«موقعة الصريف»... «واترلو» الكويت المنسية! (2)

نشر في 18-12-2015
آخر تحديث 18-12-2015 | 00:06
 خليل علي حيدر يذكر أكثر من مؤرخ أن مبارك عاجل ابن الرشيد في عقر داره لئلا تكون له فرصة للاستعداد، فسار إليه بجيش عرمرم من أبناء القبائل التي انضمت تحت رايته كمطير والعوازم والعجمان وعريب دار، والمنتفك والمرة، وبني هاجر، وثلة من الظفير، ونحو ثمانمئة مقاتل من أهل الكويت.

يعد الكتاب الثالث عن هذه الموقعة عملاً موسوعياً بحق من ناحية الحجم (710 صفحات)، وكمية المعلومات والصور والوثائق التي يوردها المؤلف السعودي خالد بن سليمان بن علي الخويطر في كتابه هذا، وهو بعنوان "كون الصريف" و"كون" هنا بمعنى "الحدث العظيم"، والكتاب مطبوع في بيروت عام 2013، وفيه الكثير من الصور والتوضيحات الملونة، وهو من منشورات دار جداول jadawel اللبنانية.

تتضارب التقديرات في عدد قتلى الصريف، لكنهم كانوا على الأرجح بالآلاف، ويورد الخويطر في كتابه جدولاً تفصيلياً بالأعداد وفق تقدير المصادر "بين المغالي والمجافي" كما يقول. (ص336).

ولم يكونوا جميعاً، مهما كان عددهم الحقيقي، ضحايا الاقتتال المباشر في المعركة، فانتهاء المعركة كما يبين الخويطر بالتفصيل لم يمنع ابن رشيد من قتل الأسرى، ومن يقع بيد جنده وعيونه دون رحمة أو شفقة في انتقام وحشي.

ويبدو أن الشيخ مبارك قد أعد جانبا من الحملة على عجل ودون إعداد كاف، وكان الجند من القبائل والحضر ومن خاصته ومن "عبيده"، حيث كان لآل رشيد كذلك "400 فارس من العبيد السود يحيطون به ويرافقونه في كل حين حاملين علمه في ميادين القتال حتى سمي علم العبيد". (د. العجمي 194).

 ويتحدث د. العجمي عن جيش مبارك والقبائل وظروف تحالفاتها فيقول: "كان رجال البادية الأساس الذي اعتمد عليه الشيخ مبارك في حروبه، إلا أن هذه القبائل كانت تتغير من حين إلى حين حسب قوة ونفوذ الشيخ في ذلك الوقت، كما أنها لا تخفي استعدادها للقتال لكل من يحسن لها البذل والعطاء، فقد تكون إلى جانبه في معركة ثم نراها ضده في معركة أخرى وفي بعض الأحيان نجد هذه القبائل، وقد غيرت معسكرها أثناء سير القتال تبعا لمصلحة تنشدها أو لغدر مبيت ضد سيدها في المعركة". (ص193).

كانت القبائل تشكل معظم جيش مبارك، ربما أكثر من 90% منه، إذ يقول د. ظافر العجمي "تكون حشد مبارك حين مسيره من عشرة آلاف رجل، منهم سبعمئة مقاتل من حضر الكويت وعلى رأسهم مبارك وأولاده وإخوانه حمود وخليفة وصباح بن حمود". (ص245).

 وعن القبائل والقوى المشاركة تحت لواء الشيخ مبارك يقول المؤرخ الرشيد: "رأى مبارك أن يعاجل ابن الرشيد في عقر داره لئلا تكون له فرصة يستعد بها، فسار إليه بجيش عرمرم ضم كثيراً من العربان كمطير والعوازم والعجمان وعريب دار، والمنتفك والمرة، وبني هاجر، وثلة من الظفير، ونحو ثمانمئة مقاتل من أهل الكويت، وكان مبارك هو القائد له بنفسه، وفي معيته حمود وخليفة وصباح بن حمود من آل الصباح والإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود وابنه عبدالعزيز سلطان نجد، وآل سليم أمراء عنيزة، وآل مهنا أمراء بريدة، وبعد خروج الجيش تبعه سعدون السعدون أيضاً". (تاريخ الكويت 1999، ص 256).

