السياسة ليست قصة خرافية عن الخير ضد الشر

نشر في 28-12-2015
آخر تحديث 28-12-2015 | 00:01
 الغارديان ترتبط الواقعية السياسية عموماً بتطورات العلاقات الدولية، التي تُعتبر عادةً أقل ارتباطاً بالكلام عن المبادئ والشرعية منها بالسياسات الوطنية أو المحلية، وبما أن انتهاك الدول القوية للقانون الدولي يتكرر باستمرار، فإن الساحة الدولية تشكل مكاناً ممتازاً لمراقبة تفاعلات السياسة الحقيقية.

أما مصطلح "منطق الدولة" من جهته فيرتبط بتدابير استثنائية تتخذها الدولة لحماية نفسها، بغض النظر عما إذا كانت تتعارض مع أهداف الدولة الرسمية، ومبادئها الأخلاقية، وقوانينها الخاصة، ونتيجة لذلك يُدعى مَن يستعينون بمنطق الدول في قراراتهم السياسية رجال دولة.

من بين مؤسسي هذه الأفكار ومطوريها الاستراتيجي العسكري الصيني سون وو، وميكافيلي، والكاردينال ريشوليو، وبسمارك، وكارل شميت، فما يجمع كل هذه الشخصيات المتنوعة هو القدرة على فهم أن السياسة هي في المقام الأول فن القوة وفن الحصول على السلطة والاحتفاظ بها، لكن هذا الواقع الذي يبدو جلياً يتحول إلى محط شك عندما نصف المشاهد السياسية المحلية والوطنية، إلا أنه يصبح أكثر وضوحاً على الساحة العالمية.

في فيلم جيلو بونتيكورفو Battle of Algiers (معركة الجزائر) يسأل بعض الصحافيين الكولونيل ماتيو، قائد القوات الفرنسية في الجزائر التي تحارب جبهة التحرير الوطنية المطالبة بالاستقلال، عما إذا كان رجاله يعذبون المشتبه فيهم للحصول على المعلومات، فأجاب ماتيو إن واجب الجندي تحقيق النصر، وإن تقنيات الاستجواب تتبدل لتناسب هذا الواجب.

اقترح ماتيو أن على الصحافيين، بدل التساؤل عما إذا كان التعذيب مشروعاً، السؤال عما إذا كان يجب أن تكون الجزائر فرنسية، فإن اتفقوا على أنها كذلك (حتى اليسار يظن أنها يجب أن تكون كذلك حسبما يضيف)، فيلزم في هذه الحال أن يدعوا الجيش ليؤدي واجبه ويحقق النصر. في مرحلة لاحقة من الفيلم يعكس بونتيكورفو المشهد مظهراً زعيم جبهة التحرير المعتقل العربي بن مهدي وهو يُسأل عن القنابل التي تستخدمها الميليشيات ضد المدنيين، فيرد بن مهدي بتهكم إنهم يتوقون إلى مهاجمة فرنسا بدلاً من ذلك، ويقترح على الفرنسي مبادلة أسلحة.

تقدّم لنا هذه المشاهد مبدأ المسؤولية الذي يحرك كل المؤسسات السياسية: تبرير المشروع المتبع بغض النظر عن أسسه العقائدية، فيدعي الصهاينة أنهم يدافعون عن العالم الحر، في حين يقول الإسلاميون إنهم إلى جانب الله، أما الاتحاد السوفياتي فقد زعم أنه يعمل باسم الاشتراكية وشعوب العالم.

لا شك أن الحجج العقائدية تضاهي بكثرتها المشاريع المتبعة، ولا يُعتبر الأهم الغاية التي تبرر الوسيلة، بل مَن يقرر أي الحروب عادلاً، ومتى تكون التدخلات العسكرية إنسانية، ومتى يكون التعذيب والقتل مبررين وفق منطق الدولة.

كما ذكر روبرت ماكنامارا في فيلمه الوثائقي The Fog of War، لو أن الولايات المتحدة خسرت الحرب لحوكم كمجرم حرب بعد تنظيمه قصف المدنيين اليابانيين، وبكلمات أخرى يقتصر الاختلاف بين الوطني والإرهابي غالباً على الاختلاف بين الفوز والخسارة، فاسألوا ملكة بريطانيا لمَ وجدت نفسها تصافح مارتن ماكغينيس، القائد السابق للجيش الجمهوري الأيرلندي وأحد أعضاء حزب شين فين الذي يشارك راهناً في السلطة في أيرلندا الشمالية.

عندما ندرك أن الواقعية السياسية ومنطق الدولة يفسران الأعمال السياسية بشكل أفضل من أي نوع من العقائد المشرعة، نفهم سخرية كل مَن يصورون السياسة كقصة خرافية بين الخير والشر.

ولكن هل يعني هذا ألا مكان للأخلاق في السياسة؟ كلا على الإطلاق، إلا أنك إن وددت أن تبدل أمراً فإن عليك أولاً أن تفهم ماهيته وكيفية عمله.

* بابلو إغليسياس ، زعيم حزب بوديموس الإسباني.

back to top