الأسد... لمَ لا يريد إنزال الهزيمة بداعش؟

نشر في 17-12-2015
آخر تحديث 17-12-2015 | 00:01
في الحرب ضد داعش، يفكّر الغرب في التعاون مع الجيش السوري. ولكن ثمة عقبة: لا تُعتبر جيوش الأسد أضعف من أن تهزم داعش فحسب، بل لا ترغب في ذلك أيضاً. كان الأحد في 29 نوفمبر يوم السوق في أريحا وهي مدينة صغيرة تقع في شمال غرب محافظة إدلب في سورية. في مايو، سيطرت مجموعات من الثوار على هذه البلدة، التي تشتهر بكرزها الأحمر الداكن. يُعتبر موقع أريحا بعيداً جداً عن الجبهة، وعن المناطق الخاضعة لسيطرة داعش. رغم ذلك، قصفتها القوات الجوية الروسية.

لم يحظَ الناس في السوق بأي فرصة للنجاة. فبعد ثوانٍ من سماع هدير طائرات سوخوي الحربية الروسية، تساقطت أولى القنابل. فقتلت المارة وباعة الخضراوات، وعائلات كاملة. ذكر مُسعِف من الدفاع المدني بعد ساعات من الاعتداء: {رأيت الأجسام المتطايرة، في حين راح الأولاد يصيحون منادين أهلهم}.  قبل يوم، استهدفت الطائرات نحو العاشرة صباحاً صفرنا، وهي مدينة صغيرة في شمال شرق حمص. فقتل أول برميل متفجر ألقته مروحية تابعة للنظام السوري رجلاً وفتاة شابة وجرح أكثر من 12. ولكن ما إن وصل الضحايا إلى المستشفى، حتى انهمرت براميل أخرى وانفجرت أمام مستشفى تابع لمنظمة {أطباء بلا حدود}، ما أودى بحياة عدد من المرضى والمسعفين الذين كانوا يعتنون بالمصابين الذين نقلوا لتوهم. لا تُعتبر هذه الاعتداءات حدثاً جديداً في سورية. تتابع الطائرات السورية والروسية بلا هوادة قصف الأسواق والمستشفيات والمخابز، وكل مكان تقريباً يتجمع فيه الناس في المحافظات الخاضعة لسيطرة الثوار. قبل سنتين، أيدت روسيا قرار الأمم المتحدة 2139، الذي كان يُفترض أن يضع حداً للاعتداءات على المدنيين السوريين.

لكن لم يمنع  ذلك روسيا من شنّ مئات من تلك الغارات عينها منذ نهاية سبتمبر. فضلاً عن ذلك، لم تردع هذه الخطوة، على ما يبدو، فرنسا من التحدّث إلى روسيا بشأن احتمال تنفيذ ضربات جوية منسقة والتعاون معاً في الحرب ضد داعش. إليكم التفاصيل من {شبيغل}.

بعد ثلاثة أسابيع من الاعتداءات الإرهابية على باريس، استعدت أوروبا للانضمام إلى الحرب ضد داعش. لكن هذه الحرب توحد الكثير من العناصر المتباعدة ولا تتبع إستراتيجية محددة. تنفذ الطائرات الفرنسية، التي انضمت إليها أخيراً الطائرات الحربية البريطانية، طلعات جوية ضد داعش في سورية. وستحذو ألمانيا حذوهما قريباً. فستساهم طائرات تورنادو الألمانية المجهزة بتكنولوجيا تصوير عالية الوضوح في تحديد الأهداف، فيما تعمل طائرة A-310 على تزويد الطائرات بالوقود في الجو. بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن تؤمن فرقاطة ألمانية الحماية لحاملة طائرات فرنسية في البحر الأبيض المتوسط.

بالإضافة إلى مشاركة ألمانيا المحدودة في الحرب الجوية، تناقش برلين وباريس تدخلاً أكثر حساسية وأقل حسماً على الأرض. في هذه الأثناء، طرحت الحكومة الفرنسية، التي طالما شكلت معارضاً قوياً للرئيس السوري بشار الأسد، فكرة شراكة محتملة مع الحاكم المستبد وجنوده في تحالف مشترك لمحاربة داعش.

