علاج «المعاناة الجسدية»... تحرّر بسلاسة من الصدمة

نشر في 03-10-2015 | 00:01
آخر تحديث 03-10-2015 | 00:01
No Image Caption
لا يزال هذا العلاج المميز غير معروف على نطاق واسع وهو تطور في الأصل في الولايات المتحدة. وفق المبدأ الذي يرتكز عليه، يمكن أن نتحرر بسلاسة من أي صدمة عبر تغيير الأحاسيس الجسدية المرتبطة بها.
ماذا تفعل الفأرة حين تصبح عالقة بين أقدام القطة؟ تتظاهر بأنها ميتة! وماذا نفعل نحن البشر حين نواجه المخاطر التي تتجاوز قدرة تحمّلنا؟ نتجمّد في مكاننا أيضاً! حين يصبح القتال أو الهرب مستحيلاً، يكون الجمود آخر رد فعل فطري تلجأ إليها الزواحف والثدييات. من هذا المنطلق، نشأت مقاربة اسمها علاج {المعاناة الجسدية}.
من خلال دراسة الحيوانات، لاحظ العالم الذي ابتكر علاج {المعاناة الجسدية}، وهو اختصاصي في علم وظائف الأعضاء، نقاط تشابه بين ردود فعل الحيوانات والبشر عند مواجهة المخاطر. لكنه لاحظ وجود اختلاف أساسي في الوقت نفسه. إذا لم تلتهم القطة الفأرة بعد اللعب معها، سرعان ما تتحرك وتركض في جميع الاتجاهات وتفرّغ الطاقة التي كبتتها، فتهرب وتهاجم الفراغ وتعود إلى حياتها الطبيعية من دون مواجهة أي أضرار. يفكر الإنسان من جهته بطريقة منطقية ويبحث عن تفسيرات ويريد أن يثبت أنه يستطيع النهوض بعد التعثر وأنه لا يواجه أي مشكلة. لذا يطيل فترة جموده. بحسب رأي الخبراء، تكون آلية إطالة الجمود بعد تجاوز مرحلة الخطر هي التي تسبب الصدمة وليس الحدث بحد ذاته.

عند الفئران والبشر، لا ينمّ الجمود عن الجبن: إنها استراتيجية الفرصة الأخيرة وهي تسمح بالنجاة إلى أن يمر مصدر الخطر. من خلال التظاهر بالموت، يمكن أن تخدع الفأرة القطة وتستغل الفرصة للهرب. في أسوأ الأحوال، يساهم هذا الوضع المتبدل من الوعي في تخفيف الألم.

كسر الحلقة المفرغة

بالنسبة إلى البشر، يُسمّى هذا التخدير الجسدي والنفسي {آلية الانفصال عن الحاضر}، وهذا ما يسمح لنا بتحمّل ما لا يمكن تحمّله في العادة. لكن تعطي هذه المقاربة عواقب بارزة على المستوى الجسدي. يشبه الأمر قيادة سيارة بسرعة فائقة للهرب أو المواجهة ثم شدّ فرامل اليد فجأةً. في هذه الحالة، تبقى الطاقة التي لم نستطع تفريغها عالقة في الجسم وقد تؤدي إلى عدد كبير من الأعراض الجسدية والسلوكية التي تترافق في العادة مع اضطراب قلق ما بعد الصدمة. ثم تبدأ دورة شائبة: يؤدي كبت تفاعلات الهرب والمواجهة إلى تعزيز مشاعر الغضب. وحين تترسخ تلك المشاعر في داخلنا، ستتحول إلى مصدر رعب إذا أصرّينا على كبتها. ولقمعها بطريقة أفضل، سرعان ما نطور أعراضاً إضافية تزيد من جمودنا وتغذي مخاوفنا. إنها الحلقة المفرغة التي تسببها الصدمة. يعتبر بعض العلماء أن جميع الناس يعانون صدمة معينة لأن كل واحد منا اختبر تجربة صادمة على الأقل على مر حياته: الولادة، سوء المعاملة، استغلال جنسي، حريق، فيضان، كارثة طبيعية، تخدير أو عملية جراحية...

باختصار، قد يكون كل ما يعتبره الجسم تهديداً لا يستطيع الرد عليه عبر الهرب أو المواجهة حدثاً صادماً بالنسبة إليه. في ما يخص الفرضية القائلة إن الصدمة لا ترتبط بما يصيبنا بل إنها نتيجة العملية التي لم تأخذ مجراها الطبيعي، تبرز ثلاث نتائج إيجابية:

 يتمتع الجسم بقدرته الخاصة على الشفاء، أي القدرة الغرائزية على الخروج من حالة الجمود.

يمكن أن نساهم بفاعلية في تجاوز المشكلة، بمساعدة المعالج النفسي.

 لا تطبع الصدمة الحياة كلها بالضرورة لأنها لا ترتبط بالحدث الذي عشناه بل بالأثر الذي تركه، ويمكن تغيير طبيعة ذلك الأثر.

بعد التعرّض لصدمة عاطفية مثلاً، يواجه بعض الناس نوبات ذعر ومشاكل مثل رهاب الأماكن المغلقة وطنين أذن لا يُحتمَل. قد يشعر الفرد في هذه الحالة بأنه يفقد السيطرة على نفسه وما عاد يتحكم بجسمه. لكن بعد الخضوع لعلاج {المعاناة الجسدية} بوتيرة تدريجية طوال سنة تقريباً أو أكثر، يمكن استعادة ذلك {التوازن} المفقود بعد الغرق في اضطرابات القلق والاكتئاب. يعطي العلاج شعوراً سلساً بالطمأنينة وسرعان ما يزول الإحساس بانعدام الأمان مع مرور الوقت. يمكن الاستفادة من استهداف الجمود الذي يرافق الحالة وليس الحدث بحد ذاته لأن هذه الطريقة لا تستلزم تذكّر الحدث الذي سبّب الصدمة، علماً أن هذه المقاربة العلاجية نشأت في الأصل لمعالجة الصدمات العابرة والمحددة، لذا يكفي الخضوع لخمس أو ست جلسات بشكل عام.

