فقدان الثقة بمجلس الاحتياطي الفدرالي... يقول ما لا يفعل

نشر في 26-12-2015
آخر تحديث 26-12-2015 | 00:03
No Image Caption
ألحق مجلس الاحتياطي الفدرالي ضرراً بمصداقيته خلال نصف العقد الماضي من خلال تكرار القول إنه سيرفع معدلات الفائدة، ثم لا يفعل بسبب تعثر بيانات النمو.
يشير مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى عزمه على رفع الفائدة أربع مرات أخرى قبل نهاية 2016، ولكن التجار في الأسواق المالية لا يصدقون ذلك. وهم يتوقعون عمليتي رفع فقط في العام المقبل. وقد يسهم عدم الثقة بما يقوله مجلس الاحتياطي الفدرالي في تعقيد مهمته في توجيه دفة الاقتصاد الأميركي في السنة المقبلة وما بعدها.

وألحق مجلس الاحتياطي الفدرالي ضرراً في مصداقيته خلال نصف العقد الماضي من خلال تكرار القول بأنه سيرفع معدلات الفائدة ثم لا يفعل بسبب تعثر بيانات النمو. وتمكن التجار من كسب أموال سهلة عبر المراهنة ضد مجلس الاحتياطي في تحد للحكمة القديمة في وول ستريت التي تقول «لا تقاتل مجلس الاحتياطي الفدرالي». ويتعين الآن على رئيسة ذلك المجلس جانيت يلين وبقية صناع السياسة النقدية اقناع الأسواق المالية أنهم يعنون ما يقولون هذه المرة.

في السادس عشر من ديسمبر الجاري رفعت لجنة تحديد الفائدة في مجلس الاحتياطي الفدرالي فائدة الأموال الفدرالية بنسبة 0.25 في المئة الى 0.5 في المئة من نطاق لامس الصفر منذ ديسمبر عام 2008.

وتشير هذه الزيادة إلى أن لجنة تحديد معدلات الفائدة الفدرالية تشعر أن التعافي الأميركي، الذي بدأ في شهر يونيو من عام  2009، قد أصبح أخيراً قوياً بما يكفي للقيام بنزع أجهزة الانعاش عنه. وقالت يلين في مؤتمر صحافي «صحة الاقتصاد الأميركي تبدو قوية وسليمة تماماً».

ويتم تحديد توقعات مجلس الاحتياطي الفدرالي بصورة دورية في جدول من نقاط تمثل كل نقطة فيه توقعاً لمعدلات الفائدة على الأموال الفدرالية من قبل عضو في لجنة السوق الفدرالية المفتوحة (FOMC)، التي تتكون من أشخاص يعملون في مجلس الاحتياطي في العاصمة واشنطن، ويبلغ عددهم خمسة في الوقت الراهن، إضافة الى حكام بنوك الاحتياطي الفدرالي الاثني عشر.

ويطلب من أعضاء اللجنة تقديم توقعات لنهاية كل سنة. ولا يتم الكشف عن هوية مقدم التوقع. وكانت التنبؤات التي نشرت في 16 ديسمبر تشير الى وصول الفائدة إلى ما بين 1.25 في المئة و1.5 في المئة بنهاية 2016. ويعادل ذلك أربع عمليات رفع على افتراض أن كل واحدة تبلغ ربع نقطة.

أعلى من توقعات السوق

هذا النطاق أعلى كثيراً من توقعات السوق الذي يتطلع الى أن تكون معدلات الفائدة الفدرالية أقل قليلاً من واحد في المئة بعد سنة من الآن، بحسب غاي لوباس وهو كبير استراتيجيي الدخل المحدود لدى جاني مونتغمري سكوت، والذي اعتمد في حساباته على التداول في سوق اليورو دولار النشيط، الذي  يستخدمه التجار للرهان على معدلات الفائدة في الولايات المتحدة. (معدل فائدة الأموال الفدرالية هو ما تتقاضاه البنوك الكبرى على قروض الليلة الواحدة فيما بينها ورفعه يؤثر على طائفة معدلات الفوائد الأخرى).

