعة: {هذا هو المرح. يحب الناس هنا الخروج إلى المكان عينه دفعة واحدة}. وبعد بضع ساعات، لاحظت تبدلاً مفاجئاً في الشوارع: كان الناس في كل مكان يقفلون أبواب منازلهم الضخمة، يصعدون في صفوف من سيارات الأجرة، أو يتدفقون على الأرصفة. إنه وقت العشاء ومزيد من المرح.

وكان من الطبيعي أن نتوجه، نحن أيضاً، لتناول الطعام. ومن أفضل المطاعم التي زرتها هنا Sala de Despiece. صُمم هذا المطعم ليبدو أشبه بملحمة مع تدلي خطاطيف اللحم من السقف. ويقدم هذا المطعم الجديد، الذي يعد فيه الطعام أحد أفضل الطهاة في المدينة، خافير بونيت، أطباقاً شهية، مثل لحم الثور الدسم. يشكل حي مالاسانيا الواقع شمال وسط المدينة محوراً آخر للحياة الليلية. ففي هذا الموقع بدأ بيدرو ألمودوفار تصوير الثورة بعد موت فرانكو عام 1975. يقصد الناس اليوم هذا المكان للاستمتاع بالمشروبات الباردة التي تشتهر بها المدينة. وتتميز مواقع كثيرة في هذه المدينة بالموسيقى التي تقدمها (TupperWare الموسيقى الهندية، Penta موسيقى البوب، وMercurio موسيقى الروك الكلاسيكية). لكنك لا تشعر في هذه الأماكن بالهوة بين الأجيال. يذكر رويز مانتيلا من El País (50 سنة): {كان الجيلان الأخيران أول مَن ترعرع في جو من الديمقراطية. نتمتع بإحساس قوي من الحرية والانفتاح}.

اليوم الثاني: الثقافة القديمة والحديثة

شرق Barrio de las Letras يقع متحف ديل برادو الوطني، وهو يشكل بمساحته التي تبلغ 41800 متر مربع محور متاحف مدريد الثلاثة الكبرى المعروفة باسم {مثلث الفن الذهبي}. فعلى بعد بضعة شوارع تقف أمام تحف من كل حقبة من التاريخ الأوروبي. على سبيل المثال يضم معرض Reina Sofía، معلم للفن الحديث كان سابقاً مستشفى أقفل أبوابه، لوحة {غيرنيكا} لبيكاسو، فضلاً عن بضع عشرات من الأمثلة عن الحركة السريالية التي أطلقها سلفادور دالي خلال إقامته الطويلة في مدريد.

بالإضافة إلى ذلك، تتعامل مدريد بطريقتها الخاصة مع الأبنية الصناعية المهجورة. فقبل الأزمة الأخيرة، حوّلت محطة طاقة بالية وباحة خلفية ملطخة بالدماء كانت تابعة لمسلخ قديم إلى معرضين عالميين للفن. وفي حي لافابييس، الذي يضم خليطاً متنوعاً من المهاجرين والشبان المتمردين، كان العمل جارياً على تحويل مصنع تبغ مقفل (La Tabacalera) إلى متحف وطني آخر. ولكن عندما نفدت أموال المستثمرين، احتل الفنانون الشعبيون داخل المصنع بقناطره الحجرية. وهكذا تحول اليوم إلى مركز فني ذاتي التنظيم يستضيف أحياناً حفلات الهيب هوب الراقصة. يوكد رويز مانتيلا: {هذه روح المرحلة الراهنة المذهلة. توافر مساحات واسعة يمكنك أن تمضي فيها نهاية الأسبوع مع أصدقائك.

