Hateful Eight يمسّ وتراً عرقياً حساساً

نشر في 08-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 08-01-2016 | 00:01
حيكت حبكة فيلم The Hateful Eight عن الغرب الأميركي بخيوط عرقية. يروي الفيلم السريع قصة سبعة رجال مريبين وامرأة شريرة عالقين في عاصفة ثلجية في جبال وايومينغ الموحشة. يموت الشرير بطريقة غريبة والرحمة كذبة. لكن الفيلم، الذي تدور حوادثه في الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية، يستهدف المشهد المضطرب اليوم مع إطلاق الشرطة النار وسياسات التهدئة.
يغوص تارانتينو في أعماق القصة ويجرح الحالة النفسية الوطنية بحماسة مضبوطة. وعلى غرار أفلامه الأخرى، خصوصاً Pulp Fiction وDjango Unchained، يسحرناThe Hateful Eight بحواره، فيما يقترب تدريجياً من توجيه اتهامات مضادة عنيفة تبدو في آن مخيفة ومضحكة. يعكس الفيلم، الذي يحفل بالكلمات العرقية وأشباح الجنوب القديم، الانقسام المقلق في بلد قدّم لنا دونالد ترامب وحركة Black Lives Matter.

يتردد معدو الأفلام غالباً في تقديم مقارنات بين أعمالهم والحوادث المقسمة الأخيرة. لكن تارانتينو يهوى الضرب على الأوتار الحساسة ويتطرّق بذكاء إلى محادثات أشمل.

يقول تارانتينو: {حوادث العالم مقلقة على أقل تقدير. ولكن كفنان، يمكنك أن تأمل أن تقدم عملاً يعكس روح العصر. خلال عملنا على الفيلم، لاحظنا أن الانقسام بين الولايات الزرقاء والحمراء (وقد فهمت هذا الواقع جيداً خلال كتابتي النص) ما انفك يتسع، وأن الناس يعبرون بوضوح أكبر عن انتقادهم أحدهم الآخر}.

يشبه التحاور مع تارانتينو شراء سيارة من رجل في نهاية زقاق. فهو خجل، سريع، وحماسي. كذلك يتمتع بضحكة عالية، وتبدو قامته في بذته السوداء والرمادية الأنيقة منسدلة كما لو أن مفاصلها مرتخية. جلس في أحد فنادق بيفيرلي هيلز فيما بدأ الليل يرخي بأذياله على تلال هوليوود وكان الرئيس باراك أوباما يخاطب الأمة بعد عملية إطلاق النار في سان بيرناردينو. ومع أن هذا المخرج كان يتحدث إلى الصحافيين بشأن فيلمه الجديد طوال ثلاثة أيام، بدا مستعداً لمواصلة ذلك لثلاثة أيام إضافية.

كان سامويل ل. جاكسون يجلس خلفه. يعود التعاون بينهما إلى عقود مضت. وفيThe Hateful Eight، يؤدي جاكسون دور الرائد ماركي وارن، أحد جنود الاتحاد السابقين وصائد جوائز يعتمد على ذكائه، مسدسه، ورسالة مريبة من أبراهام لينكولن. تستند العلاقة بين هذا الممثل والمخرج إلى احترامهما للسينما والأفلام وإلى وفاء جاكسون لتارانتينو، مع أن سوداً كثراً انتقدوا تصويره الأميركيين المتحدرين من أصل أفريقي.

اعتاد الرجلان الهرب إلى دور السينما عندما كانا صغيري السن. وفيما راح تارانتينو يهز رأسه، بدأ جاكسون (66 سنة) يتذكر بصوته الهادر كالرعد طفولته في تينيسي.

يضيف تارانتينو (52 سنة): {من المواضيع المهمة التي حملتها معي مسألة التمييز العرقي في الولايات المتحدة، خصوصاً بين البيض والسود. فهذه طبيعتي وهذا ما أهتم به}.

انتقد الكتّاب والمفكرون السود تارانتينو لتشويهه تاريخ السود وشعروا بالإهانة بسبب الصور الفكاهية والنعوت. يوضح إشمايل ريد، كاتب وناشط حرر أخيراًBlack Hollywood Unchained، مجموعة من المقالات عن طريقة تصوير الأميركيين المتحدرين من أصول أفريقية في الأفلام: {لعل الأكثر إساءة اعتبار (أفلام تارانتينو) دليلاً يعكس تاريخ السود. يحظى تارانتينو بتغطية أشمل وأكبر. لا تضم هوليوود عدداً كافياً من المخرجين السود الذين يتمتعون بالسلطة اللازمة لسرد تاريخ السود بدقة}.

