Finders Keepers... هل يقنعنا ستيفن كينغ؟

نشر في 19-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 19-07-2015 | 00:01
No Image Caption
بدأ كثيرون بمطالعة ستيفن كينغ في مراهقتهم، ولم يستطيعوا التخلي عنه بعد ذلك. ولا شك في أن تجربتك الأولى مع روايات كينغ، وخصوصاً القديمة منها، مثل Salem’s Lot، The Shining، The Stand، أو مجموعة القصص القصيرة Night Shift، تحولك في الحال إلى مدمن يريد دوماً المزيد. وفي إحدى المقابلات أخبرني كينغ ذات مرة أنه يشبه الكنيسة (يكمن السر في التأثير بهم وهم صغار). ومع أنه كان يمازحني، أقر بكلماته هذه بالسبب الذي يجعله يتمتع بهذا العدد الكبير من القراء الدائمين، كما اعتاد تسميتهم في المقدمات وكلمات الشكر.
ماذا في روايته الأخيرة Finders Keepers (مَن يجد شيئاً يحتفظ به)؟
حتى لو طالعت روايات ستيفن كينغ كافة (وهي كثيرة إلى درجة أن معجبيه وحدهم يستطيعون مجاراته)، فهي لا تترك أي بصمة فيك. لا شك في أنه يقدّم لك فيضاً من اللحظات المخيفة والحوادث المقززة التي تتذكرها بتحبب (أصفاد لعبة جيرالد!)، غير أنه لا يصوغ نظرتك إلى العالم كما الكتاب العظماء الآخرين. والمفارقة أن الكتابين غير الخياليين (Danse Macabre وOn Writing) هما الوحيدان القادران على التأثير في القارئ، مبدلين نظرتك إلى أفلام الرعب والأدب وفن الكتابة. ولا أقصد بكلامي هذا توجيه الانتقاد. فنوع التسلية والترفيه المستدام الذي يقدمه كينع في أفضل كتبه ليس سهلاً، وخصوصاً أن كان الكاتب غزير الإنتاج على غراره (لنقارنه، مثلاً، بوودي ألن الذي يقدّم فيلماً واحداً كل سنة، إلا أن واحداً من بين كل خمسة منها تقريباً يستحق المشاهدة).

فنان مغبون

رغم نجاحه التجاري الواسع، لا يزال كينغ، بعد كل هذا الوقت، فناناً مغبوناً، إذا استثنينا إعادة النقاد أخيراً تقييم أعماله بعدما كانوا قد اعتبروا كتبه تفاهات (كلام كثير من دون أي فائدة). لا تتمثَّل موهبة كينغ العظمى أو قوته الأساسية ككاتب في قدرته على تحويل أشياء ومواقف عادية إلى مرعبة، صياغته الجمل (الضعيفة أحياناً)، أو حتى مهارته في ابتكار شخصيات كاملة الأبعاد تحظى دوماً بالثناء.

يعود نجاح أعمال كينغ إلى براعته في ابتكار روايات تدور أحداثها بسرعة كبيرة، حتى إنك بالكاد تنجح في مجاراتها، وهذا أيضاً مصدر الجذب في روايته الجديدة Finders Keepers (مَن يجد شيئاً يحتفظ به).

تفادي الأعمال المخيفة

شكلت أسوأ كتبه (The Tommyknockers، Insomnia، وDesperation) فوضى متداخلة ومتضخمة تفتقر إلى ذلك السباق المتواصل المخيف نحو نهاية تكون أحياناً مخيفة جداً (أعتبر الصفحات الأخيرة من Pet Sematary وCajo، مثلاً، من أكثر الأعمال التي طالعتها إثارة للخوف والقلق).

لكن كينغ يحاول في الآونة الأخيرة تفادي الأعمال المخيفة جداً. أهدى كينغ Finders Keepers، وهو الكتاب الثاني في ثلاثية تضم شخصيات قدمها لنا في Mr. Mercedes، إلى جون د. ماكدونالد، مؤلف روايات الجرائم والتشويق الشهير الذي كان له التأثير الأكبر في كينغ، حتى إنك تخال أن ماكدونالد كتب الفصل الأول منFinders Keepers.

يوقظ ثلاث أشخاص مقنَّعون رجلاً مسناً بعدما اقتحموا منزله ويطالبونه بأن يسلمهم مبلغاً كبيراً من المال يبقيه مخبأ في خزنة، فضلاً عن بعض المقتنيات الثمينة: كومة من دفاتر الملاحظات تحتوي على روايتين أخيرتين لم تنشرا في سلسلة من الكتب جعلته ثرياً.

يعرب اثنان من اللصوص عن فرحتهم بالمال. أما الثالث، الذي ينزع قناع التزلج عن وجهه ليكشف {شاباً لا يختلف عن أي أيرلندي يعيش في بوسطن: شعر أحمر، عينان خضراوان، بشرة بيضاء ناصعة تحترق من دون أن تكتسب سمرة، فضلاً عن شفتين حمراوين غريبتين”، فهو وحش: مجنون مهووس بالأعمال الأدبية.