ويقول د. ظافر العجمي عن القسم الآخر من جيش مبارك، أي سكان مدينة الكويت من الحضر: "وينقسم جيش مبارك من أهل الكويت إلى قسمين: رجال مبارك الخاصين وأولاده ومن يتبعهم من غلمان، أما القسم الثاني فهم الذين يتم تجنيدهم من أهل الكويت الذين لم يكن يستطيع الاعتماد عليهم وحدهم لقلة عددهم، ولانصراف معظمهم إلى الغوص والتجارة كارهين للحرب. وقد كان الكويتيون ينضمون إلى القتال طواعية وأحيانا أخرى يتم تجنيدهم قسراً، حيث كان المكلف بالتجنيد الإجباري خادم مبارك المشهور عبدالله الهاجري الذي لم يكن يقبل الجهل بالرماية كحجة للتهرب من القتال، حيث كان يقول للمتهربين من القتال "إذا ما تعرف ترمي خلهم يرمونك". (ص193).

وكان لهذا التعجل والتجنيد القسري عواقبه العسكرية، ففي ساحة القتال بالصريف يقول د. العجمي: "صمد قلب الجيش المشكل من حضر الكويت قليلي التدريب صمودا لا طائل منه، فهم جزء من جيش غير متجانس في تكوين لم يستطع مجاراة رجال ابن رشيد المدربين جيدا والذين تشد من أزرهم القوات العثمانية". (ص251).

كان "ابن رشيد"، كما يقول د. العجمي، "قد أوصى رجاله بألا يعتقوا أحداً من الكويتيين لا أسود ولا أبيض". (ص 194). أي أن كل مشارك في هذه الحملة من جيش مبارك مطلوب ميتا، ومن لم يكن ميتا يقتل بلا رحمة، البيض والسود والسمر!

 ويقول الخويطر عن المصير المؤلم للأسرى: "لقد أعمل ابن رشيد السيف في الأسرى المغلوبين دون وجه حق، فلم يرحم ضعفهم وقلة حيلتهم، بينما كان يجب عليه أن يتحلى بأخلاق الفرسان، فيعفو عن الأسرى ويمنّ عليهم لوجه الله، كان يجب أن يفعل ذلك معهم لو كانوا كفاراً، فكيف وهم مثله مسلمون موحدون، فالمنّ عليهم كان أولى لو لم تغلبه رغبة الانتقام على سجية العفو عند المقدرة". (ص337).

أما مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد، فيقول: "نحن نعذر ابن الرشيد في بعض ما أتى لاعتداء مبارك عليه، ولكن لا نعذره ولا يعذره الله والتاريخ في تلك الأعمال الوحشية التي مثّل بها أدوار الحيوانات المفترسة، وهو يعلم أن أهل الكويت مكرهون، ويكفي العاقل اللبيب اعتباراً فظاعة ما عمله ابن الرشيد، وما حل به وبأنصاره من البلاء، وما أصيبوا به من زوال الملك والسطوة ووقوع السيف فيهم، واستيلاء عدوهم على كل ما كانوا يملكون". (ص258).

ماذا عن مصير بقية الفارين ممن شاركوا في المعركة ثم تفرقوا بعدها طلبا للنجاة، مشردين بين قرى وبلاد نجد؟ وماذا يقول المؤرخون في أسباب الهزيمة؟ وما أوجه التشابه مع معركة واترلو التي جرت بالطبع بين جيوش نظامية ولم تشهد أعمالاً انتقامية رغم كل ما أحدثه نابليون وغزواته من صداع وفوضى في أوروبا؟

سنرى ذلك في مقال قادم.

back to top