مقدّمو البرامج الحوارية .... كيف يرسمون هوية خاصة بهم؟
يفرض الازدحام في البرامج الحوارية على الفضائيات العربية تحديات كبيرة على مقدميها، لتحقيق فرادة وخصوصية والابتعاد عن نسخ بعضهم بعضاً، ويتبع ذلك حكماً البحث عن أفكار ووسائل جديدة مبتكرة تجذب الجمهور وتبعد عنه الملل وتجعله يتابع البرنامج لفهم قضايا معينة يتم التطرق إليها، من هذا المنطلق على البرامج الحوارية أن تكون ذات فائدة، وأن توضح وتناقش وتقترح حلولا.أين نحن من كل ما تقدم؟ للأسف ثمة برامج حوارية يشبه بعضها بعضاً وتستقبل الضيوف أنفسهم ولا تكلف نفسها عناء البحث والاطلاع، في حين تعمل برامج أخرى على التعمق في القضايا التي تطرحها ومحاولة ابتكار آفاق جديدة قد تكشف عن مشاكل ومعضلات مسكوت عنها أو تخضع لمحاذير معينة.
«الجريدة» استطلعت آراء مقدمي برامج حول الآليات الواجب اتباعها لرسم هوية خاصّة لهم ولبرامجهم.اطلاع وتنوع ودعمفادي عبداللهيوسف جوهر«على المحاور أن يرسم خطة جيدة، ويبدأ التحضير للموضوع من الناحية النظرية وجمع معلومات عن الشخصية التي يستضيفها، ثم تجهيز كل ما يريده لينطلق في محاورة الضيف»، يؤكد يوسف جوهر، مقدم البرامج في إذاعة وتلفزيون الكويت، ويقول: «تعد أصول البرامج الحوارية وقواعدها ثابتة إعلامياً ومهنياً».يضيف: «على المحاور الناجح ترك بصمة حوارية من خلال تلك الأسس، بعيداً عن التقليدية في الحوار، واقتناص فرص ملائمة لطرح الأسئلة، إلى جانب التحضير المسبق لموضوع الحوار، القراءة وتثقيف النفس، تخمين إجابات الضيف، ترتيب النقاط وفق محاور الحوار، الاستعانة بأرشيف الضيف، دراسة توجهاته المختلفة وآرائه حول قضايا مختلفة للوصول إلى التميز وإتقان ممارسة فن الحوار» .ليست المعضلة بتشابه أصول الحوار، برأيه، إنما في ممارسة الحوار وآدابه، وحسن إدارة الأستوديو، والخروج من الرتابة والتكلف وإدعاء المعرفة والأستاذية بحثا عن شهرة زائفة وأضواء خافتة. يتابع: {معايير نجاح المحاور ومقدم البرامج متوافرة وجلية، وبإمكان المذيع التميز بالممارسة الصحيحة، إتقان فنون الحوار، عدم الاستعجال في الظهور الإعلامي، التروي لدخول ميدان الحوار الحقيقي بالتدريب المستمر قبل خوض التجربة} .فيصل الشمري«أظن أن البرامج الحوارية الناجحة تتميز بمقدم برنامج ودعم القناة للبرنامج ونوعية الحدث أو القضية التي يتناولها البرنامج»، يقول فيصل الشمري، معد ومقدم البرامج في إذاعة وتلفزيون الكويت، لافتاً إلى أن في الشرق الأوسط تكون الغلبة للأحداث السياسية المحلية والإقليمية على مواضيع أخرى اجتماعية، تربوية، دينية ورياضية». يضيف: {يعتمد البرنامج الحواري، أيا كان نوعه، بدرجة كبيرة على المذيع وثقافته وإطلاعه ودعم القناة للبرنامج إلى جانب توافق الأحداث مع طبيعة البرنامج، ويبدو أننا بحاجة لتطوير في البرامج الحوارية، فربما ينجح المذيع في جعل البرنامج متميزاً، ولكن نجاحه مؤقت إذا لم يجد الدعم واختيار التوقيت المناسب».