ترانيم أعرابي: والله لا أكرهك!

نشر في 08-12-2015
آخر تحديث 08-12-2015 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم أحيانا لا يطاوعني قلمي على الكتابة، أفكر دائما هل السبب هو عدم وجود الحافز أم أن القلم يصيبه الجمود دون ميعاد؟! فكرت وفكرت وفكرت لكنني بكل صراحة لم أجد سببا لهذا الجمود سوى أنني لا أريد أن أكتب! وإكرام النفس هواها فتركتها حتى كتبت مجتمعاتنا الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام مبنية على المجاملات الاجتماعية الجميلة في مجملها، لكنها في العقود الأخيرة بدأت تتجه باتجاه النفاق الاجتماعي، ولا تعميم إنما مثل هذه الأمور أصبحت مشاهدة في حياتنا اليومية.

بصراحة لم أقرأ لمتخصصين في هذا المجال، ولكن من واقع تجربتي، لأني جزء من هذا المجتمع، وجدت أن الدوافع الشخصية بدأت تطغى على الأهداف النبيلة التي كانت مصدر مجاملاتنا الاجتماعية، بمعنى أن الكرم في السابق كان منبعه محبة الآخر، والأجر الذي ينال الكريم من ربه والسمعة الحسنة الطيبة التي سيرثها أبناء الكريم من بعده. ونذكر هنا قصة من تاريخ الكويت قصة "معشي العوسج"، وهي من قصص الكرم التي خلدت اسم صاحبها حسين بن علي آل سيف الرومي، ومختصرها هو أن هذا التاجر المتوفى سنة ١٩٣٦ شاهد خلال رحلة برية له قبيل الفجر سوادا حسبه قوم من البدو قادمون باتجاه المخيم، فما كان منه إلا أن أيقظ أهل المخيم وذبحوا الذبائح وطبخوها بانتظار قدوم ركب البدو، ولكن عندما أشرقت الشمس لم يكن هناك سوى نبات العوسج، وهذا النبات يكثر في بداية الكويت في السابق.

هذه القصة وغيرها تمثل إرثا ثقافيا وتاريخيا نفتخر به؛ شوه جمالها بعض أفراد جيل النفط عندما صارت الحياة أسهل وكسب البطولات قد يكون من مسافات بعيدة كما يفعل ثوار "تويتر" الوهميون اليوم، هذه الأسباب وغيرها أجبرتني على تطليق المجاملات الاجتماعية بالثلاثة منذ ٧ سنوات دون أن أكترث لما يقوله الآخرون عني معتمدا على مقولة جميلة قرأتها ولا أذكر بصراحة أين، يقول كاتبها "لا تجبر نفسك على مراضاة الجميع، فقط ارضهم بما تجده أنت صحيحا وإن لم يوافق رغباتهم، فلا تتنازل عن مبادئك لمراعاة شعور الآخرين".

مشكلة الكثيرين أنهم لا يفهمون أن المبادئ لا تحتمل المجاملات الاجتماعيةن فمن يؤمن بشيء ويجامل فيه مخافة زعل فلان أو غضب علان فإن عليه أن يراجع اعتقاداته لعله جامل في الإيمان بهذه المبادئ، فالمجتمع اليوم لا يفرق بين عدم الاحترام والاختلاف في وجهات النظر، وهذا خلل عظيم ينتج عنه هدم للعلاقات ودفن للمودة وقتل للتواصل، الخلاف في وجهات النظر مهما بلغت حدتها يجب أن يكون في إطار الموضوع الذي يتم النقاش فيه ولا ينتقل للنفوس فيتحول إلى صراع شخصي وانتقام للذات يضر ولا ينفع.

أحد الأصدقاء نصحني بقوله "عامل كل إنسان حسب عقله، فهناك الكثير ممن يدعون الثقافة عقولهم كحبات السمسم"، كلام صديقي صحيح إذا كان الأمر لا يتعلق بالمبادئ التي أحملها، فقد أجامله في قضية عشاء أو غداء وربما أتجاوز عن كلام غير موزون منه، لكن أن أسكت عندما يتعرض للأفكار التي أومن بها وينتظر مني سكوتا من باب المجاملات الاجتماعية، فهنا أجد نفسي غير مضطر لهذا وإن خسرت العالم كله!

أحدهم يقول: هل نستطيع أن نمدح شخصا ونذمه في الوقت نفسه؟ ألا يعتبر هذا نفاقا؟! بكل تأكيد لا يعتبر نفاقا، فابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين يقول "والله تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل خصوصا"، ولذلك قيل إن الإنصاف عزيز ولا يقدر عليه كل أحد، من أظهر أن إنصاف المخالف هو من النفاق والعيب هو قنوات التلفاز، وأنصاف المثقفين الذين يدفع لهم ليتحدثوا فصار مدح المخالف عن أشباه العلماء أو أنصاف القادة هو من عدم الولاء وخروج عن البراء في كل مسائل الحياة دينية كانت أم دنيوية، ومن هنا نشاهد أن أقل الناس متابعة هم الذين يتمسكون بمبادئهم حتى مع أعدائهم.

شوارد:

 "الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء".

غاندي

back to top