مواجهة الماضي

نشر في 09-07-2015
آخر تحديث 09-07-2015 | 00:01
 شبيغل لمَ انتظرت الولايات المتحدة حتى اليوم لتخوض مناظرة صادقة حول التمييز العرقي؟ يُعتبر موتى تشارلستون أيضاً موتى أمة ترفض معالجة أخطائها الماضية.

تبرع الولايات المتحدة في التعاطي مع مظالم دول أخرى، وتساعد غالباً دولاً أخرى على التأقلم مع ماضيها المشين. على سبيل المثال ستكون ألمانيا ممتنة دوماً للولايات المتحدة لأنها أرسلت جنوداً عبر الأطلسي لإنزال الهزيمة بالنازية ولإصرارها على محاسبة الألمان على الجرائم التي ارتكبوها، فقد أعطت محاكمات نورنبرغ الألمان فرصة ليتحملوا مسؤولية ما اقترفوه، وما عاد باستطاعتهم إنكاره.

لكن الولايات المتحدة لم تحقق نجاحاً كبيراً في اتباع المسيرة ذاتها في معالجة أجزاء قاتمة من ماضيها الخاص، ويشمل هذا تعاطيها مع سكان أميركا الأصليين الذين تعرضوا لقمع عنيف أو حتى قُتلوا بغية تمهيد الطريق أمام التوسع الغربي، وهكذا تعرضوا للخيانة، والإهمال، وعدم الاحترام، واليوم يعيش هؤلاء في محميات في بعض أسوأ ظروف الحياة التي قد يقدمها العالم المتحضر.

تبدو ذاكرة الأميركيين أقصر بعداً في تعاطيهم مع تاريخ السود الذين انتُزعوا في الماضي من أوطانهم، وأُرغموا على ركوب سفن العبيد، واحتُجزت حريتهم طوال قرون، فحتى بعد انتهاء الحرب الأهلية وإلغاء العبودية رسمياً، مرت نحو مئة سنة قبل التخلص نهائياً ورسمياً من القوانين التي تميز بين الأعراق.

ولم تصدر الولايات المتحدة حتى اليوم اعتذاراً رسمياً أو تقوم بمحاولات لتصحيح هذا الوضع، فكم بالأحرى تقديم التعويضات؟ بدلاً من ذلك، ما زلنا نرى الكثير من أنماط التمييز العرقي المنظمة، فعندما لا تكون نقطة الانفصال عن الماضي واضحة يصعب على الناس التخلي عن طرق تفكيرهم القديمة، ولا شك في ذلك، لأن عدداً كبيراً من الأميركيين ما زال متمسكاً بالمفاهيم الملتوية عن تفوق البيض، وقلما تواجه هذه المفاهيم أي معارضة.

تأملوا ما يلي: مرت 150 سنة منذ انتهاء الحرب الأهلية الأميركية، ولم تبدأ إلا أخيراً المناظرة الوطنية بشأن ما إذا كانت بعض رموز الغرب غير ملائمة، ولقي تسعة أشخاص سود حتفهم في منطقة تشارلستون، بعد أن أعدموا على يد نازي أبيض يحمل علم الكونفدرالية والرموز الأخرى التي تعكس تفوق البيض المزعوم، فيبدو أن أحداً لم يفكر مطلقاً في واقع أن أحد الأسباب التي دفعت الجنوب إلى خوض الحرب ضد الشمال دفاعه عن "حقه" بمواصلة احتجاز العبيد كالحيوانات، وتكبيلهم بالسلاسل، وضربهم وهم ذالون.

كيف يُعقل أن هذا العلم لم يصبح مصدر إحراج للكثير من السياسيين والمواطنين الأميركيين إلا أخيراً؟ ولمَ لم يسأل الناس من قبل ما إذا كان من الجيد تسمية الشوارع والأماكن العامة بأسماء كبار الجنرالات في القتال في سبيل الاحتفاظ بالعبودية؟ لربما كانوا جنوداً شجعاناً، إلا أنهم كانوا يقاتلون في سبيل قضية بشعة؛ لذلك كان من الضروري ألا تُبنى النصب التذكارية تكريماً لهم، إلا إذا كنا نعتقد أن ما يمثلونه ليس مقززاً إلى هذا الحد.

في المول الوطني في واشنطن، لا في مكان ما في ألمانيا، تجد أحد أفضل متاحف المحرقة النازية وأكثرها تأثيراً، إلا أننا لا نجد متاحف مؤثرة مماثلة مخصصة لتاريخ العبودية، والسياسات العرقية في التاريخ الأميركي، أو معاملة سكان أميركا الأصليين.

تُخلَّد ذكرى توماس جيفرسون، واضع إعلان الاستقلال، في المول في نصب يليق برجل عظيم، إلا أننا لا نعرف أن جيفرسون كان أيضاً مالك عبيد عنيفاً، فلا تطلع على هذا الواقع إلا في منزله السابق في مونتيتشيلو، ولا عجب في ذلك، لأن الولايات المتحدة تتغاضى عن هذا الواقع.

ما زال تعاطي الولايات المتحدة حتى اليوم مع ماضيها القاتم سلبياً على نحو واضح، وغامضاً على نحو غريب، وفي حالة من النكران تدفعنا إلى التساؤل: هل يشعر الأميركيون بالذنب أو يقرون بالظلم الذي أنزلوه بالسود أو سكان أميركا الأصليين؟

لكل أمة أجزاء قاتمة من ماضيها، وما من أجزاء أكثر سوداوية مما نراه في تاريخ ألمانيا، لكن عظمة البلد تتجلى من خلال كيفية تعاطيه مع ماضيه وما إذا كان يتفحصه بعين ناقدة، ومن هذا المنطلق لا تكون الولايات المتحدة الأمة العظيمة التي تخال نفسها أنها بنتها.

ماركوس فيلدكيرتشين

back to top