بين خطابات القيادات... هل يتحالف التنظيمان؟

نشر في 04-01-2016
آخر تحديث 04-01-2016 | 00:01
 محمد مختار قنديل منذ أيام وبعد غياب عن الإعلام سبعة أشهر خرج علينا أبو بكر البغدادي في خطاب مسجل له بعنوان "فتربصوا إنا معكم متربصون" مدته 24 دقيقة ليس إلا، ووسط غياب إعلامي قاعدي خرجت علينا مؤسسة السحاب في نوفمبر الماضي بتسجيل صوتي لزعيم القاعدة أيمن الظواهري بعد غياب ملحوظ عن الإعلام، يظهر التسجيل أنه منذ فترة قريبة لحديثه عن الضربات الروسية ضد المعارضة السورية.

شمل الخطابان نقاطاً مشتركة، وإن اختلفت رؤية كل منهما لها، وأبرز تلك النقاط، وهو ما يهمنا هنا، نقطتان أساسيتان: ما العدو في وجهة نظر كل منهما؟ وما موقع القضية الفلسطينية في فكر كل منهما؟

العدو والتوحد ضده

في حديثه عن القوى المعادية للإسلام والمسلمين، كما يزعم، قال الظواهري "الأميركان والروس والإيرانيون وحزب الله والعلويون، ينسقون حربهم ضدنا، فهل عجزنا أن نوقف الخلاف بيننا لنوجه جهدنا كله ضدهم"، وعلى الرغم من أن هناك تعارضاً في المصالح بين كل ما ذكره والأميركيين فإن الظواهري يثبت في خطابه ما ينتهجه تنظيم القاعدة منذ إعلانه أن العدو الأول للإسلام والمسلمين هم الأميركيون، ثم تابع الأعداء بعدها بالروس، وفي ذلك نوع من الحنين إلى الماضي في حربه بأفغانستان، ثم سرد بعد ذلك الإيرانيين وحليفهم حزب الله وختم بالعلويين، ولعل ختامه بالدعوة للتوحد ضدهم مبني على مبدأ استحضار الماضي الذي يتسم به العقل السياسي للتنظيم ودعوة المجاهدين "الإرهابيين" من قبل للتوحد ضد الروس في أفغانستان، كما جاء في نظرية الجهاد المهاجر لمنظر القاعدة عبدالله عزام.

حقيقة الأمر دعوة الظواهري للوحدة بين المجاهدين ليست الأولى في السنوات الماضية، ولكن هذه المرة لها شكل آخر وربما يكون لها صدى أوسع بين الفصائل المختلفة، خاصة والتطورات في المنطقة تتسارع وتنذر بغياب تام لعودة الشرق الأوسط لما كان عليه من قبل، إلى جانب التخاذل العربي إزاء التدخل الروسي في سورية وقتل المعارضة، إلى جانب السخط الجهادي من فصائل مختلفة على تنظيم "داعش" ووقوفه ضد بعض الفصائل السورية المعارضة، وغروره القاتل الذي يرمى إلى أنه الملاذ الوحيد للفصائل، ففي حال عودة "القاعدة" من جديد لن ترى تلك الجماعات خياراً بديلاً غير تنظيم القاعدة للجوء إليه، إلى جانب المواقف المختلفة من التدخل الروسي في سورية.

لم يختلف البغدادي مع الظواهري في تحديد الأعداء، لكنه أضاف عليه متحدثاً عن التحالف الإسلامي العسكري بقيادة السعودية الذي قال فيه "ليس إسلاميا وهدفه قتال دولة الخلافة، لو كان هذا التحالف إسلاميا لأعلن عن نصرة ومساعدة الشعب في سورية".

القضية الفلسطينية

بدأ الظواهري خطابه بالحديث عن الوضع في القدس قائلا "إن تحرير فلسطين لا بد له من أمرين، الأول هو ضرب الغرب وخاصة أميركا في عقر دارها، والآخر هو إقامة دولة إسلامية في مصر والشام، لحشد الأمة لتحرير فلسطين، ولا بد في سبيل ذلك من الوحدة، ونبذ الخلاف وإيقاف القتال بين المجاهدين".

أيضا تشابه البغدادي في خطابه الأخير مع الظواهري في الحديث حول القضية الفلسطينية، وهذا ما يظهر في قوله "ما نسينا فلسطين لحظة واحدة، وبإذن الله لن ننساها... قريبا قريبا بإذن الله، تسمعون دبيب المجاهدين وتحاصركم طلائعهم في يوم ترونه بعيدا ونراه قريبا"، ولهذا دلالة كبرى حيث إن هذه هي المرة الأولى للبغدادي، منذ أن تولى زعيم التنظيم، التي يتحدث فيها عن القضية الفلسطينية وإسرائيل والتوعد لها، ولعل ذلك يعود لسببين: السبب الأول التقرب من تنظيم القاعدة، والثاني نفي الاتهامات الموجهة إليه باستمرار بتجاهل القضية الفلسطينية والبعد دائما عن الحديث حول إسرائيل.

