رمضان في حايل

نشر في 14-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-07-2015 | 00:01
في ذاكرة الأيام حكايات للشعوب تناقلتها أجيالها، فيها من البساطة والأصالة والخصوصية ما يستحق أن يروى، وفيها لنا عبر ودروس ومواعظ تخرجنا من عصر السرعة والمادة والتعلق بأستار الرغبات وحطام الدنيا الى مساحات واسعة من الخيال وفضاءات رحبة من التقرب الى الله بنوايا صادقة.

فللشعوب الإسلامية علاقة روحية برمضان، وعشق أزلي يتجدد باستمرار، تنتظره كل عام بشوق وفرح، ارتبطت به روحا وعانقته وجداناً، وكلها باختلاف ديارها وأصولها اتفقت عبادة واختلفت طباعا وعادات وسلوكاً.

للجغرافيا والمجتمع والتاريخ آثارها في صياغة العقل الكلي وتكوين الإرث عبر السنين.

ونحن في بحثنا هذا نحاول ان نعود بالزمن الى الوراء، ونعيد الرحلة في اتجاه المنابع لأن ما تعيشه شعوب اليوم أتى من بعيد، فهناك ولدت الأسرار. نسافر من منطقة إلى أخرى نبحث عن اخبار رمضان في ذاكرة الزمن الجميل وذاكرة الناس البسطاء، لننقل اخبارا بسيطة مثل اهلها لكنها تخبرنا عن الجذور وعن التاريخ حين يدون برغبة صادقة للوصول الى الحقيقة التي تشير جميعها الى نقاء العبادة والنفوس المطمئنة.

و«حايل} التي كانت قبل مئة عام مركزا للشمال ومصنعا للأحداث وبناء التاريخ، أرض السناعيس ومن جاورهم، احتضن فيها الإنسان الأرض فتعانق التاريخ والجغرافيا، فأعدنا التاريخ الى الوراء قليلا نستحضر الابتسامة والدهشة والرواية.

حايل الأرض

كانت حايل قبل مئة عام عاصمة إمارة آل رشيد التي بسطت نفوذها على الأرض الممتدة من وسط نجد الى حدود الشام، كانت قبل التكوين استراحة القوافل في طريق التجارة بين الشمال والجنوب، سكنتها العديد من القبائل والأسر، لكن غلب عليها قبيلة شمر، عرفت بجبلي أجأ وسلمى، فجاورت المدينة جبل أجأ غرب الأديرع، وابتعدت قليلا عن سلمى قبل أن تتسع فتتقوس حول جبل السمراء، وبلغت ذروة مجدها السياسي والاجتماعي والحضاري في أواخر القرن التاسع عشر، حيث عرفت بقصرها وسوقها ومدارسها ومؤسستيها الإدارية والقضائية.

كانت بئر سماح علامة من علامات المدينة، حيث غزارة الماء وحلاوته، وكانت المدينة محصنة بالتضاريس، حيث تقع في سهل الأديرع يحيطها من الغرب جبل أجأ ومن الشرق والجنوب الصخور الجرانيتية وجبال الأحيمرات، وكانت أرضها زراعية منتجة للتمور والخضراوات، وسميت حايل، لأن أبنيتها كانت حائلا بين اتصال جبلي أجأ وسلمى.

ويقال إنها واحدة من أقدم أربع مدن في الجزيرة العربية، حيث أسست قبل مئات السنين لوقوعها على أحد أهم طرق التجارة القديمة، وهي أرض حاتم الطائي الذي ينسب له الكرم العربي، حيث اختار طريق القوافل ليطعم عابري الصحراء ويبني للعرب مجدا بقي تراثا تتداوله المجالس والأوراق، وماتزال بقايا منزله وقبره هناك في المدينة شاهدا على الجذور وحافزا للكرم الدائم، لذا عرف أهل حائل بالكرم، فاشتهر كثير من رجالها به.

الأحياء القديمة والأسر

كانت حايل مدينة تحمل مقومات المجتمع المدني التقليدي، حيث لم تكن ذات صنف قبلي واحد وإنما فسيفساء اجتماعية بقيادة آل رشيد، لكن القبائل والأسر التي قطنت حايل كانت متجانسة مكرسة لحسن الجوار، فقد عرفت الأحياء الحايلية القديمة بتجاور أهلها وتواصلهم.

