هل العنف من وسائل «الإخوان»؟ (3-3)

نشر في 08-01-2016
آخر تحديث 08-01-2016 | 00:01
 خليل علي حيدر إن لجماعة الإخوان طابعاً مختلفا وأساليب خاصة بهم، وهي ميزات وأساليب تختلف في بعض تفاصيلها من دولة عربية لأخرى، فنحن لسنا إزاء جماعة واحدة بل جماعات، ولا ندرس قيادة واحدة بل قيادات، وما يعجب إخوان الكويت قد لا يعجب بالضرورة إخوان مصر والأردن والعراق، وما لا يرى فيه هؤلاء جميعاً أي بأس قد لا يتقبله إخوان الكويت.

ويحاول الإخوان مركزة الجماعة وتوحيدها ضمن إطار توجيهات ما يسمى عادة بجهاز «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين»، ولكن الإخوان ينفون وجود مثل هذه الهيئة، ومن المستبعد أن يلتزموا جميعاً بكل قراراتها، حتى إن بدت شرعية وصائبة، ولا شك أن عوامل كثيرة تتصارع على النفوذ فيها إن بقيت الهيئة قائمة، منها حجم الجهاز الإخواني في مصر، وحجم التمويل من دول الخليج، والمؤثرات السياسية من إخوان أوروبا وأميركا، وغير ذلك.

فالإخوان  في نهاية الأمر جماعة تجمع بين العلنية والسرية، والقرآن والسلطان، وها هي جماعة إخوان الأردن تنقسم بين الحمائم والصقور، وتحاول مجموعة من القيادات تأسيس حزب جديد، وتقول الأخبار «إن قرار تأسيس الحزب الجديد أثار حفيظة التنظيم الدولي للإخوان، حيث تم عرض المبادرة على مؤتمري الإخوان في إسطنبول قبل عدة أسابيع». (30/ 12/ 2015).

وكان الباحث الأردني «إبراهيم غرايبة» قد بحث انقسامات جماعات الإخوان في دراسة نشرها في دورية «الديمقراطية»، في أبريل 2014 قال فيها عن الوضع والانقسامات داخل تلك الجماعة ما يلي: «إخوان الأردن من الناحية الفكرية جماعتان مختلفتان اختلافا جذريا وكبيرا عن بعضهما: أولاهما تيار يعبر عن الإخوان المسلمين في حالتهم العامة والتقليدية، ولكنه تيار قيادي، ولا يمتلك تأييدا تنظيميا كبيرا ومتماسكا داخل الجماعة، ولذلك تراجعوا إلى الظل بعد الانتخابات الأخيرة، أما الجماعة الثانية في الإخوان ذات الأغلبية والتأثير التنظيمي، وإن كانت تراجعت عن الواجهة منذ عام 1990، فهي تشكلات فكرية وسياسية أقرب إلى حزب التحرير، وأفكار ومقولات سيد قطب!».

ماذا سيحدث للمملكة الأردنية إن هيمنت عليها شعارات حزب التحرير وأفكار سيد قطب؟ وكيف يمكن لجماعة كالإخوان تدعي أنها «الحركة الأم» وأنها أكثر الجماعات الإسلامية نضجاً وإدراكا للواقع والظروف أن تفكر بهذه الطريقة؟ والواقع أن جماعة الإخوان، بسبب تناقضات فكرها السياسي بين الواقعية والثورية والتقليدية والتمرد، كانت على الدوام، ومنذ ظهورها، وفي كل بلد تقريباً، ضحية تصارع التيارين واصطدام التوجهين.

 ولهذا كان الإخوان على الدوام البيئة الحاضنة لقادة جماعات التطرف والعنف فيما بعد، ويقوم بعض هؤلاء، كقادة «الجماعة الإسلامية» في مصر أو «تنظيم القاعدة» أو غيرهم بنشاطات إرهابية علنية بعد أن تخلصوا من القيود السابقة، وسرعان ما يندم بعض هؤلاء الإرهابيين بدورهم، وتنقسم جماعتهم إلى «معتدلين ومتشددين»، وتدخل الجماعة في مرحلة «مراجعة للفكر»، ومواجهة مع الذات، في حين يواصل آخرون مسيرة التشدد والإرهاب، وهكذا ربما إلى ما لا نهاية!

وينظر الكثيرون في أكثر من دولة عربية بسذاجة ولا مبالاة إلى بعض نشاطات الإخوان الواجهية، باعتبار أن الجماعة مسالمة وبنّاءة، بل تقوم بدور إيجابي في خدمة المجتمع، وربما الحياة العامة في كل مجال، فمعظم الناس تغفل عن أن جماعة الإخوان في حقيقة الأمر تنظيم واسع الاهتمامات محليا وداخليا، وممتد عربيا وعالمياً، وأن أهدافها كحركة لا تقتصر على قرية أو مدينة أو حتى دولة واحدة، إذ لا يكاد أي حزب عربي أو إسلامي ينافسها إلى اليوم، ومن الممكن لعضو الجماعة أن يسافر عبر الكرة الأرضية ويجد في كل دولة وبقعة من يمثل الجماعة أو يطالع كتبها أو يردد شعاراتها.

