لمَ ينبغي تفادي خروج اليونان من اليورو؟

نشر في 16-07-2015
آخر تحديث 16-07-2015 | 00:01
على مر السنين راكمت أنجيلا ميركل رصيداً سياسياً كبيراً، فهي تتمتع بثقة الشعب الألماني، وقلما استخدمت هذا الرصيد لتتخذ قرارات غير شعبية، ولكن حان الوقت لتقوم بدور سياسي ماهر وأن تتوصل إلى صفقة، حتى لو كان ناخبوها يفضلون التخلص من اليونان نهائياً.
 شبيغل تستعد أوروبا لخروج اليونان، ويود المقترعون الألمان رؤية هذا البلد يترك نظام العملة الموحدة، لكن هذا سيشكل خطوة خاطئة، فمن الضروري تفادي خروج اليونان مهما كلف الثمن.

قد يشعر كل مَن يعارض احتمال خروج اليونان بالوحدة في ألمانيا في الآونة الأخيرة، فقد أصبح الاستياء من الحكومة اليونانية واسع الانتشار، فضلاً عن أن الجولات المتواصلة من محادثات الدين استنفدت طاقة الشعب، نتيجة لذلك، يحمل خروج اليونان في الظاهر الوعد بالإعتاق، حتى إنه يبدو أكثر جاذبية بالنسبة إلى كثيرين. ولكن إن تخلت اليونان عن اليورو، فستكون العواقب كارثية بالنسبة إلى أوروبا واليونان وألمانيا بالتأكيد، فلن يطول الوقت قبل أن نشعر بالندم حيال ذلك اليوم، ولا تقتصر المخاطر على بضعة ملايين من اليورو، التي ستضيع في مطلق الأحوال.

سيسم خروج اليونان نهاية عملية التكامل الأوروبي، وسيتعرض اليورو لهزة قوية كعملة، وسيتزعزع الاتحاد الأوروبي جيو-سياسياً.

بعد تربع اليونان طوال خمس سنوات على رأس أجندة أوروبا، سيعني خروجها من منطقة اليورو إخفاق جهود قادة هذه الكتلة، ومن المؤكد أن اليونان سيواجه مصاعب جمة، وسيبتعد تدريجياً عن أوروبا.

قد تكون منطقة اليورو اليوم أكثر قوة مما كانت عليه قبل خمس سنوات، وقد يتضح أن تداعيات خروج اليونان أقل حدة مما توقعنا عام 2010، ولكن في هذه المرحلة، لا أحد يعلم ما ستكون عليه هذه العواقب بالتحديد، بما أنه لا سابقة لأمر مماثل، وسواء اتخذت هذه التطورات منحى منظماً أو عشوائياً، سيبقى خروج اليونان حدثاً بالغ الأهمية ومكلفاً بالتأكيد لأنه سيكبد ألمانيا خسارة نحو 60 مليار يورو، علاوة على ذلك، ستنشأ الحاجة إلى مساعدات إنسانية إضافية بالمليارات من دون أن ننسى تخفيف أعباء الدين.

أكثر من عملة

لكن الأهم من ذلك كله أن خروج اليونان يعني كارثة بالنسبة إلى أوروبا، فاليورو أكثر من مجرد عملة، فقد صممه مؤسسه ليكون أداة للوحدة السياسية الأوروبية؛ لذلك، إن تخلت اليونان عن اليورو، فعليها أن تترك أولاً الاتحاد الأوروبي، وهدف هذه الكتلة الترويج لاتحاد أكثر تقارباً بين دوله الأعضاء، غير أن خروج اليونان سيعكس هذه العملية.

نتيجة لذلك سيبدو اليورو عملة اتحاد نقدي غير مكتمل وهش وسهل الانهيار، كذلك سيتحوّل خروج اليونان إلى سابقة، وما إن تلوح الأزمة التالية في الأفق، حتى تبدأ الأسواق بالمضاربة ضد دول مثل إسبانيا وإيطاليا.

