عيِّدي يا نفس

نشر في 26-09-2015
آخر تحديث 26-09-2015 | 00:01
 عفاف فؤاد البدر يقول العقاد: "إن الحزن طبيعة النفس البشرية، والفرح طارئ عليها، لذا كانت الابتسامة صناعة شيء ضد طباع النفس".

لا أعلم إلى أي قاعدة استند عليها أستاذنا الكبير، ولا أي نظرية قادته إلى هذا الاستنتاج؛ غير أن ما أعرفه هو أن الفرح والحزن ما هما إلا صورتان ذهنيتان يطبعهما الفرد في ذاته، فمن أراد الفرح والعيش في بهجة وسعادة فله ذلك، ومن أراد التعاسة والضنك وضيق العيش فله ذلك أيضاً.

ما أعرفه هو أن الله، عز وجل، عندما خاطب نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، قال له: "مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى"، فإذاً النفس البشرية تميل إلى السعادة والبهجة والفرح، وأيضاً ما قرأناه من سيرة الحبيب المصطفى بأنه ما رؤي إلا متبسماً، فالابتسامة هي الطبيعة التي يجب أن يكون عليها الفرد، ولنا في أطفالنا الدرس والعبرة، حيث نرى الطفل في لعب ولهو منطلقاً مع الحياة مبتهجاً مع الجمال منسجماً مع الألعاب، حتى لو كانت خشبة ملقاة على الأرض يلتقطها ويتخذها لعبة يتسلى بها، وهنا يأتي دورنا كمربين في تغيير مثل هذه البرمجات التي تمت برمجتنا عليها بأن الحياة كفاح وشقاء والعيش جهد وعناء، وأن الدنيا لا تؤخذ إلا غلاباً، ومن طلب العلا سهر الليالي.

طيب ألا يمكن أن أطلب العلا وأنام الليل، فالليل معروف أنه للسكون والهدوء، وهناك غدد لا تعمل إلا مساء وأنت نائم وفي الظلام الحالك، فلماذا أجهد نفسي وأمنعها الراحة المطلوبة، فهذه كلها برمجات تعوّد عليها كثير من البشر لدرجة أنهم بدأوا يقدسون مثل هذه الشعارات لمجرد أن الآباء والأجداد كانوا عليها، ولو تبصرت حقيقة نفسك لوجدت أنك إنسان مرح تحب السعادة وتبحث عنها باستمرار، وتتقصى مواطن البهجة لتسري عن قلبك، وإلا لما جاءتنا قبل أشهر قائمة بأسعد دول العالم للعيش فيها، وفقاً للدراسة السنوية (لعام 2014) التي نشرتها شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة (SDSN)، ولله الحمد والنعمة تعتبر الكويت رابع أو خامس دولة عربية ترفل بالسعادة.

 وكما أوضح التقرير فإن النساء بشكل عام أكثر سعادة قليلاً من الرجال في جميع أنحاء العالم، مظهراً أن "السعادة تعتبر بشكل متزايد الطريق السليم للتقدم الاجتماعي والهدف من السياسات العامة، وكثير من قادة العالم يتحدثون عن أهمية الرفاهية كدليل على تقدم دولهم".

وكيف يمكن للإنسان أن ينجز ويعمل وهو حزين مكتئب، فإنه حتى لو عمل تجد عمله خالياً من أي روح حيوية ونشاط وعمله ميّتين، وفي هذا الصدد فإنني أنصح أي إنسان حزين بألا يطبخ لأنه سينقل هذا الحزن إلى الطعام ويكون معدياً، لذا أيتها الزوجة، الأم، وأيضا أيتها الخادمة، لا تطبخي وأنت "متكدرة".

 وها نحن في أجمل أيام الله، عيد الأضحى المبارك، فلنبتهج ولنسعد ولنغنِّ ولنتراقص طرباً بقدومه، ومهما يمر في يومك من مواقف محزنة أو أشخاص يفتعلون لك المشاكل فتجاوزهم لأن مثل هؤلاء البشر يعشقون الدراما والبؤس، فدعهم ولا تدخل معهم في خط سيرهم المأساوي وتغافل عنهم وعش فرحة العيد بكل تفاصيله.

ويأتيك صنف آخر من البشر يرون يوم العيد كباقي الأيام ليست له قيمة، ويرون من يلبس الجديد فيه من الموضات القديمة، فلا تعرهم انتباهك أيضاً لأن مثل هؤلاء الأشخاص، إما يعيشون في حزن عميق داخل نفوسهم أو أنهم يريدون برمجتك على أمزجتهم ويسحبونك بفكرهم المتخبط الملوث إلى أهوائهم الدنئية، فلا تنصع لهم، وارمهم بابتسامتك النقية، لتعلمهم أن العيد من نعم الله علينا، لذا وجب علينا الفرح والسعادة وهي طبيعتك النقية الجميلة المرحة التي تدعوك إلى السعادة والانبساط والانشراح، فعيِّدي يا نفسي وأطلقي عنان الحب والسلام، وعيِّد يا عبدالله! وعيِّدي يا أمة الله.

والعيد أقبل مـزهوًا بطلعته

كأنه فارس في حلة رفـلا

والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم

كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا

back to top