{الإسعافات الأولية} عند الصدمات

للحد من أثر الصدمة بعد حادث سقوط مثلاً، يجب ترك الجسم يتفاعل وحده في المرحلة الأولى. لا تنهض بسرعة وكأن شيئاً لم يحدث. ركّز على الخدر أو الرجفة أو شعور الحر أو البرودة الذي يمر في جسمك، ومن الأفضل أن تتلقى الدعم من شخص آخر، إذا أمكن، للشعور بالأمان الجسدي والعاطفي خلال هذه اللحظات العصيبة.

 ابقَ على الأرض وانتظر أن يفرّغ جهازك العصبي تلقائياً النشاط القوي الذي يحتويه. وحين تشاهد شخصاً آخر يسقط، قم بالأمر نفسه: حاول تنظيم جهازك العصبي من خلال التنفس بطريقة سليمة.

وبعد أن تشعر بالهدوء، ستتمكن من مساعدة الشخص الآخر على تفريغ طاقته.

الجهاز العصبي هو الأساس

يهدف علاج {المعاناة الجسدية} إلى كسر الحلقة المفرغة التي تسببها الصدمة من خلال تبديد الخوف من الجمود. تقضي أول خطوة بالسماح للشخص الذي تعرّض للصدمة بإدراك مناطق الجسم التي لا تزال جامدة وتلك التي تنشط وتستطيع إعادة شحن طاقة الجسم.

يمكن أن يساعده المعالج على تجديد التواصل مع مشاعره من دون أن تجتاحه وتشلّه ومن دون أن يتأثر بالرعب الذي يرافقها. ثم يحين دور مرحلة {إعادة التفاوض}: يجب أن نسمح للجسم بإنهاء التفاعل (هرب أو مواجهة) الذي نختار القيام به في لحظة وقوع الحدث. عند حصول حادث سير مثلاً، لا حاجة إلى إخبار المريض بما يستطيع فعله {منطقياً} (تغيير اتجاه المقود) بل يجب أن يعرف ما يرغب الجسم في فعله.

قد تقوم الذراعان مثلاً بحركة تلقائية لحماية الوجه. حين نسمح بتنفيذ هذه الحركات بعفوية، سيتراجع القلق وسرعان ما يختفي.

سنتعلم بذلك أن الوثوق بقدراتنا الغرائزية بدل القدرات العقلية يسمح لنا بالخروج من حالة الجمود. يجب ألا يسعى أحد إلى عيش الصدمة مجدداً بل من الأفضل {إعادة التفاوض} بشأنها من خلال تغيير المشاعر الجسدية المرتبطة بها.

بفضل علاج {المعاناة الجسدية}، تحصل ردود فعل دقيقة جداً لتفريغ المشاعر المكبوتة: هي أشبه بتمزق داخلي عميق، وكأن الجهاز العصبي يسترخي كي يتمكَّن الجسم أخيراً من الانفتاح. حين يخرج المريض من حالة الجمود، يسترجع جميع ردود الفعل المحتملة لتجاوز المخاطر: الهرب أو المواجهة، التفاوض، طلب المساعدة من الآخرين...

تقضي الخطوة التالية بالتأكد من أن المريض يعيش ردود الفعل تلك بعد أن يدرك حقيقتها: عودة إلى الحياة في الزمن الحاضر بدل تأجيج مخاوف الماضي. لا يَعِد علاج {المعاناة الجسدية} بتحريرنا من جميع الصدمات لكنه يساعدنا على إعادة تنشيط مكامن الجمود فينا تزامناً مع إيقاظ المشاعر والطاقة التي فقدناها.

ما المنافع العملية؟

إنها مقاربة منعشة  لأنها تنطلق من مبدأ جديد يعتبر أن الصدمة تتركز على مستوى الجهاز العصبي العاطفي.

لذا تقترح هذه المقاربة عملاً من الأسفل إلى الأعلى، أي معالجة الصدمة داخل الجسم للشعور بالراحة العقلية.

 هذه هي نقطة قوة العلاج ونقطة ضعفه أيضاً لأن التكامل العصبي يمرّ بالمعنى الذي يعطيه الشخص للتجربة التي عاشها ويحتل ذلك التكامل أهمية كبرى لمعالجة الصدمة.

لتجاوز المشكلة، يجب أن يتعلم الفرد التصالح مع الصورة التي يحملها عن نفسه وعن الآخرين، وبالتالي لا بد من المرور بالناحية المعرفية. لكل منا جسم ناشط لكن يجب ألا ننسى تأثير الدماغ أيضاً.

ما حدود العلاج؟

يكمن الخطأ في تحويل هذه المقاربة العلاجية إلى طريقة ثابتة يجب تنفيذ خطواتها بشكل متلاحق ومنهجي. لا يمكن اختصار ما يشعر به المريض، وما يعبّر عنه أمام المعالج، ولا التواصل الذي يحصل بين الطرفين. ترتكز عملية العلاج في المقام الأول على تطوير علاقات فاعلة.

back to top