أحد أسباب الفجوة بين مجلس الاحتياطي والأسواق ينطوي على سمة آلية: طلب من مقترعي مجلس الاحتياطي الفدرالي تحديد المستوى الأكثر احتمالاً لمعدلات الفائدة، فيما تأخذ الأسواق المالية في الاعتبار الاحتمالات الممكنة، بما في ذلك فرصة حدوث ركود في السنة المقبلة يحد من ارتفاع الفوائد.

وفيما هو أبعد من ذلك تظهر الفجوة أن المشاركين في الأسواق المالية -سواء على حق أم لا- لا يصدقون أن مجلس الاحتياطي الفدرالي سيرفع معدلات الفائدة بالسرعة التي يتحدث عنها. وبغية تبرير المعدلات الأعلى سيحتاج مجلس الاحتياطي الفدرالي الى رؤية نمو اقتصادي أقوى وارتفاعاً في معدل التضخم الذي يقل عن نسبة 2 في المئة التي يستهدفها مجلس الاحتياطي الفدرالي.

ويعتقد جيكوب اوبينا وهو كبير الاقتصاديين الأميركيين لدى آر.بي.سي كابيتال ماركتس RBC Capital Markets أن السوق ربما يقلل من تقديراته لمجلس الاحتياطي الفدرالي، ويقول «للموافقة على موقع رؤية السوق للمعدلات في السنة المقبلة يتعين عليك أن تكون مضارباً على الهبوط في الأسعار إزاء احتمالات النمو في عام 2016».

ومن الشائع أن يقلل السوق من تقدير وتيرة تغيير مجلس الاحتياطي الفدرالي لمعدلات الفائدة بحسب اوبينا، «وأنا أظن أن المسألة في هذه المرة أكثر جلاء بسبب طول المدة التي كنا فيها عند ما يقارب الصفر».

أفضل من الأسواق المالية

يقول جان هاتزيوس وهو كبير الاقتصاديين لدى غولدمان ساكس، إن توقعات مجلس الاحتياطي الفدرالي قد تكون أفضل من توقعات الأسواق المالية، ولكنه يقول إن توقعات محددي المعدلات في المجلس هي في الجانب الأعلى، لأنها تنطوي على عنصر التفكير الرغبي. وهؤلاء ليسوا مجرد مراقبين بل صناع سياسة، وتتمحور توقعاتهم للمعدلات بعد سنة 2018 عند 3.25 في المئة الى 3.5 في المئة.

مشكلة حقيقية

عدم تصديق الأسواق لمجلس الاحتياطي الفدرالي يمثل مشكلة حقيقية، نظراً لأهمية التوقعات في السياسة النقدية. وتعكس معدلات الفائدة المتدنية المتوقعة من قبل الأسواق توقعات منخفضة بالنسبة الى التضخم والنمو الاقتصادي. ثم إن الشركات التي لا تصدق امكانية تحسن النمو لن تقدم على التوظيف أو الاستثمار.

وفي خطاب في الثاني من ديسمبر الجاري أمام النادي الاقتصادي في واشنطن العاصمة أقرت يلين أن مقاييس السوق للتضخم المتوقع هبطت الى «مستويات متدنية تاريخيا» في فصل الخريف الحالي. وقالت انها فيما لا تشعر بقلق كبير في الوقت الراهن فإن الهبوط «في توقعات المستهلكين والشركات قد تطرح ضغوطاً تنازلية على التضخم الفعلي».

ويبدو خطر فقدان السيطرة على السياسة النقدية جلياً في أوروبا، فبينما يرغب البنك المركزي الأوروبي أن تكون معدلات اعادة التمويل عند 0.05 في المئة فإنها بشكل فعلي عند 0.24 – في المئة.

ويبدو أن لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي الأدوات اللازمة لنيل ما يريد، فقد تعزز سوق العمل وميزانيات الشركات أقوى مما كانت عليه طوال عقود من الزمن، وتقلص القلق من انهيار سوق ناشئ بقدر طفيف مع ضخ بنك الشعب الصيني للمال في الاقتصاد الصيني.      

* ماثيو فيليبس

back to top