كيف تغلبت أستراليا على الخوف من الغرباء؟

نشر في 12-11-2015
آخر تحديث 12-11-2015 | 00:01
 فريد حيات لِمَ نرى هنا ديماغوجيين بقصة شعر غريبة ينددون بالمهاجرين ناعتين إياهم بالمغتصبين؟ إن كان عذر الولايات المتحدة القلق الناجم عن تدفق الغرباء الوافدين، فيجب أن يكون قلق أستراليا مضاعفاً، ففي الولايات المتحدة، ولد 14 في المئة من السكان في بلد آخر، أي ما يُقارب نسبة الـ15 في المئة القياسية التي سُجلت قبل نحو قرن، أما في أستراليا، فأكثر من ربع السكان يتحدرون من أصول أجنبية، ويملك نحو 46 في المئة على الأقل والداً أجنبياً، وفق مكتب الإحصاءات الأسترالي.

رغم ذلك، يبدو الحزبان الرئيسان كلاهما (الليبراليون اليمينيون الوسطيون والعمال اليساري المنحى) ملتزمين بمواصلة الهجرة، أما السياسيون الذين يحاولون طرح أو استغلال نظريات الانحياز المناهض للهجرة، فيُهمشون، فهل من وصفة سرية تستطيع الولايات المتحدة اتباعها؟

أولاً: من الضروري الإشارة إلى بعض التحذيرات؛ ومع أنه لا يخولني قضاء أسبوع في أستراليا أن أكون خبيراً في الشؤون الأسترالية، لكن هذا الوقت كافٍ بالتأكيد لمعرفة أن هذه الأمة، التي تعد 23 مليون نسمة، لا تشكل جنة لا تأثير للأعراق فيها.

أثارت الموجات المتتالية من المهاجرين القلق بين بعض الأستراليين حيال عدم قدرة الوافدين الجدد على التأقلم، من اليونانيين والإيطاليين في خمسينيات القرن الماضي، والفيتناميين في السبعينيات، والصينيين، والهنود، والشرق أوسطيين اليوم، حيث يخشى الناس من الجريمة ويقلقون من أن ينعزل الوافدون الجدد في أماكن محددة في الضواحي.

ينادي الجميع بالتزامهم بنموذج "التعددية الثقافية" المثالي الوطني، ولكن في العمق، نلاحظ اختلافاً كبيراً بشأن مدى الاندماج المرغوب فيه، وفي هذه الأثناء، ما زال قادة الصناعة والحكومة عموماً رجالاً إنكليزاً، في حين أن الحصة الكبرى من المهاجرين مازالت تأتي من نيوزيلندا وبريطانيا العظمى، علماً أن الأغلبية العظمى من هاتين الدولتين لا تزال من البيض. رغم ذلك، ونظراً إلى أن أستراليا البيضاء كانت السياسة الرسمية حتى سبعينيات القرن الماضي، فلا شك أن قبول عالم يشكل فيه الصينيون والهنود مجموعة المهاجرين الأسرع نمواً سيبدو مذهلاً لكل مَن يحاول الهروب من مناظرات الحزب الجمهوري الرئيسة.

يوضح بول كيلي، وهو محلل تاريخي وسياسي بارز في صحيفة The Australian، أن الأمة ككل أدركت بعد الحرب العالمية الثانية أن عليها "زيادة" عدد سكانها، إن أرادت الدفاع عن نفسها في عالم خطر، ومن المؤكد أن سبعة ملايين شخص في أمة تعادل مساحتها مساحة الولايات المتحدة لا يُعتبر كافياً، وعندما اتضح بمرور الوقت أن بريطانيا العظمى لا تستطيع أن تؤمن العدد الكافي من المهاجرين، "تراجعت سياسة أستراليا البيضاء، استسلمت، وانتهت".

أخبرني كيلي: "كان قراراً متعمداً اتخذه كلا الحزبين، كان علينا الانطلاق في مشروع الهجرة، هذا لبناء أمة قوية وقابلة للحياة". ثانياً، يبقى العامل الأهم قدرة أستراليا على تحديد مَن يدخلها، حيث ذكر كيلي أن "ثقافة الجزيرة مهمة، فهكذا نتحكم في مصيرنا". لطالما كانت أستراليا رائدة (من حيث النسبة لكل فرد) في قبول اللاجئين من مناطق الصراع، ولكن في عام 2001، عندما بدأ القادمون من أفغانستان ودول أخرى يصلون في قوارب، شكل هذا تحدياً لإحساس أستراليا بالسيطرة على هذا الوضع، وتحولت هذه "إلى مسألة مؤثرة جداً"، وفقاً لكيلي.

أصدر رئيس وزراء متحفظ قراراً بعدم قبول القادمين في قوارب، إلا أنه تعرض للانتقاد من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، وفي عام 2007، عكس رئيس وزراء من حزب العمال هذا القرار، ولكن عندما بدا أن التساهل يشجع أعداداً أكبر على الهجرة بهذه الطريقة (نحو 30 ألف وافد في غضون بضع سنوات)، عادت الأمة إلى سياسة عدم القبول هذه، وسرعان ما توقفت القوارب عن التدفق. من الطبيعي أن تشكل سياسة رفض طالبي اللجوء القادمين بالبحر مصدر قلق بالنسبة إلى الأستراليين، لكن توم سويتزر، صحافي محافظ وباحث مساعد في مركز الدراسات الأميركية في جامعة سيدني، يشير إلى أن السياسة المتشددة ليست إنسانية فحسب (لأن عدداً كبيراً من المهاجرين غرق خلال سنوات التساهل)، بل تُعتبر أيضاً ضرورية للحفاظ على الدعم الشعبي للهجرة الشرعية.

كتب سويتزر أخيراً في مجلة Spectator: "تساهم الضوابط الحازمة في التخفيف من الخوف من الغرباء، وتضمن حصول مَن يطلبون ضيافة هذه الأمة على معاملة حسنة". في أوروبا، يبدو أن الإحساس بالعجز يؤجج القوى السياسية المنادية بالخوف من الغرباء، فقد أخبرني أخيراً مسؤول ألماني بارز أن مئات آلاف المهاجرين الذين يرغبون في دخول البلد يمثلون التحدي الأكبر الذي تواجهه القارة منذ الحرب العالمية الثانية، ومن أسباب ذلك، على حد قوله، الشعور بفقدان السيطرة، فبما أن ألمانيا محاطة بـ9 أمم، يبدو أنها تواجه صعوبة في تحديد شروط الدخول.

ساهم المنطق عينه في صوغ سياسة الهجرة الأميركية خلال عهد الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، اللذين شددا كلاهما على أهمية أمن الحدود، والترحيل، وغيرهما من تدابير التطبيق، وقد هدف ذلك في جزء منه إلى تمهيد الدرب سياسياً أمام إصلاحات الهجرة الإنسانية. نجحت هذه السياسة في الحد من الهجرة غير الشرعية، وصاغت على الأرجح الرأي العام، إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الأميركيين، وحتى الجمهوريين منهم، يؤيدون تشريع إقامة 11 مليون مهاجر دخلوا هذا البلد بطريقة غير مشروعة، بدلاً من الترحيل الجماعي الذي ينادي به دونالد ترامب.

ولكن من المؤسف أن نجاح التطبيق لم يؤدِّ بعد إلى شراكة بين الحزبين في هذه المسألة، على غرار ما نراه في أستراليا، سواء بين أعضاء الكونغرس الجمهوري أو المرشحين الرئاسيين، وإن كان لهذا وصفة، فلم يُطلعني عليها أحد.

 * (واشنطن بوست)

back to top