وهذه الجماعة التي تلد في النهاية أمثال «سيد قطب» أو «أسامة بن لادن» أو غيرهما، قد تكتفي في بعض الأحيان لدى تكوينها بمدرسة بسيطة، أو مسجد مجهول الاسم أو مجلة مغمورة، ولكنها سرعان ما تنمو وتتسع حيث تعتاش على ثقافة دينية واسعة الانتشار في البيت والإعلام والمدرسة والخطب الدينية، تخدم جماعة الإخوان والإسلام السياسي.

 وكثيراً ما يكون هذه الجسم التنظيمي، الذي هو في بدايته، عاجزاً عن ممارسة العنف والتصدي للآخر وما يعتبر «تغيير الباطل باليد»، لكنه ينتهز كل الفرص الداخلية والخارجية للنمو والاتساع والارتباط، وإذا اشتد ساعده كان لكل حادث حديث!

ونتساءل في النهاية: هل الجماعة حقا ضد العنف واستخدام القوة؟ ونتساءل أيضا: ألا يستدعي هذا إلغاء السرية والأدلجة والتنظيم الحزبي الهرمي والتكتم؟ ونتساءل كذلك: ماذا تفعل جماعة الإخوان في العالم العربي اليوم لكشف مكامن الإرهاب ومحاربة جماعات العنف والابتعاد عن ثقافته؟ وما حجم الجهد الذي تبذله ضد هؤلاء؟

لا شيء من هذا حقيقة إلا في حدود رفع العتب، وأحياناً كثيرة لا نجد حتى عطاء المقلّ!

خذ مثلا «المجلات الإسلامية» ومنها مجلة «المجتمع»، كم من مقالاتها مكرسة منذ طغيان الإرهاب لمناقشة حجج الإرهابيين وكشف تنظيماتهم والرد على شعاراتهم؟ وكم من مقالات خصصتها هذه المجلات لإعادة النظر في تراث الإخوان نفسه الذي يعتمد عليه الإرهابيون في الغالب؟ وكم من البرامج الإلكترونية والخطب ضد فكر جماعات الإرهاب؟ وكم من برامج المحطات التلفزيونية «الإسلامية»؟ ولماذا نجد كل هذه الكتب عن مخاطر الربا وتعذيب الإخوان في سجون عبدالناصر والمؤامرات الأميركية ومخططات الماسونية مثلاً، ولا نجد إلا الكتب الهزلية البائسة التي يجامل بها الإخوان من ينتقد تقصيرها بحديثهم المحدد عن «الغلو» و»التشدد» و»الخوارج»، في حين حياة المسلمين داخل دولهم وفي أوروبا تشهد مآسي لا حدّ لها بسبب هذه الجماعات الإرهابية!

ولكن ما العمل، وبعض قيادات الجماعة في مصر والأردن وغيرها، هم أنفسهم من ورثة التنظيم السري أو من الذين لا علاقة لهم إطلاقا بالقرن الحادي والعشرين؟ بل ماذا لو قال أحدهم إن وجود هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية، يخدم في الواقع الإخوان ويعزز مكانتهم؟ وهذا ما توصل إليه كما ذكرنا في مقالات سابقة د. محمد عمارة، الذي تعاطف علناً مع العنف الإسلامي المسلح في مصر قبل عقود، ورأى فيما تقوم به جماعاته من إرهاب فوائد جليلة، تخدم ما أسماه في ورقته «تيار الوسطية والاعتدال»!

 ود. عمارة ليس بالطبع من الإخوان المسلمين، لكنه من المدافعين عنهم والمبررين لهم، ففي إحدى ندوات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت عام 1992، وكان د. عمارة ممن أعد ورقة فيها، أُطلق على جماعات العنف والإرهاب في مصر لقب «فصيل الأنياب والأظافر»، الذي يحمي التيار الإسلامي بالناب والمخلب، وأشاد بدورها في «إرهاب غلاة العلمانيين»، وثمّن تضحياتها الغالية، وعبّر عن تقديره «للدور الإيجابي لهذا الفصيل عندما يتصدى لدفع ضريبة الدم في مواجهة نظم القمع التابعة للغرب».

وأضاف د. عمارة في البحث المنشور نفسه، إن هذه الفصائل، أي الجماعات الإسلامية المسلحة التي شلت الحياة الاقتصادية في مصر، ووضعت أجهزة الأمن على أطراف أصابعها وأعصابها، تمثل الحماية والترس، أو كما سماها بلغة عربية إسلامية تراثية «الدرقة» التي تتلقى الضربات فتحمي تيار الوسطية والاعتدال»، (أبحاث ندوة مستجدات الفكر الإسلامي والمستقبل، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- دولة الكويت، فبراير 1992، ص103).

 إن حزب الإخوان المسلمين، كما يعرف أعضاؤه وأعداؤه، ليس جماعة دعوية بحتة، وهو على المديين البعيد أو القريب، عندما تحتم الضرورة أو ربما تسنح الفرصة، قد يستخدم القوة والسلاح لتحقيق أهدافه من خلال التمرد أو دعم الثورة أو حتى الانقلاب.

فمن أهداف الجماعة إقامة «النظام الإسلامي»، وفق فكر الإخوان أو وفق فكر الجماعة التي تكون صديقة أو ممهدة لحكمهم، وإقامة مثل هذا الحكم ركن أساسي في عقيدة الحركة، قد يتحقق بالاقتناع أو بالقوة، بدافع الإيمان أو بعصا الإخوان! وما عبر عنه د. عمارة علناً عن فوائد هذه الجماعات ربما يتهامس به الآخرون في الخفاء!

back to top