الواقع يشير إلى أن أعظم قضية يمكن استغلالها لكسب تعاطف المسلمين هي القضية الفلسطينية، ولعل نفور الكثير من البغدادي و"داعش" ارتبط بحجة تغيبه عن الحديث عنها، أما القاعدة فقد أولت على نفسها منذ أن ظهرت عقب تحرير أفغانستان الحديث حول القضية الفلسطينية وتحريرها.

مغازلة كل منهما للآخر

تأكيدات الظواهري من وقت إلى آخر في خطابه على الاتحاد بين التنظيمات الجهادية بهدف مقاومة العدو التي رمى فيها ضمنيا إلى الاتحاد مع "داعش" أو التنظيمات الموالية له، وهذا ما عبر عنه أيضا الظواهري في خطاب سابق بأنه لو كان في سورية أو العراق لحارب مع "داعش"، قوبلت في خطاب البغدادي بلغة تعبر عن ضعف تنظيم "داعش" كنوع من أنواع الاستعطاف الأخير، إلى جانب أنه حاول أن يصالح التنظيمات الأخرى خاصة طالبان، حيث أشاد في خطابه بالجهاد ضد الأميركيين في أفغانستان.

إمكان التحالف بين التنظيمين

تبرر التنظيمات الجهادية الرافضة لـ"داعش" موقفها في مجموعة من النقاط، ولعل أبرزها يتمثل بعدم شرعية خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، وبث تنظيم الدولة الفرقة بين المجاهدين، وإساءة تنظيم الدولة للجهاد والمجاهدين والإسلام، وغلو تنظيم الدولة في التكفير، وسفكهم للدماء المحرمة، وافتقارهم للعلم والفقه.

إلا أن قيادات أكبر تنظيمين "البغدادي، الظواهري" كان لهم رأي مخالف، هذا الرأي ينبع في وجهة نظرنا من قاعدتين أساسيتين في العقل السياسي للجماعات الجهادية: أولهما، استغلال الظروف، وثانيهما، دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص.

من ناحية استغلال الظروف: يعيش تنظيم القاعدة هذه الأيام حالة من الضعف وغياب شيء ما من الساحة لدرجة أن مقولة "القاعدة أصبحت جزءا من الماضي" ألصقت بالتنظيم وكأنها حقيقة، وحتى يعود لا بد أن يدلي بدلوه مرة أخرى على الساحة العالمية، وهذا ما حاول فعليا القيام به من خلال حادثة مالي الأخيرة، ولكن التفاعل الإعلامي الضعيف معها لم يشبع رغبة القاعدة، ولم يعد طرحها بصورة كبيرة إلى الساحة.

فكرة إقامة الدولة الإسلامية في فكر تنظيم القاعدة ترتكز بالأساس على محاربة العدو البعيد والتخلص منه، ثم التفرغ للعدو القريب، ما يفعله تنظيم "داعش" الذي يختلف معها في تلك النقطة يخدم مصالح التنظيم، حيث إنه يعمل على إضعاف العدو القريب، كما أنه يغمي عيون العدو البعيد عن تنظيم القاعدة؛ مما يتيح له مساحة من العمل وعلى هذا نرى أن "داعش" يصبح جزءا من القاعدة بالاستغلال.

من ناحية أخرى تساعد قاعدة دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص في إيجاد مخرج شرعي حالما يدعو التنظيمان للاتحاد بينهما، حيث إن الرفض في التحالف بين التنظيمين يعود إلى رؤية كل منهما أن الثاني مخالف لبعض الأسس الشرعية، الضعف الواضح داخل التنظيمين خاصة في تنظيم "داعش" يدفعهما إلى تجاهل الخلافات الخاصة من أجل تقوية بعضهما في محاربة التحالفات المتكاثرة التي تخرج كل يوم لمحاربتهم.

ختاما على الرغم من أن هناك العديد من الاختلافات الفكرية والشرعية والتنظيمية بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، فإن الخطابات الأخيرة واللغة المستخدمة فيها تشير إلى احتمالية حدوث تنسيق بين التنظيمين في الوقت الحالي حتى ولو كان تنسيقاً مؤقتا.

back to top