دماغك... لا ذكر ولا أنثى

نشر في 23-12-2015
آخر تحديث 23-12-2015 | 00:00
قرأت على الأرجح أن امتلاكك دماغ رجل يساعدك في جني مبالغ أكبر من المال، وأن دماغ المرأة أكثر قدرة على القيام بمهام عدة دفعة واحدة. ولكن ما من دماغ رجل ودماغ امرأة، حسبما أظهر أول بحث يتناول الاختلافات بين الجنسين في دماغ الإنسان ككل.                                             

كشف مسح 1400 دماغ أن معظمها يضمّ خليطاً من خصائص الرجل والمرأة. ودعم التقرير أيضاً فكرة أن الجنس ليس ثنائياً، وأن التصنيفات وفق الجنس قد لا تكون لها أي أهمية في أوضاع كثيرة. يقول أتيليس كايزر من جامعة بيرن بسويسرا: {تُعتبر هذه الأدلة على أننا لا نستطيع تصنيف أدمغة الناس في فئتين واضحتين جديدة، مقنعة، وجذرية إلى حد ما}.

على نحو مماثل، تشدد الدكتورة دافنا جول على أن فكرة أن الإنسان يملك دماغ {امرأة} أو دماغ {رجل} قديمة. وتذكر: {تعتبر هذه النظرية أن الخصيتين، حين تتكوّنان في الجنين، تفرزان التيستوستيرون، الذي يضفي على الدماغ طابعاً ذكراً. ولكن لو كان هذا الأمر صحيحاً، لكانت الأدمغة نوعين فقط}. لاختبار هذه النظرية، تناولت جويل وزملاؤها الاختلافات في مسح دماغ 1400 شخص تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والخامسة والثمانين. بحث الفريق عن اختلافات في حجم مناطق الدماغ، فضلاً عن الوصلات بينها. حددوا عموماً 29 منطقة تبدو مختلفة بالحجم بين مَن يعتبرون أنهم يملكون دماغ رجل أو دماغ امرأة. شملت هذه المناطق الحصين المرتبط بالذاكرة والتلفيف الجبهي السفلي، الذي يُعتقد أنه يؤدي دوراً في تفادي المخاطر. ولكن عندما تحققت المجموعة من مسح كل دماغ على حدة، اتضح لها أن أناساً قلائل امتلكوا خصائص الدماغ كافة التي نتوقّع أن نراها استناداً إلى جنسهم. في هذه العينة، تراوحت نسبة مَن يملكون دماغ رجل بالكامل أو دماغ امرأة بالكامل بين 0 % و8 %، وذلك بالارتكاز على التعريف المعتمد. توضح جول: {يقع معظم الناس في الوسط}.

يعني هذا الأمر أن الاختلافات بين الجنسين في بنية الدماغ موجودة، إلا أن الدماغ الفردي سيبقى على الأرجح فردياً مع خليط من الخصائص. {فما من نوعين من الدماغ فحسب}، وفق جول. صحيح أن الفريق اكتفى بالتحقق من بنية الدماغ ولم يتناول وظائفه، إلا أن اكتشافاته تشير إلى أننا كلنا نقع في مكان ما بين ما اعتُبر تقليدياً خصائص ذكورية أو أنثوية. توضح ميغ جون باركر، عالمة نفس من الجامعة المفتوحة في ميلتون كينس في المملكة المتحدة: {الدراسة مفيدة جداً لأنها تقدّم الدعم البيولوجي لواقع ندركه منذ زمن، هو: الجنس ليس ثنائياً}.

رغم ذلك، ستشكل هذه النتائج مفاجأة لكثيرين، بعضهم علماء، حسبما يؤكد بروس ماكأوين من جامعة روكفيلر في نيويورك. يذكر: {بدأنا ندرك مدى تعقيد ما اعتبرناه تقليدياً {ذكراً} و{أنثى}. وتشكّل الدراسة أول خطوة في هذا الاتجاه. أعتقد أنها ستبدّل آراء الناس}.