على نحو مماثل، تحدثت وزيرة الدفاع الألمانية أرسولا فون در لاين أخيراً  عن سورية، قائلة: {ثمة مجموعات من الجنود، تستطيع، على غرار العراق حيث حقق تدريب الجنود نجاحاً كبيراً، أن تقوم بالمثل هنا}. لكن المتحدث باسمها سارع إلى التوضيح أن هذا المفهوم لا ينطبق على الجنود الخاضعين لقيادة الأسد. إلا أن فكرة التعاون مع الأسد لا تزال قيد الدرس: فيبدو أن إرهاب داعش في أوروبا ساهم، إلى حد ما، في تحسين صورة هذا الحاكم المستبد.

علاوة على ذلك، اقترح وزير الخارجية فرانك-فولتر شتاينماير أن يكون وقف القتال بين المعارضة السورية وقوات النظام {الخطوة الأولى}. تعكس كلمات شتاينماير هذه مدى استيائه من واقع أن كلا الطرفين منهمكان في حرب استنزاف بدل توحيد القوى ضد داعش. لكن الواقع على الأرض يتعارض مع آماله هذه.

تزداد عملية تحديد شركاء أوروبا المحتملين في ساحة القتال في سورية صعوبة. فقد تحول جيش الأسد الرسمي اليوم إلى إحدى قوى كثيرة تقاتل إلى جانب النظام، فضلاً عن أنه يعاني نقصاً في العديد وتراجع المعنويات. نتيجة لذلك، تحولت الخدمة العسكرية الإلزامية بالنسبة إلى الشبان السوريين في المناطق التابعة للحكومة إلى أحد الأسباب الرئيسة للانطلاق في رحلة الهجرة نحو أوروبا.

يشكل هذا أحد أسباب إخفاق إستراتيجية روسيا الأولى بشأن سورية. كانت موسكو تأمل أن ترغم الضربات الجوية المكثفة المقاتلين الثوار في المناطق التابعة للمعارضة على التخلي عن القتال. وكان هذا سيمهد الطريق أمام قوات الأسد البرية لتتقدم وتستعيد هذه المناطق. ولكن في أكتوبر، حين سارت دبابات الأسد نحو تلك المناطق، التي قصفتها الطائرات الروسية سابقاً، لم تحرز تقدماً كبيراً. فبدل الهرب، صمد الثوار في مناطقهم.

القوة السورية المحاربة؟

استخدم الثوار صواريخ تاو المضادة للدبابات التي زودتهم بها الولايات المتحدة، فضلاً عن الأسلحة الروسية المضادة للدبابات التي استولوا عليها أو أخذوها من الضباط الفاسدين، للقضاء على نحو 20 دبابة قبل أن يعود ما تبقى من الرتل أدراجه. على نحو مماثل، توقف هجوم الجيش البري جنوب حلب بالسرعة التي بدأ فيها. في هذه الأثناء، تمكن الثوار قرب حماه من السيطرة أخيراً على المدينة المتنازع عليها منذ زمن.

لا يُعتبر جيش الأسد ضعيفاً فحسب، بل لم يعد قوة سورية أساساً. فطوال السنتين الماضيتين، تحولت القوات الداعمة له تدريجاً إلى قوات أجنبية، وخصوصاً  قوات حرس الثورة من إيران، أعضاء الميليشيات العراقية، ووحدات حزب الله من لبنان. وينضم إليهم على الجبهة الأفغان الشيعة من الهزارة، الذين يعيش نحو مليونين منهم في إيران، وغالبيتهم مهاجرون غير شرعيين. فيُرغمون في السجون الإيرانية على الانضمام إلى الجيش ويُرسلون إلى سورية. تشير التقديرات الداخلية الإيرانية إلى أن 10 آلاف إلى 20 ألفاً منهم يحاربون في سورية. فيؤدي هذا الوضع إلى مشاهد غريبة: في جنوب درعا، بدأ الثوار يبحثون بيأس عن مترجمين إيرانيين بعدما بدأ نحو 2500 أفغاني بشن هجوم.

