رحيل الجلبي يقسم العراقيين حول صدام حسين مرة أخرى

نشر في 04-11-2015
آخر تحديث 04-11-2015 | 00:10
No Image Caption
توفي فجر أمس في بغداد السياسي العراقي المثير للجدل محلياً ودولياً، أحمد عبدالهادي الجلبي، إثر نوبة قلبية قد تثار حولها الشكوك، لمجيئها وسط مواجهة إعلامية وبرلمانية عنيفة يخوضها كرئيس للجنة المالية في البرلمان، مع «القطط السمان» في سوق العملات الصعبة المرتبط بشبكات الفساد والعنف.

ويوصف الجلبي بأنه «زعيم كل المعارضين» في التسعينيات داخل مظلة حزب المؤتمر الوطني، لأنه «مهندس» الإطاحة بنظام صدام حسين، عبر تنسيقه الصبور مع الولايات المتحدة في عهد الرئيسين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش.

وبرحيل الجلبي سينتبه المعنيون بتاريخ العراق السياسي إلى أن جيله، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الأسبق أياد علاوي ووزير النفط الحالي عادل عبدالمهدي، يمثل آخر طبقة عراقية تنحدر من أسر بورجوازية نافذة منذ العهد العثماني، وتلقى أبناؤها تعليماً فاخراً في الغرب، ثم حاولوا لعب أدوار حاسمة، إذ إن الجيل اللاحق من الساسة نشأ في الغالب، وسط أجواء حزب البعث وحروبه، وفي عهدٍ شهِد موت البورجوازية وتأميم كل المصالح، وطرد كبار رجال الأعمال، وإعلان «جمهورية الخوف».

وظل الجلبي في سنواته الأخيرة ناقماً على ما آلت إليه الأحلام العراقية، وعلى حد وصف غريمه وشريكه المفكر العراقي كنعان مكية، فقد انتقل العراق من كونه «جمهورية خوف» في عهد صدام القمعي، إلى لحظةٍ بات فيها «جمهورية فشل»، وهو فشل راح ينتج الخوف المعقد مرة أخرى.

ويمثل الجلبي طرازاً نادراً من الساسة العراقيين الذين امتلكوا جرأة مراجعة أفكارهم، فقد عُرِف منذ التسعينيات بأنه «المنحاز إلى الشيعة وأميركا ثم إيران»، وارتبط اسمه بهيئة اجتثاث «البعث» التي يشتكي منها السنة، وكذلك بتأسيس حركة كانت رمزية تحت عنوان طائفي هو «البيت السياسي الشيعي»، لكنه نجح منذ عام 2010 في الوقوف بوجه نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، وحذر من سياساته، وكانت هذه فرصة للسياسي الذي أمضى عمره في تأسيس المصارف وتدريس الرياضيات العليا، ملاحَقاً باتهامات شتى، كي يقوم بمراجعةٍ بدت شاملة لمواقفه السياسية من الصراع الطائفي في المنطقة، وما تتطلبه التسوية السياسية من تنازلات متبادلة تخفف الحرب الإقليمية أو توقفها. ولذلك أطلق الجلبي دعوات عديدة للتهدئة وانتقد اندفاع المالكي ضد الأكراد والقوى السنية، ودعا إلى دراسة «القمع المنهجي» الذي يدفع شباب المدن السنية إلى الالتحاق بالتنظيمات المسلحة.

لكن هذا لم يشفع له كواحدٍ من الساسة المتهمين بالفشل والفساد، ولم يبدد الانطباع الأول عنه بوصفه «العراقي الذي أسقط صدام حسين»؛ ففي صبيحة الثلاثاء ومع انتشار خبر وفاته، عمت «أجواء احتفالية» بين كثير من محبي صدام العرب والعراقيين، في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ راحوا يكيلون له الشتائم، بينما عبر معارضو صدام عن حزنهم ودافعوا عن استعانة الجلبي بواشنطن لإسقاط النظام السابق، ولم يخلُ الأمر من تراشقات ومعارك في العالم الافتراضي، أعادت تسليط الأضواء على حجم الشرخ الاجتماعي والثقافي بين الجماعات السياسية في العراق.

وأخيراً، كان التعليق الأكثر رواجاً بين ساسة العراق، أن الجلبي يرحل في لحظة تتطلب دوره كخبير مالي مخضرم، إذ وصلت الموازنة المالية من الحكومة إلى البرلمان بعد ساعات من وفاته، وكان هو مهندس المفاوضات حول أصعب خطة مالية، إذ يعاني العراق عجزاً يصل إلى النصف إثر انهيار أسعار النفط، وبدأ بالفعل يتلكأ في دفع معاشات موظفيه، وتأمين فاتورة حربه مع «داعش».

back to top