ويتابع: {في الغالب تتشابه البرامج الحوارية التلفزيونية لأنها تبحث عن المعلومة وتناقش الأحداث المستجدة، ويشعر المذيع بالتيه في حال كان البرنامج يأخذ من كل بستان زهرة ومن كل حدث تعليقاً، لأنه لا يجد نفسه متماشياً مع البرنامج إذا لم يكن على إطلاع وبحث دائم في مجمل القضايا التي يتناولها، وأظن الفرصة سانحة لوجود برنامج حواري متخصص، ولا يرمز إلى الشأن المحلي الكويتي وقضاياه، بل من الممكن أن نتوسع في الطرح ليكون أشمل خليجياً باعتبارنا كياناً واحداً وقضايانا مشتركة}. يعتبر أن التميز في البرنامج الحواري ينبع أساساً من اختيار الفكرة، الوقوف عند تجارب برامج سابقة، بناء خطة تتركز على تقديم برنامج حواري يوائم بين التطور الإعلامي الذي نشهده من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبين التلفزيون أو الإذاعة إن شئتم، ويتم استثمارها في مشاركات الجمهور وطرح تساؤلاتهم، بل وفسح المجال لتعليقاتهم، كما يحدث مع قناة {بي بي سي العربية} التي استثمرت تاريخها الإعلامي الإذاعي في نجاح برامجها التلفزيونية الحوارية}.يوضح في هذا السياق: {ليس بالضرورة التركيز على الشق السياسي في البرامج الحوارية بل يجب أن يكون ثمة توازن وفسح المجال للقضايا الأخرى كالطبية التي من الممكن أن يتم الحوار فيها في المستشفى أو غرفة العمليات مثلا لإضفاء واقعية تجذب المشاهد. أما في القضايا التربوية والتعليمية فمن الأفضل أن يتم الحوار في بيئة المدرسة مثلا والخروج من بيئة الأستوديو التي اعتدناها كمشاهدين.لا مانع من الاستعانة بصحافيين وأكاديميين وأطباء في تقديم برامج متخصصة لتمكنهم من المادة موضوع الحوار إضافة إلى دعم المؤسسة الإعلامية لهذه البرامج}.حبيبة العبدالله«إذا أردت الدخول إلى قلب المشاهد، عليك الابتعاد ما أمكن عن التصنع»، تؤكد حبيبة العبدالله، مقدمة البرامج في إذاعة وتلفزيون الكويت وتقول: «لطالما اعتقدت أن الطريقة المثلى لرسم كل مذيع شخصيته في اعتماده على إمكاناته الفردية والتعامل ببساطة بعيداً عن الابتذال والتصنع والتقليد، لأن العالم يحتاج شخصيات متفردة وليس نسخاً متشابهة»!.تضيف: «المذيع هو ناقل الرسالة الحقيقي للمشاهد مقارنة بأقطاب العمل الآخرين من معدين ومخرجين، فمهما كانت رؤية المخرج مميزة والإعداد متقناً سيشوه المذيع الضعيف كل ذلك».تتابع: نحتاج مذيعين يمثلون أنفسهم ويريحون المشاهد، نفسياً، ويخلقون الثقة بما يقولون، وهذا لن يتحقق بالتصنع ، وبالنظر لما في أيدي الآخرين، فليس بالضرورة أن البرنامج الذي يناسب إمكانات زميلي يناسبني والعكس صحيح، لا شك في أن اكتشاف كل مذيع إمكاناته وما يناسبه له التأثير الأكبر في نجاح البرنامج».اختلاف وتميزبيروت - ربيع عوادراغدة شلهوب{مهما اختلف شكلها ومضمونها يبقى ثمة تشابه بين البرامج الحوارية، وهذا أمر طبيعي، وهنا يكمن ذكاء المقدم في إظهار وجه جديد للضيف يجهله المشاهد}، تؤكد راغدة شلهوب التي خاضت تجربة التقديم المنفرد والتقديم الجماعي، ونجحت في برامجها سواء التي تمحورت حول ضيف واحد أوتلك التي تضم أكثر من وجه في حلقة واحدة.تضيف: «التنويع ضروري، وعلى المقدم خوض نوعيات مختلفة من البرامج ليصقل موهبته ويثبت نفسه، وهنا يكمن التميّز، في النهاية يمتلك كل شخص هوية خاصّة به، ومحاولة تقليد زميل آخر سيكون نصيبها الفشل لا محالة}.كانت شلهوب أوضحت، في حديث لها، أن النجاح الذي حققته حملها مسؤولية مضاعفة، ذلك أن شعور الخوف ينتابها قبل الإطلالة في أي حلقة من برامجها. تتابع: {هذا القلق صحّي، فهو يعني الطموح والتحدّي والإرادة لتقديم الأفضل وعدم الفشل. قال لي الإعلامي جورج قرداحي إنه في كل مرة يسمع عبارة «توب كاميرا» يشعر برهبة لا مثيل لها يصعب تفسيرها، رغم مسيرته الطويلة والناجحة في الإعلام، فالاستسهال في العمل يعني بداية الفشل».