ولعل أشهر أحياء حايل القديمة حي برزان وأشهر الأسر التي سكنته الإبراهيم والبراك والبقوص والبليهد والجبري والسبهان والجلوي شمر والحجب أبوقاسم من أصل تونسي والحمدان والحميدان والخشمان والدرعان والرسيني وأسر أخرى، وحي لبدة الذي سكنته أسر الأحمد والبركة والجريد والحجيلي والحوازم والخطيب والحزاب والخلف والخيرالله والدخيل والدقلي وغيرهم.

وحي العليا وسكنته أسر الأشقر والبقعاوي والثروي والجارالله والزنيدي والزويمل والجبر والجريفاوي والباتع وبعض الأسر الأخرى، وحي السويفلة وسكنه البايح والبقيصي والثامر والجدوعي والجديان وبقية الأسر.

وحي سرحة وسكنته أسر الجباري والحلو والدراهم والدغيتر والراجح والزريقي وآخرون. وحي الزبارة وسكنه البليهي والزهير والجدعا والحميد والداحس والذويبي وبقية الأسر، وحي سماح وسكنه البيوض والرويسان والجبارة والجروان والخريصي والشامي والسلوه والخليفة والدايود والشامي والشبيب والشقير وأسر أخرى. وحي الجديدة وسكنته أسر التويجري والجربوع والشعشاع والشقير والضبيحي والقرناس والمرشدي وآخرون.

وحي النعام وقد سكنته أسر الجمعاني والحيص والرشيدان والشلال والصمعان والعليان والعواد والفويه وبعض الأسر الأخرى. وحي البزيعي وسكنته أسر الأزيمع والسرور والشعيفا والصوينع والصهيل والعامر والعجيمي وبقية الأسر، وحي الجراد وسكنه الجميل والحامد والدخال والركاد والسامي.

وحي عفنان وسكنته أسر الجميلي والحر والحوطي والدعيع وأسر أخرى، وحي مغيضة وسكنته أسر الحويدا والزامل والحوري والخزام والدبل والدعفس والرخيص والذلاعيب والرشيدان والزامل والدحيم والروضان الخوالد وأسر أخرى. وحي الجراد وسكنه السوادي والسويدا والعيد والمحسن والمحيسن والهلال والبقية. وحي سرحة وسكنته أسر الصفوق والطويرب والعطيوي والصنيتان والعيد والعبيدي والمايز والفراج والغانم من سبيع والمزيني والمقرن والميمان والهندي وبعض الأسر الأخرى.

الاستهلال في حايل

لم يكن مغرب اليوم الأخير من شهر شعبان يأتي حتى يسارع الحايليون بالاجتماع عند المساجد، وخاصة مسجد برزان ولبدة، فيصلون المغرب ثم يستهلون وإذا ما رأوا الهلال فإن من كان معه بندقية يرمي ليوصل الخبر الى الأهالي بأسرع وقت ممكن، وكان من ضمن الجمع الحاضر من كانوا يعرفون بالشوافة، أي أصحاب البصر الحاد الذين يمكنهم رؤية الهلال قبل غيرهم، ولا يقتصر الاستهلال على حي واحد في حايل، بل ربما كان كل حي من الأحياء الحايلية القديمة والقرى التابعة يستهل وحده ومع الجموع من كانوا من أهل الثقة والشهادة المقبولة.

وحين تثبت الرؤية لدى فريق أو أكثر، فإنه يتوجه الى إمام الجامع الذي يتوجه بدوره الى القاضي أو يتوجه الشاهد الى القاضي مباشرة، وفي دار القاضي يتحدد يوم الصيام، وحين يطمئن القاضي الى الشهادات يبلغ حاكم حايل الذي يقبع في قصر برزان، حيث ينعقد المجلس المسائي كل ليلة لتبادل الأخبار واستقبال رجاله في الأمور المستعجلة، وقد عرف بعض أمراء آل رشيد بمجلسين عامين صباحي ومسائي، كما عرف بعض أمرائهم بحضور مجالس العامة، وخاصة أعيان حايل ووجهائها، ولعل أشهر أمراء حايل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهي فترة بحثنا، محمد العبدالله الرشيد، الذي يعتبر عصره ذهبيا لإمارة حايل، حيث بلغت أوج قوتها واتساعها، ثم عبدالعزيز المتعب وابنه متعب وسلطان الحمود الرشيد وأخوه سعود وسعود العبدالعزيز وعبدالله المتعب ومحمد الطلال الرشيد آخر الأمراء الذي سقطت الإمارة في عصره عام 1921م.