لكن تارانتينو يرى أن هذا الانتقاد لا {يستحق منه اهتماماً كبيراً}، مشيراً إلى أن خصومه يودون الاستحواذ على المعايير الثقافية والعرقية لمنع الفنانين البيض من تناولها. ويتابع قائلاً: {أنا كاتب. ويُفترض بالكتّاب أن يكتبوا عن أنفسهم وعن غيرهم. على الكتّاب الرجال أن يكتبوا عن البيض والسود وعن الأولاد والنساء والمسنين}.

يتمتع تارانتينو بوعي قوي للحقبات التاريخية وشغف بالأفلام واسع الاطلاع. يصفه يوروبا ريتشن، مخرج أفلام وثائقية أسود بـ}الفنان والمخرج المثير للجدل}. ويضيف: {أكن له احتراماً كبيراً لأنه يتناول مسائل العرق. صحيح أنني لا أحب دوماً ما يقدمه، إلا أنه يثير اهتمامي}.

في شهر أكتوبر، أثار تارانتينو غضب نقابات الشرطة في البلد عندما سار في تظاهرة احتجاج في نيويورك منتقداً وحشية الشرطة في التعاطي مع السود. وعن هذه التظاهرة يذكر تارانتينو: {أنا إنسان يملك ضميراً. وعندما أرى جريمة قتل، لا يمكنني أن أقف مكتوف اليدين. عليّ أن أسمي الأمور بأسمائها: فأدعو القتيل قتيلاً والقاتل قاتلاً}.

هدد رجال الشرطة في مقاطعةThe Hateful Eight. ولكن بعد أيام، أخبر تارانتينو صحيفة Times: {لا يمكن اعتبار كل رجال الشرطة قتلة. لم أقل هذا الأمر مطلقاً، حتى إنني لم ألمح له}.

لكن إطلاق النار في سان برناردينو (الذي نفذه رجل وزوجته من الإسلاميين المتطرفين) دفع بالأمة في اتجاه مختلف، لبعض الوقت على الأقل. فتحدث تارانتينو وجاكسون عن الارتياب الذي ينبع من الخوف وعن إعادة ترتيب  النظام الاجتماعي الثقافي والعرقي. وبعد أن ذكر جاكسون أنه يكنّ للشرطة احتراماً كبيراً بسبب ما تعلمه حين كان صغيراً، تساءل عما قد يواجهه المسلمون في الولايات المتحدة خلال الأشهر المقبلة.

عبّر جاكسون بعد ذلك عما يدور في فكر كثيرين على الأرجح، قائلاً: {ما عادوا جيراننا، بل تحولوا إلى مشتبه بهم. من الممكن تشبيههم اليوم بشبان سود في مجتمع ما كانوا مضطرين فيه سابقاً إلى الالتزام بالقانون. صار الناس يخشونهم بطريقة لم يسبق لها مثيل}.

أومأ تارانتينو برأسه مؤيداً هذه الفكرة، ثم ارتشف القليل من الماء، فيما اتكأ جاكسون إلى الخلف. الرجلان صديقان ملهمان، وقد اعتادا إمضاء أشهر معاً. ورغم كل حماستهما وطاقتهما، يتحليا، على الشاشة وفي الحياة اليومية، بالصبر الكافي ليمنحا اللحظة القوة والزخم الضروريين. يتذكر جاكسون شبابه حين كان يجلس على شرفة منزل جده وهو يصغي إلى آندي غريفث على الراديو، محاولاً فهم كيفية تأليف قصة تجتاح المستمع وتستوطن فيه. يذكر تارانتينو أنه أراد إعداد فيلم آخر عن الغرب الأميركي، كي يعرض عمله هذا على رف واحد مع أعمال أنتوني مان وسام بيكنباه. فلجأ إلى جاكسون.

يقول عن هذا الممثل: {لا يضاهيه أحد في الحوار. لذلك أسمح له أكثر من أي ممثل آخر بالتدخل في بنية المشهد وحتى الحوار وبعض المؤثرات العاطفية. نجح جاكسون في التواصل مع الطريقة التي أكتب بها}.

back to top