الثوار يستطيعون هزيمة «داعش» في سورية

نشر في 11-12-2015
آخر تحديث 11-12-2015 | 00:01
بريطانيا تتأمل في مدى صواب قرارها بالمشاركة في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة «لتفكيك داعش في سورية وهزمه في النهاية»، ولكن يجب أن تشكل هذه الصيغة أساساً لخطوة مماثلة، ولا شك أن المملكة المتحدة تملك الكثير لتقدمه في هذا الصدد.
 ذي إندبندنت إن كان من درس علينا تعلمه من عقد في محاربة الدولة الإسلامية (داعش) وأشكال هذا التنظيم السابقة، يكون أنه ما من قوة خارجية، مهما بلغت، تستطيع إنزال الهزيمة بتنظيم من دون الاستعانة بالمقاومة المسلحة المحلية، لذلك تكون استراتيجية التنظيم الأولى السعي إلى تحقيق هدف إخضاع السكان المحليين وتركهم بدون أي خيارات بديلة ممكنة، وقد نجح "داعش" إلى حد كبير في تحقيق هذا الهدف في العراق، في حين أخفق العالم في فهم هذا الواقع، وها هو يتقدم في الجزء الأكبر في سورية.

بينما تتأمل بريطانيا في مدى صواب قرارها بالمشاركة في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة "لتفكيك داعش في سورية وهزمه في النهاية"، يجب أن تشكل هذه الصيغة أساساً لخطوة مماثلة، ولا شك أن المملكة المتحدة تملك الكثير لتقدمه في هذا الصدد.

في عام 2006، أخفقت الولايات المتحدة في اقتلاع هذه المجموعة في الأنبار (التي كانت تُعرف آنذاك بالدولة الإسلامية في العراق)، إلى أن توصل قادة اللواء إلى طريقة لتأليب الناس ضدها بالعمل مع الثورة القبلية القائمة في الرمادي: كان للولايات المتحدة وجود عسكري ضخم في البلد، فضلاً عن طبيعة السياسات الطائفية في بغداد لم تكن بارزة إلى هذا الحد.

لكن اليوم، تدفع العواقب غير المرغوب فيها، التي تسفر عنها الحملة الراهنة، السكان المحليين إلى هذا التنظيم، أو على الأقل تجعلهم يتعاطون معه بلامبالاة. ركزت الولايات المتحدة حتى اليوم على العمل مع قوى معينة في مناطق محدودة بغية محاربة "داعش"، وواصلت في الوقت عينه ضرب قواعد هذه المجموعة وطرقها الاقتصادية في عمق البلاد، إلا أن استهداف الجسور والمنشآت النفطية والشاحنات يساهم أيضاً في شل الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش"، مما يجعل الناس أحياناً ينضمون إلى رب العمل الوحيد المتبقي في المنطقة بغية تأمين قوت عائلاتهم، وفي المقابل فرغت أسر أخرى من العناصر الشابة بعد أن أرسلتها إلى الخارج كلاجئين.

في هذه الأثناء، تغلغل "داعش" في المناطق السكنية للهرب من الضربات الجوية، جامعاً المال في الوقت عينه من الضرائب، والابتزاز، والوسائل الأخرى التي مكنته من إحكام قبضته على معظم المناطق الخاضعة راهناً لسيطرته، قبل أن يضع يده على بنية النفط التحتية. بالإضافة إلى ذلك، يتوسع "داعش" بهدوء في مناطق أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية، إلا أنها أكثر ضعفاً، مثل المناطق بين تدمر، ومدينة حمص، وجنوب سورية، وذلك بغية تفادي القصف أو الانتشار العسكري المكثف.