اليوم الثالث: تقليد يوم الأحد

تأخذ مدريد يوم الأحد على محمل الجد. ولا شك في أن حي لا لاتينا المكان الأفضل لتمضية هذا اليوم. يقول فرانشيسكو سانشيز ريفاس، موظف في مصرف استثماري يهوى حياة المرح والسهر: {يجتمع الأصدقاء القدماء كلهم في المطعم ذاته كل أسبوع، حتى إنهم لا يتصلون هاتفياً أحدهم بالآخر في الصباح}. ولعل المكان الأكثر شهرة مدرسة كاسا لوتشيو القديمة. يخبر سانشيز ريفاس: {تقصد هذا المكان كل الشخصيات المهمة، مثل كلينتون، بلير، وغيرهم}. لكنه هو يُفضل مطعم خوانالالوكا المجاور، حيث تشكل فطيرة البيض والبطاطا الأفضل في المدينة، ويبدو طبق ساشيمي سمك عروسة البحر مع صلصة الفطر البيضاء الكثيفة لا يُقاوم. يضيف وهو يغمس قطعة من الخبز في الصلصة: {هذا أفضل مطعم في لا لاتينا، وهذا أفضل طبق}.

انتهينا من تناول الطعام مع مغيب الشمس. أنهت زوجة سانشيز ريفاس تدخين سيجارة في الخارج.

سرنا مجتازين مستديرة كنيسة سان أندريس المقببة لنصل إلى المنحدر الرملي في بلازا دي لا باخا، حيث يتمدد الناس صيفاً للاستمتاع بالشمس. في طرف هذه الساحة الشمالي تقع حديقة سرية في باحة محاطة بأسوار عالية وممر ضيق يقود إلى مجموعة من المقاهي في الهواء الطلق. فرحنا نتجول بين مصابيح الغاز، بحثاً عن مكان نتناول فيه الشراب.

التعرف أكثر إلى مدريد

انزل حيث يقيم مصارعو الثيران أو جد مكاناً حاصاً بك: يهوى مصارعو الثيران التجمع في فندق ME Madrid Reina Victoria في ساحة سانتا آنا. نتيجة لذلك، صارت حانة هذا الفندق أقرب إلى نسخة حديثة من نادٍ مخصص للرجال. وتحتوي لائحات موقع Airbnb أيضاً أكثر من 5 آلاف موقع في هذه المدينة، علماً أن غرفة نوم مرتبة في قلب المدينة تكلفك أقل من مئة دولار في الليلة.

الاستمتاع بالمطبخين القديم والحديث

تحب مدريد أن تجمع في طعامها بين التقليدي والغريب. وإذا أردت أن تتناول مأكولات عصرية، فلا بد من زيارة StreetXO، الذي يقدّم أطباقاً عصرية في مطعم في الطابق التاسع من مركز تجاري، وLa Gabinoteca، حيث يبدو التصميم الداخلي أقرب إلى لوحة للفنان إيشر، أما طبقه الأكثر شعبية، فهو الهمبرغر على الطريقة الإسبانية التي تُقدم في أكياس طعام مخصصة للمدارس. ولا شك في أن المطاعم التقليدية تتوافر كل مكان، وخصوصاً في منطقة لاس هيورتاس حيث يُعتبر الأفضل بينها Calle de Jesús، ولا لاتينا حيث يشكل Cava Baja أحد المطاعم الشهيرة التي تقدم مجموعة من الأطباق الصغيرة.

اشتر تذكارا

يضم حي شويكا متاجر ملابس الرجال المتقنة الصنع. أما إذا أردت تذكاراً يؤكل، تشكل السوقان المركزيتان في سان ميغيا وأنتونيو مارتن مكانين مميزين، فضلاً عن أن متجر La Conservera الصغير يُعتبر المكان الأفضل لشراء أي نوع من ثمار البحر المعلبة.

استمتع في الخارج

تحيط بهذه المدينة من كل جانب مساحات خضراء شاسعة. يشكل منتزه ريتيرو قرب برادو متاهة جميلة من البرك والتماثيل. أما منتزه ديل أويستي، فيضم معبداً مصرياً أهدي إلى هذه المدينة عام 1968. أما الطريق السريع على طول نهر مانزاناريس في الطرف الغربي من المدينة، فنُقل إلى تحت الأرض للحصول على مساحة خضراء بطول 10 كيلومترات تقريباً. وهكذا تحول منتزه مدريد ريو اليوم إلى وجهة مفضلة لمحبي ركوب الدراجات. وتقدم مؤسسة Bike Spain خدمات إيجار ممتازة وجولات برفقة دليل في المدينة، فضلاً عن عدد من البلدات المجاورة.

back to top