أما القضاة وأئمة المساجد والفقهاء من أهل حايل في هذه الفترة، فإن أشهرهم الشيخ محمد الملاحي الفقيه المعروف والشيخ عوض الحجي إمام جامع برزان توفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، وهو ساجد يؤم المصلين، والشيخ محمد الغنيمي القاضي المشهور صاحب غرائب الأحكام، والشيخ سالم النقيطان الحافظ المعروف في حايل والشيخ يعقوب بن سعد أشهر أئمة جامع برزان، والشيخ جارالله الحماد القاضي المعروف وأستاذ قصر برزان، والشيخ عبدالعزيز المرشدي كان ثقة الأمير عبدالعزيز بن متعب آل رشيد وقتل معه في معركة روضة مهنا، والشيخ حماد الجارالله الحماد كان إماما لجامع جبارة ومقربا من عبدالعزيز الرشيد، والشيخ صالح البنيان الفقيه المشهور المقرب من الأمير محمد الرشيد، وقد توزع هؤلاء الفقهاء على خريطة السنوات الحايلية، فكانوا يستقبلون الشهود الذين رأوا هلال رمضان ويعلنون أول الشهر وآخره أو يرجعون الى الأمير ويخبرونه بما اطمأن في خلدهم فيتبعهم على ما اطمأنوا اليه.

وقد اتسمت الحياة العامة في حايل بسمات تفردت بها عن سواها من الإمارات والحواضر في الجزيرة، فعدا النظام القضائي الديني المذكور فقد عرفت حايل نظاما تعليميا حديثا بمقاييس ذلك الزمن، حيث انتشرت الكتاتيب للرجال والنساء منذ منتصف القرن التاسع عشر التي كانت تعلّم القرآن والفقه والعربية ومبادئ الحساب، مما جعل الناس تمارس بعض الأعمال التي ترتبط بالقراءة والكتابة كالحسابات والسجلات وبعض الأنشطة الخاصة كقراءة القرآن وتحفيظ الأسرة وتفقهها.

رمضان على الأبواب

عرفت حايل بكرم أهلها وتدينهم ونشاط الإمارة التجاري والثقافي، فحايل كانت ومازالت ترتدي ثوب حاتم الطائي كريم العرب الذي أصبح مضربا للمثل في السخاء، حتى لينسب الكرم اليه، فيقال كرم حاتمي.

ومازالت شواهد حاتم الطائي المادية والمعنوية باقية، فبقايا قصره باقية آثارها الى يومنا هذا، والنار التي كان يوقدها مازال موقدها باقية آثاره وأثر النار قد عم أرجاء الإمارة، فقد ورث الأهالي العادة القديمة واستمروا بإقامتها دون انقطاع أو إهمال، حيث كان الناس يوقدون النار ليلا فلا تنطفئ طوال الليل لعلها تجلب ضيفا أو يهتدي بها عابر السبيل والغريب.

وللكرم والسخاء استحقاقان لابد منهما؛ أولهما الاستعداد لاستقبال الضيف بتوافر المؤن في المنزل وتوافر الأواني والأفرشة والفناء الذي يأوي اليه السابلة والضيوف، وثانيهما سماحة النفس والرغبة الصادقة باستقبال الضيف عبر الترحيب بالقادم وتقديم أسباب الكرم له، ولا يخفى على المهتم ما للمرأة من دور في هذه المهام العسيرة، إلا على النفوس الراضية، حيث لابد من تجهيز المجلس بأسباب الضيافة كالنظافة والفراش المناسب والنار المشتعلة للدفء وللقهوة التي هي أهم علامات الكرم وأولها تقديما، كما لابد من تجهيز الطعام وتقديمه بما يتناسب مع مكانة الضيف الاجتماعية وما تسمح به النفس السخية.

