أشرف العشماوي: القاضي يرهقني لتحقيق العدل أما الروائي فيسبح في الخيال

نشر في 16-11-2015 | 00:01
آخر تحديث 16-11-2015 | 00:01
No Image Caption
هو قاض يرهقه العدل بمفهومه الإنساني، وروائي يسبح في عوالم القاضي ليتعرض لآلاف النماذج البشرية في أضعف وأصدق حالاتها. احترف القاضي الأديب أشرف العشماوي الكتابة ليتنقل في شغف من عالم القضاء إلى عوالم الأدب وفضاءاته المتعددة، وليكون أحد الذين اختبروا هذه اللحظات التنويرية، رغم تأخرها، وتنقلب حياته بعدها رأسا على عقب.
الانتقال من عالم القضاء إلى عوالم الرواية والقصة، كيف تم؟ وأيهما أصعب أن تكون روائيا أم قاضيا؟

لا أدري كيف تم تحديداً، لم أستطع الإمساك بتلك اللحظة الفارقة أبداً. انجرفت إلى عالم الكتابة، ولم أقو على منع نفسي، استسلمت بسلاسة واستمتاع أيضاً، وأظن أن الله منحني موهبة في الحكي والسرد، لكنني لم التفت إليها إلا متأخراً عندما كنت في الثلاثين من عمري، أو أكثر قليلا. لم أترك وظيفتي بعد وما زلت قاضياً في محكمة الجنايات حالياً. وأعتقد أن من الأصعب أن تكون روائياً، فالأمر يولد معك في داخلك ولا تكتسبه مع الوقت مثل المهن الأخرى، وأحسب أن الفنون كلها موهبة تولد معنا المهم أن نهتم بما خلقنا لأجله.

هل ثمة تعارض أم تقاطع بين الشخصيتين؟

يرهقني القاضي لتحقيق العدل بمفهوم إنساني فالأمر صعب جداً، ومجهد نفسياً. أما الروائي فيسبح دوماً في الخيال. تشغلني اللقطة العابرة والتفاصيل الدقيقة بالقدر نفسه، ومنهما ألتقط أفكاراً لرواياتي وأبني عليها بخيالي أحداث الرواية، وبالطبع ثمة فارق بين الشخصيتين، فمنصة القضاء محايدة، بينما الأدب إنساني إلى أقصى درجة يعتمد على الاختلاط بالناس من الطبقات كافة للكتابة عنها.

أسلوب روايتك الأولى {زمن الضباع} مبتكر، يقوم على حوارات بين حيوانات في غابة رمزية، لماذا لجأت إلى هذا التكنيك في الكتابة؟ وهل استوحيت الفكرة من كتاب {كليلة ودمنة}؟

الرواية مكتوبة ومنشورة قبل ثورة 25 يناير، وقد لجأت إلى الرمز خوفاً من أمور كثيرة وقتها، والفكرة محاكاة عربية لفكرة جورج أوريل وروايته {مزرعة الحيوان}، لكن روايتي مختلفة تماماً في طريقة الطرح والسرد والأفكار، لا يوجد تناص أو تشابه من أي نوع سوى أنها حيوانات تتكلم وتتصرف مثل الإنسان.

هل يمكن عملياً في الحياة تغيير وجهات النظر وطبائع البشر لتتحول المادية إلى إنسانية، كما في روايتك {تويا} أو العكس... أم يبقى الأمر في الروايات فحسب؟

يمكن طبعاً، والعكس صحيح أيضاً. وثمة كثيرون حدث لهم ذلك كما أن {تويا} رواية تبحث في صورة الروح، وعن المرأة التي يفتش عنها الرجل في خياله.

كروائي أرى المرأة من زوايا كثيرة وفي صور متعددة، وبالنسبة إلي أن أعثر على امرأة متخيلة أمر صعب طبعاً، لكنه غير مستحيل.

تجسد رواية {المرشد} فساد المجتمع وتطرفه الديني على مدى نصف قرن مضى، كيف تنبأت فيها بسقوط الحكم الديني في مصر قبل حدوثه فعليا بسبعة أشهر؟

هي قراءة للواقع، فالمقدمات تؤدي دوماً إلى النتائج. لا يمكن أن تفرغي زجاجة ماء في كوب من دون أن ينسكب الماء منه. هذا ما فعله الإخوان في أشهرهم الأولى من حكم مصر، وكان واضحاً لي أنهم إلى زوال خلال أشهر معدودة بعدها وهذا ما حدث، وكتبت ذلك في نهاية روايتي الصادرة في يناير 2013 في عز سطوتهم.