بيار رباط«لا افكر في المنافسة أو في هوية الضيف الذي يزيد نسبة المتابعين، بل من يحوي مادة قيّمة تليق بي وبالبرنامج والمحطّة»، يشير بيار رباط مقدم برنامج «من الآخر» مشدداً على ضرورة العمل على رفع المستوى الثقافي للمشاهدين، من خلال البرامج المقدمة.يضيف: «كلما انطلق برنامج جديد تابعت حلقتين منه للاطلاع على مضمونه، إنما لا اتابع بشكل دوري لضيق الوقت. أما إذا تسنّى لي مشاهدة التلفزيون، فأفضّل البرامج الأجنبية التي استوحي منها افكاري الجديدة».يوضح أنه رسم هويّة خاصّة به قلّدها كثر، لكنهم فشلوا لأن على الإعلامي إثبات قدرته واستغلال شخصيته لا أن يكون صورة مماثلة لزميله.وحول اللغة الشبابية التي اعتمدها للتميز، يقول: «بعدما سمعت انتقادات بسبب اسلوبي الحواري، بتّ أضحك عند رؤية الإعلاميين المخضرمين يرتدون ثيابًا غير رسمية بعدما كانوا يطلّون في السابق وهم يرتدون بذلة، ويتحدثون اللغة اللبنانية المحكية المطعّمة بالانكليزية والفرنسية، بعدما كانوا يحاورون بالفصحى، لذا لا يجوز لأي اعلامي بعد سنيّ الخبرة تطعيم حواره بكلمات أجنبية ولفظها بطريقة خاطئة، لأنها ليست موضة متبّعة أو مبتكرة، بل يجب أن يحافظ كل منا على أسلوبه الخاص بهدف التميّز».حول المعيار الذي يتبعه يشير إلى أنه يجب أن يقتنع بالبرنامج الذي يقدمه وبالضيوف، وان يكون له فضول شخصي لدى طرح الأسئلة لمعرفة اخبار هؤلاء، «فأنا لا أقوم بأي خطوة للتباهي خصوصاً باستضافة شخصية معيّنة».رابعة الزيات«كل إنسان هو حالة خاصة وله شخصيته المتمايزة عن سواه» تؤكد رابعة الزيات لافتة إلى الدور الذي تؤديه الشخصية في إطلالة المحاور وكيفية تقديمه البرنامج وإدارة الحوار مع ضيوفه، «وهذا التميّز مطلوب في زمن المنافسة»، حسب تعبيرها. رابعة الزيات التي ضمنت الاستمرارية لبرنامج {بعدنا مع رابعة} لسنوات، تضيف أن البعض يعتقد أن البرامج الترفيهية لا تحمل رسائل إنسانية أو معلومات قيّمة، فيما ترى أنها تخدم مجتمعها عبر تقديم المعلومة بقالب من الترفيه، لتصل إلى الجمهور بطريقة خفيفة وتلقائية.تتابع:» يمكن تمرير رسائل إنسانية وثقافية، وعرض تجارب الناس والإضاءة عليها، حتى لو تحدث البرنامج عن الموضة والجمال، لأن الأساس يكمن في كيفية تقديم مواده، لذا نلاحظ أحياناً أن ثمة برامج جدّية تفتقر إلى الثقافة».تركز على ضرورة صقل المجهود الشخصي للمقدم والتنوع ومواكبة العصر، خصوصاً أن ثمة متغيرات ومنافسة بين البرامج والمحطات، «لذلك يجب التجديد بهدف الاستمرارية وضخّ روحية جديدة، لئلا يتسلل الملل إلى المشاهد».تعتبر أن في زمن الصورة يؤدي الديكور دوراً مهماً للانتقال في الحلقة من جو إلى آخر، لا سيما أننا في عصر الصورة، فضلا عن التنويع في الفقرات والضيوف والأفكار.ترفض الوقوع في مشكلة الرتابة والروتين كي لا يتحوّل النجاح إلى فشل «عندها أعترف بضرورة التغيير والبحث عن أمور جديدة، فأنا مجازفة في الحياة، ثم من الضروري أن يبقى الإنسان منفتحاً على التغيير والتجدد والتطوّر».مذيع مثقف ومصادر أصليَّةالقاهرة – بهاء عمرترى الإعلامية إيمان الحصري، أن المصارحة مع المشاهدين، يمكن أن تكون نقطة تميز للبرنامج الحواري الذي يرغب صانعوه في نجاحه، لافتة إلى تعرضها شخصياً إلى نقل ترجمة غير صحيحة منسوبة إلى شخصية دولية، ما تسبب في أزمة ديبلوماسية بين مصر والمكسيك، وكان ذلك أحد الدروس التي ستظل تتذكرها طوال حياتها، مؤكدة أنها فور إدراكها للخطأ تقدمت باعتذار فوري للجمهور، الأمر الذي اعتبرته احتراماً للقيم المهنية، وإغلاقاً لباب مهاجمتها.