يُدعى هذا الشاب موريس، وهو يشعر بغضب عارم تجاه الكاتب المسن لأنه لم ينهِ السلسلة التي أثرت عميقاً في حياته. كان موريس نفسه مأخوذاً بشخصية الكاتب الرئيسة. وقد شعر بالخيانة، رافضاً ما آلت إليه هذه الرواية: فقد انتهى المطاف بالبطل صاحب الروح الحرة الذي يعيش وفق قواعده الخاصة إلى الانضمام إلى الحياة العادية، فاستقر في إحدى الضواحي مع زوجته وأولاده، وبدأ العمل كبائع إعلانات. ولكن بالنسبة إلى موريس، شاب يرفض المجتمع لأنه يدرك جيداً أنه أكثر جنوناً واضطراباً من أن يتأقلم فيه، شكَّلت هذه الخاتمة الخيانة العظمى التي ارتكبها كاتب يعشقه.

من الممكن اعتبار هذا الفصل الأول، الذي ينتهي إلى خاتمة مريعة، قصة قصيرة قائمة بذاتها (تذكر من الناحية اللغوية برواية Misery، التي تعمد فيها آني ويلكس المجنونة إلى خطف كاتبها المفضل بعدما تعرَّض لإصابة خلال حادث وترغمه على إعادة كتابة رواية قتلت فيها شخصيتها المفضلة). لكن أحداث Misery تدور عموماً داخل منزل واحد وتشمل عدداً صغيراً من الشخصيات. أما Finders Keepers فأكثر تعقيداً، مع العودة مرات عدة إلى الماضي لمتابعة موريس الذي يُرسل إلى السجن بسبب الجريمة، وبيت سوبرس، الصبي الذي يعثر على الملاحظات المسروقة من دون أن يدرك قيمتها.

وهكذا تبدأ لعبة {الهر والفأر} التي يبرع فيها كينغ، مع عودة موريس لاسترجاع الملاحظات عند انتهاء مدة حكمه.

قتل جماعي

نلاحظ تداخلاً واضحاً بين هذه الرواية وMr. Mercedes، وخصوصاً مع عملية القتل الجماعي التي تبدأ بها الرواية والتي تُروى مرة أخرى من وجهة نظر مختلفة، وظهور المحقق المتقاعد بيل هوبس مجدداً مع مساعديه السريين الشابين، اللذين يتحولان إلى خط الدفاع الأول الفاصل بين موريس المضطرب عقلياً وبيت وعائلته.

تحفل رواية Finders Keepers بمشاكل من واقع الحياة عن الركود الاقتصادي والخلافات الزوجية، ما يجعل الشعور بالتشويق والخطر الناجمين أكثر حدة. ففي مقطع يحدد حالة والدة بيت العقلية، يكتب كينغ: {كانت هي وزوجها توم يعملان ببطء إنما بدأب على إخراج نفسيهما من حفرتين: حفرة المال وحفرة الزواج. فبعد سنة من الحادث الذي تعرَّض له توم، شارفا على الانفصال. لكنهما بدآ يتلقيان فجأة مالاً نقدياً يجهلان مصدره. شكل هذا معجزة إلى حد ما. نتيجة لذلك، تحسَّنت أوضاعهما. صحيح أنهما لم يخرجا بالكامل من الحفرتين بعد، إلا أن ليندا باتت مقتنعة أنهما سينجحان في الخروج”.

لا شك في أن هذا الإحساس باليأس العصري (ذلك الصراع المستمر الذي يخوضه كثيرون يومياً ليستمروا فحسب، وذلك الإحساس بالأمل الذي ينتابك حين تلمح النور في آخر النفق) هو ما يمنحFimders Keepers قوتها ويجعلها أكثر دسامة من Under the Dome، مثلاً، التي تُعتبر متعة للقراءة إلا أنها سخيفة بعض الشيء.

لكن هذا لا يعني أن كينغ تحوَّل إلى شيفر أو كارفر: يظل هذا الكتاب في المقام الأول رواية مشوقة قراءتها ممتعة. لكنFinders Keepers تضم وجهاً مهماً يجعلها تتخطى رؤيتنا حياتنا ومخاوفنا خلال القراءة عن قصة حب مستحيل، تمسك مدمن بإقلاعه عن هذه العادة السيئة، أو مجموعة من الأولاد يلاحقها مهرج قاتل.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن اعتبار العنوان Finders Keepers (مَن يجد شيئاً يحتفظ به) تعليقاً يعكس نظرة كينغ إلى المناخ الاجتماعي السائد اليوم: ما كان لك بات اليوم ملكي، وهذا مؤسف بالنسبة إليك. لكن هذا، وفق كينغ، مخيف بقدر التحول إلى هدف لقاتل مجنون يعرف أين تقيم.

back to top