في رواية {كلاب الراعي} والتي تدور حوادثها في التاريخ القديم، حيث المؤامرات والقلاع وقصور المماليك في سيناريو يشبه تماماً ما يحدث اليوم على الساحة السياسية والاجتماعية، هل تريد أن تنبه إلى أن التاريخ يعيد نفسه، أم أننا نكرر أخطاء الماضي؟

الاثنان معاً. نحن نكرر الأخطاء، لأننا لا نتعلم من التاريخ، ولا نقرأ بعمق، فطبيعي أن يعيد نفسه. شخصياً، أثناء فترة البحث عن المادة التاريخية للرواية أصابني الذهول مما كانت عليه مصر في هذه الحقبة، وكأننا اليوم بالضبط في كل شيء، ومع ذلك فمعظم شخصيات {كلاب الراعي} باستثناء محمد علي باشا متخيلة بالكامل وحتى حوارات محمد علي كلها من وحي خيالي.

لماذا يتعدد الأبطال في رواياتك، ولا تعتمد على البطل الأوحد؟

لأن الرواية محاكاة للحياة، وحياة كل منا مليئة بالشخوص المتعددة، الحياة تفاصيل صغيرة متشابكة في أحيان كثيرة والرواية مثلها، أما موضوع البطل الواحد فالمسرح أولى به.

يرى البعض أن شخصية مريم في روايتك {البارمان} تقترب أو هي مزيج من زهرة في {ميرامار}، ونور في {اللص والكلاب}، بينما يراها البعض تصوراً لمصر الجديدة، إلى أي الآراء تقترب من وجهة نظرك؟

شرف لي أن تقارن بطلة إحدى رواياتي ببطلات نجيب محفوظ أستاذ الأجيال، وأنا لا أقول وجهة نظري في رواياتي، إنما أتركها للقارئ فهو شريكي في عملية الإبداع، ومن حقه أن يرى مريم كما يشاء.

لماذا تزيد جرعة العنف في الرواية؟

لا أراها كذلك، إنما ربما في مشهد النهاية بعض العنف، لأن سياق الأحداث يطلب أن يخرج كبت مريم على هذا النحو حتى فقدت عقلها.

كيف خرجت بروايتك من تصنيفها كرواية نميمة وحكايات بارات إلى صورتها الحالية؟

لأنني تعمدت منذ البداية أن أبتعد عن روايات النميمة. لا أحب هذا اللون من الروايات، فكيف أكتبه؟ كان من السهل حشو الرواية بحكايات البارات والنميمة في أكثر من ستمئة صفحة، لكنني اخترت الأصعب أن ألعب على الفكرة والتضاد بين الأبطال والحانة وحياتهم الحقيقية، فخرجت الرواية في مئتي صفحة فقط، وهذا ما تمنيته وحدث.

هل تهمك الجوائز؟ وكيف تنظر إلى علاقة الإبداع بالجوائز عموما؟‏

نعم الجوائز مهمة، فهي تسعدني على المستوى الشخصي، وتشعرني بأنني أكافأ على مجهود بذلته، لكن ليس معنى فوزي بجائزة أنني الأفضل بل يمكن القول إن الرواية التي تفوز كانت أفضل المعروض على اللجنة، واتفقت مع الذائقة الشخصية في القراءة لأعضائها، إلا أنني لا أكتب لأجل جائزة، ولا أفكر في الجوائز أثناء الكتابة لكنها إن أتت فأهلا وسهلا.

كيف ترى وضعية الأدب العربي على الساحة العالمية؟

له مساحة مهمة لا يمكن إغفالها، منذ حصد أستاذنا نجيب محفوظ {النوبل}، وفاز بهاء طاهر بـ {البوكر}، ومن بعده يوسف زيدان. كذلك علاء الأسواني، الذي ترجمت رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة، وباع ملايين النسخ حول العالم، وثمة عشرة أدباء مصريين وصلوا إلى قوائم جائزة البوكر العالمية لأفضل الروايات في الأعوام السبعة الماضية فقط. ولدينا كتاب عرب نجحوا عالمياً مثل المبدع الكويتي سعود السنعوسي، وواسيني أعرج، وربيع جابر من لبنان، وشكري المبخوت من تونس، وأحمد سعدون من العراق، والطيب صالح من السودان. لدينا قامات شامخة عظيمة احترمها الأدب العالمي وقدرها بالترجمة والإقبال عليها.

back to top