يجب ألا تساهم بريطانيا في تفاقم هذا الوضع بالاكتفاء بنشر بضع طائرات بغية زيادة عدد الطلعات في مناطق "داعش"، وبدلاً من ذلك يجب استغلال معظم الوقت والجهود لتشجيع قوات المعارضة المحلية بهدف محاربة "داعش"، ولا شك أن هذا يتطلب استراتيجية مستقلة عما تتبعه واشنطن، فيلزم أن تركز المملكة المتحدة على العمل في الكواليس من خلال قنوات جديدة وقائمة بغية تقديم النصائح والخدمات غير العسكرية للمجموعات المسلحة، التي تُقاتل في أجزاء مختلفة من البلد، وتدريبها، وتأسيس شبكات تربطها.

على سبيل المثال رعت المملكة المتحدة حتى وقت ليس ببعيد برنامجاً طموحاً وفريداً لتعيين أئمة معتدلين في المناطق التي تسيطر عليها مجموعات ثوار مختلفة، مستبدلةً بذلك الأئمة المتطرفين التابعين لمنظمات جهادية، ومن مهام هؤلاء الأئمة المعتدلين تثقيف العباد بشأن مخاطر التكفير، فقد ذكر أحد قادة الفصائل التي تشرف على البرنامج أن "ثقافة التكفير" تشكل عقبة كبيرة أمام حمل المقاتلين على التصدي لمجموعات مثل "داعش"، وخصوصاً إن كان الفصيل يحظى بالدعم من دول غربية.

ترعى المملكة المتحدة أيضاً برامج مهمة أخرى لا تُناقش علانية، منها برنامج قيمته 10 ملايين جنيه إسترليني هدفه تدريب قوات الشرطة المحلية في شمال سورية، كذلك تشارك بريطانيا في تمكين قوى الثوار بغية تقديم أعمال الإغاثة للمجتمعات الخاضعة لها. ثمة برنامج أيضاً يدعم الناشطين العلويين المناهضين للأسد الذين يعيشون في مناطق تابعة للنظام، لكن بعض هذه البرامج لا يدوم طويلاً، ويتطلب تمويلاً إضافياً ومستمراً.

من الضروري لفت نظر الشعب البريطاني إلى برامج مماثلة، فضلاً عن توسيعها لتشمل مجالات أخرى، مستهدفةً، مثلاً، المقاتلين الذين يُرغمون على الخروج من مناطق "داعش"، ويتمتع هؤلاء المقاتلون بسجل حافل بالإنجازات في محاربة "داعش" ومقاومته حتى النهاية، ولكن بدل التخلي عن القتال، ينتقلون إلى جنوب سورية أو شمالها بغية مواصلة الحرب ضد هذا التنظيم، آملين العودة إلى مناطقهم عندما يصبح الوقت مناسباً. وبعد أن لمسوا لمس اليد كيفية سيطر "داعش" على منطقة، يؤكد قادة هذه الفصائل أن أعمال الإغاثة والبرامج الهادفة تشكل مفتاحاً أساسياً في تعزيز الدعم الشعبية بغية التعويض عن تراجع أعداد المقاتلين بمرور الوقت.

تحظى المملكة المتحدة بموقف جيد بين الثوار، لذلك تستطيع استخدام نفوذها واستغلال هذه البرامج بهدف مساعدة المقاتلين على كسب الدعم المحلي الضروري لهزم "داعش"، ومن المهم أيضاً أن توضح المملكة المتحدة بشكل جلي ألا مستقبل لبشار الأسد في سورية، إن كانت تود أن تنال دعم أولئك الأكثر قدرة على إنزال الهزيمة بهذا التنظيم، داعمةً في الوقت عينه العملية السياسية التي تستند إلى بيان جنيف ومحادثات فيينا.

يعمل الثوار، لا النظام، قرب المناطق الخاضعة لسيطرة "داعش"، وثمة أعداد كافية من القوات الثورية التي تتمتع بسجل حافل بالإنجازات في محاربة هذا التنظيم، ولا شك أن هؤلاء يشكلون مفتاح النجاح في إنزال الهزيمة به.

* حسن الحسن

back to top