هذا الجهاد الشيعي الدولي الأول في التاريخ، يعوّض عن الضعف الديمغرافي لجنود الأسد منذ 2012. حال هذا التحالف دون الإطاحة بالأسد، إلا أنه لم يكن كافياً لتحقيق النصر له. علاوة على ذلك، ما عادت الأوامر تأتي حصرياً من قيادة الجيش السوري. فيتحكم الضباط الإيرانيون بمقاتليهم، فضلاً عن الوحدات الأفغانية. كذلك يخططون لهجمات تشمل أيضاً جنوداً سوريين. أما قادة حزب الله فيُنسقون خطوات وحدات النخبة الصغيرة تحت امرتهم. ويصدر العراقيون الأوامر للقوات الميليشياوية العراقية والباكستانية. ولا يسمح الروس لأحد بأن يملي عليهم ما يجب القيام به.

لا تقتصر التحالفات الغريبة على المقاتلين الشيعة. فقد فوجئ  الثوار المناهضون للأسد أخيراً برؤية مركبات الهامفي الأميركية، التي تحولت بسرعة إلى رمز لاعتداءات داعش بعد استيلاء الإسلاميين على مئات منها في العراق في صيف عام 2014، وهي تسير أمامهم من مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة. يذكر عثمان أبو زيد، مستشار قانوني محلي لمجموعات مختلفة تنتمي إلى الجيش السوري الحر: «ظننا أن داعش وحده استولى على مركبات الهامفي، إلا أن الميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الأسد تستخدمها أيضاً».

شهدت مناطق أخرى اعتداءات شنها داعمو الأسد وداعمو داعش على حد سواء بتقارب زمني وجغرافي مذهل. على سبيل المثال، قرب مدينة تل رفعت السورية الشمالية في مطلع نوفمبر، فجر انتحاري تابع لداعش نفسه في سيارة مفخخة داخل قاعدة تابعة للجيش السوري الحر، إلا أنه لم يسبب أضراراً تُذكر. ولكن بعد أقل من نصف ساعة، يؤكد شاهدا عيان أن طائرات روسية هاجمت القاعدة للمرة الأولى.

تعاون متوقع

هل هذه صدفة؟ كلا على الأرجح. فقد شهدنا منذ عام 2014 عشرات الحالات التي تبين فيها أن جنود الأسد ومقاتلي داعش ينسقون معاً هجماتهم ضد مجموعات الثوار. فتعمل القوات الجوية على قصف هذه المجموعات من الأعلى وداعش على مهاجمتهم براً. ففي مطلع يونيو، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن النظام لا يتفادى مواقع داعش فحسب، بل يعززها بقوة.

لا يُعتبر هذا التعاون مفاجئاً. فيمثل الثوار ككل، من الوطنيين إلى الإسلاميين المتشددين، الخطر الأكبر الذي يهدد الأسد وداعش كليهما. وإن أراد كلا الجانبين الاستمرار على الأمد الطويل، يصبح هذا الحاكم السوري المستبد والمجاهدون حلفاء بحكم الواقع. فمن وجهة نظر الأسد، لن يرى العالم بديلاً للحاكم المستبد السوري، إن اختفى الثوار. لكن الثوار سنة بغالبيتهم، شأنهم في ذلك شأن ثلثي الشعب السوري، ما يعني من وجهة نظر داعش، أن الشعب سيقف، بعد إنزال الهزيمة بهم، أمام خيارين: إما الخضوع أو النفي، أو الانضمام إلى داعش. باختصار، يصبح الأسد وداعش في موقف أكثر قوة مع اختفاء الثوار من سورية. لكنهما سيفتقران كلاهما إلى القوة الكافية للإطاحة بالآخر. رغم ذلك، يعتبران هذا الوضع أفضل نظراً للبديل المطروح: الإطاحة بالأسد من السلطة وتدمير داعش.

مع هذين المعسكرين، ما عادت المعارضة السورية في الغرب تحظى بأي اهتمام. ويعود ذلك في جزء منه إلى بنيتها غير المنظمة: ثمة عشرات من مجموعات الثوار الكبيرة ومئات أخرى صغيرة، ومعظمها محلي. صحيح أنها تتعاون أحياناً، غير أن تحالفاتها تنهار سريعاً نظراً إلى الاختلافات العقائدية بين داعميها الأجانب.