تضيف أن التوازن بين الضيوف معيار مهم بالنسبة إلى البرنامج الناجح، فلا يجب إعطاء مساحة من الوقت وفرصة في التعبير لشخص يهاجم آخر من دون وجود رد مباشر بالمساحة نفسها للطرف الآخر، موضحة أن ثقافة المحاور أو مقدم البرنامج، وإعداده للقاء عبر متابعة أحدث تطوراته، ينتجان حالة حوارية يمكن من خلالها صناعة الأخبار وليس استضافة الضيوف للتعليق عليها فحسب، فيحصل المحاور الناجح على تصريحات خاصة وربما قرارات ووعود بالتحقيق في وقائع يكشفها البرنامج.تنوع التجاربالإعلامي محمود سعد، أحد أبرز مقدمي برامج الـ «توك شو»، يعتمد فكرة التنوع في العمل والمحتوى، فلا يقتصر تقديمه على القضايا السياسية أو الشأن العام، بل يستضيف فنانين ومطربين، ليتحاشى الملل ويجذب أكبر شريحة من المشاهدين.كذلك يحرص على تقديم نماذج ناجحة في المجتمع في المجالات كافة، من الطب إلى الهندسة وحتى أوائل المدارس والجامعات، ليتجنب الصورة النمطية عن الـ «توك شو» بأنها تعرض صورة سلبية فحسب، موضحاً أنه، رغم تنقله بين برامج عدة خلال السنوات الأخيرة: «البيت بيتك»، «مصر النهاردة» و{آخر النهار»، فإنه يركز على التنوع والمزج بين الأذواق المختلفة.تتنوع تجارب الإعلامي تامر أمين في تقديم البرامج، ويقول في هذا السياق إن حياته المهنية التي بدأت في «قناة النيل للأخبار» وغلب عليها الطابع الرسمي، شهدت نقلة نوعية كانت علامة في طريق برامج الـ «توك شو»، عبر برنامج «البيت بيتك» في نسخته الأولى على شاشة التلفزيون المصري. بهدف البحث عن التجديد، وافق على تقديم فكرة مبتكرة في برنامج «ساعة مصرية» على شاشة «روتانا»، تعتمد على تكرار الضيوف في الحلقات كافة، رغم استغرابه شخصياً فكرة البرنامج عندما عرض عليه تقديمه، فإنه قرر خوض المغامرة.يضيف أن الجديد في البرنامج اعتماده على أن الجمهور يعرف مسبقاً الضيوف، وبالتالي سيكون الاهتمام بالقضية التي يناقشها المتحدثون لمدة ساعة، مؤكداً أن ذلك التصور ربط المشاهدين بالبرنامج فباتوا ينتظرون ضيوفاً من توجهات سياسية مختلفة ومتنافرة أيضاً.أمين الذي سينتقل منتصف الشهر الجاري إلى شاشة «قناة الحياة» للمشاركة في تقديم برنامج «الحياة اليوم»، يوضح أن حرصه على إضافة بصمة خاصة في البرامج الحوارية كان الدافع وراء انتقاله، مؤكداً أن الحرص على استقاء الأخبار من مصادرها وتأكيدها من الجهات المسؤولة، من دون ترويج إشاعات، سيضع البرنامج على ساحة المنافسة بل وفي مقدمة البرامج الجماهيرية.فكرة مبتكرةالإعلامية مفيدة شيحة التي تقدم برنامج «الستات ما بيعرفوش يكدبوا» بمشاركة الفنانة منى عبد الغني، توضح أن فكرة تقديم برنامج يهتم بشؤون المرأة لم تكن جديدة عندما قررا عرضها، ولكن تقديم سيدات للبرنامج ومشاركتهن في مناقشة القضايا التي يتناولها كان هو الفكرة المبتكرة، حتى بدا البرنامج أنه «قعدة ستات» يتحاورن في شتى المواضيع، وهو يشبه إلى حد كبير الحياة اليومية، إذ عندما تلتقي مجموعة من النساء يبدأن في الحديث بشأن كل شيء. تضيف أن فريق العمل حرص على أن تكون مقدمتا البرنامج جزءا من فقراته، «فنشارك في فقرات الطبخ على الهواء مباشرة، ونبدي رأينا وأفكارنا بشأن المأكولات، ما أحدث حالة من القرب والإلفة بين المشاهدين وفريق العمل».