وثاني الاستحقاقات توفير مستلزمات الكرم والمؤونة الرمضانية عبر التبضع وشراء حاجات رمضان من الحبوب والأطعمة والأوعية، وقد عرفت حايل بأنها مركز تجاري مهم يتبضع منها قاطنو المنطقة الشمالية قاطبة، مثلما عرفت بأنها محطة مهمة لعبور البضائع والقوافل بين الشمال والجنوب، وكان فيها واحد من أهم الأسواق التجارية بالجزيرة العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وهو سوق برزان الذي اشتهر بتنوع بضائعه وأسعارها المناسبة التي جعلته مقصدا للناس من سائر القرى والمناطق القريبة والبعيدة.

سوق برزان

في عام 1808م قام حاكم حايل الثاني من أسرة آل علي ببناء قصر برزان على مساحة كبيرة من الأرض، وبطريقة لم تعرفها المنطقة من قبل، حيث كان بثلاثة أدوار ومساحات واسعة للحدائق والمزروعات ومجلس كبير لاستقبال الناس ومطابخ ومساكن للضيوف وسكن كبير للأسرة الحاكمة.

وفي عام 1836م بعد استيلاء أسرة آل رشيد على الإمارة أبقت على القصر مقرا للحكم والسكن، وتمت توسعته عدة مرات، كما بني الجامع الرئيس في المدينة وقد حمل نفس الاسم، وحين رأى الأمراء بسطات البضائع التي كان الناس يعرضون بضائعهم فيها بجوار حائط القصر الشاهق، وكانت أغلبها بسطات نسائية تعرض منتجات المواشي والمشغولات المنزلية وبعض البضائع المتحصلة من الصعدات والحدرات التجارية، أمر أحدهم بإنشاء السوق، فقام واحد من أهم المعالم التجارية في حايل وشمال الجزيرة العربية، وهو سوق برزان الباقي حتى يومنا هذا يؤمه المتسوقون والسياح أيضا.

وحين أصبح سوقا حديثا وعصريا بمواصفات تلك الفترة، كانت تعرض به أهم البضائع التي يحتاج إليها الناس وتشهد إقبالا، وأهم هذه البضائع التمور والخضراوات والأرز أو التمن العراقي الذي كان يستورد من الفرات الأوسط، والقمح القادم من الجوار الشامي والعراقي والفواكه والملابس والأواني والصناعات المحلية والقادمة من المناطق المجاورة.

كما كانت بعض الدكاكين تعرض القهوة والبهارات والبنادق والفشق واكسسوارات السلاح والبشوت والكثير من البضائع والسلع الرائجة في تلك الفترة، وفي شعبان كان الناس يأتونه من كل أحياء حايل وقراها والمناطق الصحراوية المجاورة ليتبضعوا حاجاتهم من السلع الرمضانية الأساسية في تلك الفترة.

المائدة الحايلية

لم تكن المائدة الحايلية القديمة تحمل التنوع الحالي أبدا، فقد كانت قسوة العيش بادية في معظم الأحياء، ولا يتميز إلا القليل من الأهالي الأثرياء والموسرين أصحاب الحلال أو الدكاكين، كما لم تكن حايل مشهورة بالزراعات الواسعة، وأنها كانت تزرع النخيل وبعض الخضراوات وتنتج اللحوم الحيوانية والداجنة ومنتجات المواشي والدواجن كالألبان والدهن واليقط والبيض.

أما أشهر الأطعمة الحايلية في رمضان، فإن في مقدمتها التمر واللبن او حليب النوق، وتجهز النساء في حايل حب القمح بالمهباش لعمل الجريش، وهو طبق مهم في رمضان، فالجريش يعرف في حايل قديما على انه مقاوم للجوع، كما أن بعض الأكلات أو الأطعمة كانت حصرية لأهالي حايل، ولا يشاركهم فيها أحد من مناطق الجوار.

وأهم هذه الأكلات المعذب والصبيب والهريس والمرقوق والرغفان وتمن العراق وهورة باكستان ومحماسة الماقد والمقشوش والمشرب.