لكن هذه الاكتشافات لم تفاجئ ماركوس هوسمان من جامعة دورهام في المملكة المتحدة. يدرس هذا الباحث الاختلافات المعرفية بين الجنسين، مثلاً: هل يتمتع الرجل، كما يعتقد كثيرون، بإدراك مكاني أفضل؟ يجيب هوسمان: {بين كل أنواع المهارات المكانية، يُعتبر عدد ضئيل جداً حساساً تجاه الجنس. كذلك حددنا مشاكل مكانية تفوقت فيها المرأة على الرجل. لذلك تُعتبر الأفكار التي تفصل بشكل قاطع بين دماغ الرجل والمرأة أبسط من أن تكون دقيقة}.

رغم الأفكار النمطية السائدة، لا تحقق النساء نتائج أسوأ من الرجال في الرياضيات والعلوم. تذكر مارغريت ماكارثي من جامعة ماريلاند في بالتيمور: {يتمسك الناس بفكرة أن كون الإنسان رجلاً أو امرأة تشير إلى تمتعه بمهارات محددة أو امتلاكه خيارات مهنية معينة. لكن هذه الدراسة تدحض فكرة أن هذه النتائج تستند إلى الاختلافات البيولوجية، مقارنة بالتوقعات الثقافية}.  على نحو مماثل، يخطئ كثيرون باعتبارهم أن أجزاء أخرى من الجسم، مثل جهاز المناعة، تختلف بين الرجل والمرأة، وفق جول. تؤيد ألكسندرا كوتزكي-ويلر، مديرة وحدة الطب الجنسي في كلية الطب في جامعة فيينا في النمسا، فكرة أن المسألة ليست بسيطة إلى هذا الحد. وتضيف: {تلاحظ اختلافات بين الرجل والمرأة، عندما تتأمل مجموعات كبيرة. ومن المؤكد أن الاختلافات مهمة في عمليتي التشخيص والعلاج. ولكن يضمّ الجنس الواحد اختلافات أكبر. لذلك علينا أن نأخذ دوماً في الاعتبار الثقافة، البيئة، التربية، ودور الإنسان في المجتمع}.

مستقبل خالٍ من التفرقة

إن أعطينا عالم أعصاب دماغاً بشرياً من دون الجسم أو أي معلومات أخرى، سيتمكن على الأرجح من تحديد ما إذا كان دماغ رجل أو امرأة. على سبيل المثال، يكون دماغ الرجل أكبر حجماً ويحمل عموماً عدداً كبيراً من الخصائص {الذكورية}. لكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن من المستحيل توقع خصائص الدماغ التي سيتمتع بها الإنسان استناداً إلى جنسه فحسب. تتخيّل جول مستقبلاً لا يُصنف فيه الأفراد تلقائياً وفق جنسهم فحسب. تقول: {نفصل بين الفتيات والفتيان والرجال والنساء طوال الوقت. لكن هذا خطأ، ليس أخلاقياً فحسب، بل علمياً أيضاً. يشكّل كل إنسان حالة فريدة}.

لكن علماء آخرين اتصلت بهم {نيو ساينتيست} لا يعتقدون أن هذا سيكون أمراً ممكناً يوماً. فبما أننا نوع يتكاثر جنسياً، سيبقى تحديد جنس الإنسان البيولوجي بالغ الأهمية بالنسبة إلينا، وفق هؤلاء العلماء.

رغم ذلك، من الممكن استخدام اكتشافات جول لمساعدة الناس على فهم طبيعة الجنس غير الثنائية، وفق باركر. فلا يعتبر البعض نفسهم رجلاً أو امرأة، في حين يشعر آخرون أن هويتهم الجنسية تتبدّل بمرور الوقت. توضح باركر: {من المؤسف أن تجربة الناس وحدها ليست كافية لندرك كمجتمع أن فكرة الجنس غير الثنائي واقع}.

تضيف: {علينا أن نبدأ بالتفكير بدقة أكبر في الأهمية التي نوليها للجنس كخاصية محددة للإنسان. ومن الضروري أن نكف عن السؤال عنه في حالات لا تأثير له فيها}.

back to top