ساهمت أزمة اليورو في تعزيز الحركة الشعبوية عبر القارة، إذ يشير الشعبويون إلى هيمنة ألمانيا ويعتبرون مثال اليونان دليلاً على أن بروكسل تدوس بقسوة إرادة الشعوب، ولا شك أن خروج اليونان سيخدم مصالح أحزاب مثل الجبهة الوطنية في فرنسا وحزب بوديموس في إسبانيا. علاوة على ذلك سيشكل خروج اليونان فشلاً جيو-سياسياً، إذ تسعى أوروبا لتكون ثالث قوة عالمية، بعد الولايات المتحدة والصين، ولكن إن كانت عاجزة عن حل مسألة بسيطة مثل مشكلة اليونان، حتى بعد سنوات من المشاورات، فكيف تتوقع أن تأخذها الأطراف الأخرى على محمل الجد؟ ومَن سيصدق أنها ستتمكن من حل مشاكلها مع اللاجئين أو الصراع الأوكراني؟ سيكشف خروج اليونان أيضاً التصدعات في أوروبا، وسيجعل هذه القارة مكشوفة وعرضة للمخاطر، ولكن تقتصر هذه الأخيرة على أمثال فلاديمير بوتين الذي لن يضيع أي وقت في استغلال معاملة أوروبا لليونانيين بغية الترويج لأهدافه الدعائية والسعي إلى توطيد العلاقات معهم لأهداف استراتيجية.

إن أُرغمت اليونان على التخلي عن اليورو، فستشعر بالغضب والذل وستتحول إلى أمة مدمرة اقتصادياً ومزعزعة سياسياً، بالإضافة إلى ذلك، لن يبقى في قلب حكومتها أي حب تجاه الاتحاد الأوروبي، لكن اليونان ستبقى عضواً في حلف شمال الأطلسي، علماً أنها تتمتع بموقع استراتيجي ممتاز في البحر الأبيض المتوسط، ويفوق عدد اللاجئين الذين يصلون إلى شواطئها ما يستقبله أي بلد آخر في أوروبا.

عملية الإنقاذ الثالثة

تشمل الحجج الواهية التي يطرحها المعسكر المؤيد لخروج اليونان أن العودة إلى الدراخما تساعد اليونان، لكن الخروج من منطقة اليورو سيدفع بالبلد عميقاً في الفوضى الاقتصادية، التي لا يمكن لأي مساعدة إنسانية أن تعوض عنها. ولن تعود العملة الجديدة القليلة القيمة بفائدة تُذكر على اليونانيين لأنهم يملكون قطاع صادرات صغيراً، أما الواردات فستصبح مكلفة جداً، مما سيجعل الناس يغرقون في فقر أكبر، فضلاً عن ذلك ستقفل الشركات أبوابها، وسيخرج التضخم عن السيطرة، ولا شك أن هذا كله يُعتبر كارثياً بالنسبة إلى بلد عانى تراجعاً بنحو 25% في ناتجه الاقتصادي منذ عام 2007.

يجب ألا نسمح بخروج اليونان، إن كان بالإمكان تفاديه بأي وسيلة من الوسائل، ومن الضروري بالتأكيد ألا يحدث ذلك فقط لأن القادة الأوروبيين مستاؤون من اليونانيين وسئموا منهم، لكن هذا لا يعني بالتأكيد أن نسمح لحكومة يونانية امتحنت إلى حد كبير أعصاب الكثيرين في أوروبا بتحقيق مآربها، إلا أن خروج اليونان يجب أن يظل الحل الأخير: خيار يجب عدم التفكير فيه إلا إذا أخفقت كل الحلول الأخرى، لكننا لم نجرب حتى اليوم كل الحلول المتاحة.

ما نحتاج إليه اليوم صفقة لرزمة إنقاذ ثالثة مقابل إصلاحات صارمة وتخفيف أعباء الدين، كما حض صندوق النقد الدولي.

 وعلى مر السنين راكمت أنجيلا ميركل رصيداً سياسياً كبيراً، فهي تتمتع بثقة الشعب الألماني، وقلما استخدمت هذا الرصيد لتتخذ قرارات غير شعبية، ولكن حان الوقت لتقوم بذلك، يلزم أن تُظهر أنجيلا ميركل أنها تستطيع أن تؤدي دور السياسي الماهر وأن تتوصل إلى صفقة، حتى لو كان ناخبوها يفضلون التخلص من اليونان نهائياً.

ماثيو فون رور

back to top