ولا تتوافر هذه الأكلات على مائدة واحدة مجتمعة، وإنما تكون بالتناوب، كما لا يخفى أن لبعض الأكلات مواسم خاصة لا يمكن تحضيرها إلا بها، كما أن للولائم الأسرية دور في التنوع، إذ تقوم النسوة بتحضير أنواع متعددة منها لخصوصية المناسبة، وربما تكمن الأهمية في اجتماع الأسر أكثر من الاهتمام بالأطعمة، حيث لاجتماع رمضان نكهة تختلف عن الاجتماعات الأسرية في بقية الشهور.

الطعمة والنار والسر

كان الناس بسطاء متحابين ومتواصلين، عرفوا الكرم والسماحة والتكافل وصلة الأرحام، فعند العصر كان الصغار يخرجون من منازلهم يحملون صواني المأكولات لإيصالها الى جيرانهم بما كان يعرف بالطعمة، ولم تكن الصواني تعود فارغة، بل تعود كما وصلت مملوءة بالطعمة أيضا، ولم يكن الطعام يخرج عن التمن والهريس والثريد وبعض اللحم المشرك، إذا كان بعضهم قد اشترى تيسا بالشراكة التي عادة ما تكون بين ثلاثة أسر من الأقارب أو الإخوة او الجيران.

ولرمضان الشتائي في حايل طعم آخر، فكان جلوس الأسرة كبيرها وصغيرها بدار المشب، حيث تجمع النار الأسرة حولها، وصوت الشايب يملأ المكان بكلمات الإيمان العفوية {الحمد لله على طول الأعمار وتجديد الآثار} وهي الجملة المأثورة التي ورثها الشايب عن الشايب ليعلمها للأبناء، والنار القديمة كانت إما من نبات الارطاء وهو المفضل في شتاء حايل، أو من جذوع الرمث الذي يجلبه الحطابون من صحراء الأديرع او النفود او صحراء العراق، ويبيعونه في سوق برزان، كما كان كرب النخيل مادة للنار وإن كانت من دون الارطاء والرمث قيمة، حيث تكون سريعة الخبو قليلة الحدة، كما كانت الجلة التي تجمعها النساء من مواشيها او يشتريها الرجال من السوق وقودا شتائيا مهما، وكان لكل مجلس رجالي وجارا مشبا للنار يجتمع الرجال حوله، وقد وضعت الدلال وغوري الشاي على جانب منه، وكانت الفراوي مرافقة للمسايير في شتاء حايل القارص.

أما البشوت الشتوية فلا تصنع محليا وإنما تأتي من الشام في الحدرات التجارية التي تأتي كل ستة أشهر، وقد عرفت حايل كطريق للقوافل من الجنوب للشمال بما كان يعرف بالصعدات التجارية، ومن الشمال للجنوب بما كان يعرف بالحدرات، وعادة ما تكون الدورة التجارية لهذه القوافل نصف سنوية، إذ تتكرر مرتين في العام في الشتاء والصيف.

وكان صاحب المجلس يقوم بعمل القهوة بنفسه، ولا يطرق بابه الأقارب والجيران إلا بعد أن يسمعوا ضربات النجر المدوية والمقصودة كعلامة على جهوزية القهوة واستعداد صاحب المجلس لاستقبال الضيوف وتفرغه لهم، وكان البعض يقدم التمر مع القهوة، بينما يكتفي الآخرون بالقهوة والشاي والحكايات الجميلة.

وللكرم قانونه لدى الحايلي، حيث كان الترحيب أولا بالضيف الغريب وعابر السبيل وكبار السن والقادمين من الأحياء البعيدة والزائرين للمرة الأولى، كما ان القهوجي كان يجيد أداء مهامه ويفقه بقوانينها بشكل كامل، فلا يحتاج من صاحب المنزل الى توجيه أو تصحيح.

وعادة ما يكون القهوجي من الأبناء، وقد تعودت نساء حايل على وضع سر الوليد في صندوق المعاميل أو في أحد أركان المجلس لاعتقادهن بأن وجود سر الطفل في مكان ما يجعله يتعلق به عند الكبر.

*كاتب وباحث كويتي

back to top