قدّم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل أيام أرقاماً تشير إلى وجود نحو 70 ألف ثائر معتدل. بالإضافة إلى ذلك، تحدث عن مجموعتين إسلاميتين كبيرتين: أحرار الشام في الشمال مع 15 ألف مقاتل وجيش الإسلام شمال دمشق مع 12500 مقاتل، فضلاً عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة مع 6 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل. ولكن قبل أن ينتهي كاميرون من تعداد هذه الأرقام كانت أسئلة تُطرح عما إذا كان هؤلاء المقاتلون السبعون ألفاً مستعدين للتعاون مع الغرب في معركته ضد داعش. إلا أنهم يقاتلون داعش منذ يناير عام 2014، مع أنهم يصبون الجزء الأكبر من جهودهم القتالية على الأسد وقواته.

مسألة أخلاقية بالغة الأهمية

لا شك في أن إنزال الجنود على الأرض في وضع مماثل أو حتى إعطاء الشرعية للهجوم الروسي- السوري سيحول أوروبا في خطوة غير ذكية إلى أداة بيد الأسد. بالإضافة إلى ذلك، سيحظى هذا الحاكم المستبد بتعزيزات على الأرض تتيح له التصدي للعدو بنجاح إلى حد ما.

حتى لو تجاهلنا كل المشاكل العسكرية، لا يمكننا أن نتغاضى عن مسألة أخلاقية مهمة: هل يريد الغرب حقاً خوض حرب مع نظام يستخدم كل سلاح محتمل (باستثناء الأسلحة النووية) ضد شعبه الخاص في محاولة للتمسك بالسلطة؟ وبعد هزيمة داعش والإطاحة به، ماذا سيحل بمدن، مثل الرقة، دير الزور، الباب، منبج، وأبو كمال الخاضعة لسيطرته؟ كانت كل هذه المدن خاضعة لسيطرة الثوار المحليين قبل مجيء داعش بوقت طويل. فلمَن يجب أن تُعاد؟

ليس للأسد بالتأكيد. فلن يحقق ذلك أي هدف غير إعادة زمن هذه الحرب إلى الوراء نحو ثلاث سنوات. وستحاول مجموعات الثوار مجدداً الإطاحة بقوات الأسد، ما سيسمح لداعش بمعاودة الظهور.

ما يزيد الطين بلة واقع أن داعش، الذي أُعلن العدو الأول في الجهود الدولية، لا يشكل محور اهتمام لاعبين أجنبيين كبيرين في سورية. فمنذ إسقاط تركيا الطائرة الروسية، يخوض رجب طيب أردوغان وروسيا حرباً بالوكالة في محافظة حلب. نتيجة لذلك، شهدنا في هذا الصراع أخيراً خصوم داعش الأكراد يتبادلون النيران مع خصوم داعش السنة. علاوة على ذلك، كثفت الطائرات الروسية حملة القصف ضد المناطق السورية على طول الحدود مع تركيا، في حين تتابع الأجهزة السرية التركية تهريب الأسلحة والذخيرة لمحاربة الأكراد. يملك كلا الرئيسين كبرياء هشة. وقد تحولت سورية إلى ساحة قتال مثالية لهما لحمل وحدات الحماية الشعبية الكردية ومجموعات الثوار على الاقتتال، مع أن هذين الفريقين كليهما كانا يصبان جهودهما سابقاً على محاربة داعش.

وماذا عن داعش؟ يواجه المجاهدون ضغوطاً كبيرة في الأشهر الأخيرة بسبب الضربات الجوية التي شنها الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة. لا يعود ذلك إلى خسارتهم الأراضي، بل إلى عدم قدرتهم على متابعة تقدمهم. فتُعتبر الانتصارات المستمرّة  ضرورية لدعم اقتصاد هذه المجموعة الاستغلالي وصورته الدعائية. تواجه {الخلافة} صعوبات مالية ومشاكل في تجنيد مزيد من المقاتلين الأجانب. ولا بد من أن توسيع الضربات الجوية الحليفة سيعزز هذا الضغط، في حين أن التعاون مع الأسد يضع داعش في موقف إستراتيجي ممتاز.

ولكن ما دام أعداء داعش منهمكين في الاقتتال أحدهما ضد الآخر، يتابع الإسلاميون تقدمهم كالمعتاد، على غرار ما حدث قبل أيام، حين استولى المجاهدون على مدينة كفرا الصغيرة في شمال حلب، بعيد تعرضها لقصف الطائرات الروسية.

* كريستوف رويتر | Christoph Reuter

back to top