«ثؤلول»... تسلّط الضوء على «المسكوت عنه»

نشر في 14-12-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-12-2015 | 00:01
• منعتها الرقابة من التداول في الكويت
تسعى الروائية المتميزة ميس خالد العثمان إلى تقديم نتاج أدبي مكتمل المواصفات من خلال أحدث أعمالها {ثؤلول}، مدعماً بلغة أدبية سردية جميلة لا تضل هدفها عن طريق تناول تفاصيل دقيقة ربما لا يلتفت إليها الآخرون.

 هنا قراءة أدبية لها بقلم الكاتب محمد جواد.

أصدرت الكاتبة الكويتية ميس خالد العثمان، روايتها الجديدة بعنوان «ثؤلول»، مضيفة إلى رصيدها الإبداعي السردي رقماً مهماً جديداً.

وأضافت ميس العثمان لمسة مختلفة عن اقتحاماتها السابقة في السرد الروائي، لتضع يدها تماماً على مكامن الخلل وتتحدّث بصوت واع عن «المسكوت عنه»، ولعل هذا الأمر ما «أثار قلق الرقيب» الذي حجز روايتها قبل وخلال معرض الكويت للكتاب في دورته الــ 40.

فروايتها الجديدة اعتمدت على فترة زمنية تداولتها أقلام كثيرة وحكت عنها الألسن شفاهاً أيضاً، فما كان من {ميس} إلا أن تجعل من هذه الفترة، والتي طالما نادت لتجاوزها لكن دون نسيان دمارها، تكئةً على خط سير أحداث عملها {ثؤلول}، خائضة فيه بحنكة وانتباه عاليين.

طيف أمل

وبذلك كانت حصيلة الذكريات التي استرجعت من الماضي وافرة عندما عزّ عليها الحاضر بطيف أمل، وبعدما صار الفشل هو الحالة المفضية إلى النجاح، وبالتالي لاذت بالماضي لتتمكّن من الحديث والتطهّر الذاتي للمجتمع والضمير.

أعادت الكاتبة فترة السبعة أشهر المليئة بالأسرار عبر موقف عقلاني ورؤية واقعية أزاحت عنها التعميم، كما أزالت الضمير الجمعي، وألغت التّهّم المعلبة (العراق يظهر من جديد بعد التكوّن الأول)، من الرواية، بل حمّلت من خلال عملها المسؤولية الاجتماعية للمجتمع/ مجتمعها الذي ظلّ أسيراً لاجترار حالة الهدوء والخدر وعدم استغلال لحظة التحرير/ التحرر والعتق للانطلاق نحو حياة فاعلة وملونة بالمنجزات!

ضحية

 

{ميس} من خلال بطليها المتلاصقين في {ثؤلول}، وهي العارفة بمصائرهما، دون الآخرين، جعلتنا نحن القرّاء نظارة في محكمة أماطت اللثام فيها عن ذنب لم تقترفه {سلوى} بطلتها، بل عرّت الذين تسربلوا بآيات الشفاعة وتحصنوا بالعادات الأصيلة والذين تركوا الضحية مضرجة بدماء آهاتها، ويوم تعافت، بدروا يعملون مشارطهم ويسنون سكاكينهم لانتزاع خيباتهم.

الكاتبة، عبر {سلوى}، اعتلت منصة المحكمة ونثرت صور الضحايا على جدران مدينتها/ قاعتها، ثم بدأت تتفحّص الوجوه التي ألفتها/ عايشتها لأنها طوال أزمتها لم تلتق بهؤلاء الأشخاص فعليا: «كنا نجتمع متفرقين؛ كلٌّ في ملكوته» (من الرواية)، فكيف لها أن تسترعي انتباههم لا تقدّم لهم النصح أو تدعوهم للاعتراف بذنوبهم/ مصابهم، لأنها تجاوزت تلك المرحلة، فأسماعهم أصابها الوقر وقلوبهم مشتته... إنما أرادت فقط أن تسجل للتاريخ زيفهم وتخاذلهم!

وشم أزلي

وضعتنا {ميس العثمان} في هذا العمل الروائي أمام شرائح عدة، لكنها ركزت على بعض ممن سلّطت عليهم ضوءَ قلمها/ آراءها (العائلة/ سحر/ جابر صم المنقذ...) فالعائلة التي لم تأل جهداً للاحتفاظ بكرامة ابنتها، يوم ظلّت تتفرج على مشهد العذاب الذي أصابها، كان أفرادها من اللحظة الأولى وبقيادة بائسة من الجدة {نصرة}، قد بدأوا اجتماعاتهم السرية وتدوين محاضرهم المرتبكة للتخلص من العار القادم، وكأن ضياع {وطن} بأكمله لم يكن يسترعي انتباههم. أما العضيد الذي لم يجد حلاً لصراعه الداخلي الذي خلّفه هذا الشرخ سوى أن تأخذه العزّة بالإثم ليلوذ فاراً/ هارباً، متخلصاً مما يظنه وشماً أزلياً!

أما موطن أسرار {سلوى} فكانت {سحر} التي حلمت معها بمستقبل وبموانئ حب سترسيان عليها، هي الآخرى تنتهي كضحية لكل ظروف الدمار التي أربكت أهلها، لتقع تحت لا رحمة رجل أهان الإنسان فيها وقيّد روحها وجعل منها مكباً لغرائزه، فتخاطبها سلوى: {إن العمر الذي تعيشينه مراً، ينفد منك خلف هذا الطيف المخنوق بلحيته المشنوف بالقسوة}. (من الرواية).

سلام ومحبة

أما {جابر} هذا المشترك الكبير، فهو المحور والملاذ، فقد جعلت من رحمها سكنا لمجتمع لو أتيحت لهم رؤيته لما تعبوا ولا أصبحت هذه الفوضى عنواناً لحياتنا، فها هي تجعل من {جابر} رسولها، القادم الذي لا بد من أن يحظى باحترام من نفصوا غلّهم تجاهه/ها، فهو من سيعيد الحياة إلى الغصون الذابلة، فطلبت من الجميع رجاءها: {أرجوكم دعونا نحترم ما تبقى من علاقتنا التي أهلكتها الحرب والخشية منها/ دعونا، هو وأنا نقرر أن نعيش} (من الرواية)، هكذا أرادت لــ {جابر} أن يكون رسول سلام ومحبة.

وأخيرا، المنقذ/ المعالج/ طيب العقل الذي ساعدها في الخفاء ليخرجها من ذلك الضياع المغبش بالماضي والآني، لتدور عجلة حياتها من جديد.

في ختام هذا التماهي مع الكاتبة ميس خالد العثمان وروايتها التي حجزها الرقيب، حتى اللحظة، نقول إنه ربما لأنه وجدها، كما وجدت أنا، كُتبتْ بحرفية عالية، واستخدام جديد/ نحت جديد للغة تميزت بها عن رواياتها السابقة، إذ تلعب مع القارئ بـ{مربعات} الكلمات وببلاغة جميلة ومترادفات تشرح لك المعاني وتعززها بصور إبداعية أكثر حضوراً لأناقة اللغة لتكون (صلدة/ صارمة/ صلبة/ صعبة) أو لتشعر بأن النهج الكتابي (محكم/ منسق/ متقن/ مصاغ) وتتركك تخرج من عملها {ثؤلول} موشوماً برغبة التغيير لمسارات الحياة.

يشار إلى أن رواية {ثؤلول} تقع في 217 صفحة، صادرة عن دار العين للنشر/ جمهورية مصر العربية.

back to top