زيت النخيل... بين الشائعات والحقيقة!
يبدو زيت النخيل المستخلص من شجر النخيل موجوداً في كل مكان من حولنا: في المنتجات الجاهزة والصابون ومستحضرات التجميل... إنها مادة غير مكلفة بالنسبة إلى شركات التصنيع ولكنها كارثية على البيئة. يدق اختصاصيّو التغذية من جهتهم ناقوس الخطر بسبب احتواء هذا الزيت على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة. لكنّ المشكلة تبدو أكثر تعقيداً.
ما الذي يمنع وضع زيت النخيل في الصابون؟
تتعلق المشكلة في هذا المجال بالناحية البيئية حصراً. تُعتبر زراعة النخيل كارثية بالنسبة إلى البيئة. أصبح بعض المناظر الطبيعية التي كانت مصدر غنى على مستوى التنوع البيولوجي مغطاة اليوم بشجر النخيل الذي يُستخرج منه الزيت. لزراعة تلك الأشجار، تُحرَق مساحات شاسعة من الغابات، لا سيما في أندونيسيا والبرازيل، وتتكثف ظاهرة إزالة الغابات بوتيرة قياسية.تؤدي هذه الظاهرة بدورها إلى اختفاء بعض أجناس الحيوانات مثل القرود الكبيرة والغوريلا والفيلة بعدما كانت تلك الغابات موطناً لها. فقد حُرمت هذه الحيوانات من الغذاء وبدأت تتجه نحو المزارع لإيجاد ما تقتات منه لكن غالباً ما تتعرض للقتل بكل برود.على صعيد آخر، تعزز إزالة الغابات مشكلة الاحتباس الحراري والجفاف أيضاً. تتألف الغابة من طبقات عدة مصنوعة من مستويات نباتية مختلفة: الأعشاب النباتية ومستويات متنوعة من الشجر والشجيرات. تؤدي هذه الطبقات المختلفة دور الحاجز بين الغلاف الجوي داخل الغابة والغلاف الواقع في المستوى الأعلى، ما يؤدي إلى نشوء مناخ أكثر استقراراً ورطوبة تحت الشجر مقارنةً بالمناخ السائد في المناطق المفتوحة مثل الحقول والمراعي ومزارع النخيل... يعزز هذا المناخ المحلي داخل الغابة نشوء حياة نباتية وحيوانية غنية ومتنوعة جداً. يؤدي نشوء تلك البيئة أيضاً إلى إنتاج غازات الدفيئة من خلال امتصاص ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.حين نحرق غابة معينة لزراعة شجر النخيل، تشهد التبادلات بين الأرض والغلاف الجوي تغيرات عميقة: تزداد سرعة تبخر المياه وانعكاس أشعة الشمس على الأرض بنسبة ملحوظة، فيتغير المناخ ويتعزز الجفاف. كذلك، تلوث زراعة شجر النخيل البيئة وتضعف التربة والأصناف المحلية.زيت النخيل والصحةيحذرنا خبراء الصحة اليوم من الإفراط في استهلاك زيت النخيل نظراً إلى احتوائه على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة التي تعزز أمراض القلب والأوعية الدموية. لكنه منطق تفكير مبسّط بعض الشيء. في المقام الأول، يجب أن يعرف الجميع أن الدهون التي تكون مشبعة طبيعياً لا تسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، ما لم يتم استهلاكها بكمية مفرطة. في المقابل، تكون الأحماض الدهنية المتحولة التي تشهد هدرجة صناعية للزيوت النباتية مضرة بالصحة.يُعصَر زيت النخيل بشكله الخام وهو ساخن ويُستخلَص من قشرة فاكهة شجر النخيل، وتكون نوعية الزيت جيدة من الناحية الغذائية. يتسم هذا الزيت بلونه الأحمر ورائحته العطرية وهو يحتوي على 50% من الأحماض الدهنية المشبعة، و40% من الأحماض الدهنية الأحادية عدم الإشباع (لا سيما حمض الأوليك كما في زيت الزيتون)، و10% من الأحماض الدهنية المتعددة عدم الإشباع (لا سيما حمض اللينوليك)، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الفيتامين A والفيتامين E على شكل مواد التوكوفيرول.يُستعمل زيت النخيل غير المكرر في أطباق تقليدية في إفريقيا والبرازيل وحتى أندونيسيا، لكن تكمن المشكلة في واقع أنه لا يتوافر بشكله الخام في الأسواق التجارية، وبالتالي لا يستهلك بهذا الشكل مطلقاً في بلدان كثيرة.منتج مناسب يُعتبر زيت النخيل أكثر مادة تحبذها شركات التصنيع نظراً إلى كلفته المتدنية وثباته وتركيبته. لذا تستعمله الشركات بوفرة في جميع المنتجات المتحولة (البطاطا المقلية، البسكويت، ألواح الشوكولا، حبوب الفطور، الأطباق الجاهزة...).قبل الوصول إلى قطاع الزراعة الغذائية، يخضع زيت النخيل للتكرير ويُجرَّد من لونه ورائحته على حرارة مرتفعة. ثم يتحول إلى سائل من خلال إضافة مياه ساخنة قبل تصفيته. بعد ذلك، يتقلص حجمه عند تسخينه لأنه يحتوي على المياه حتى هذه المرحلة. لكن تتم أبرز مرحلة من معالجة الزيت في شركات التصنيع.في البداية، تتم تجزئته للحصول على كمية سائلة، أي أولين النخيل، وكمية صلبة، أي إستيارين النخيل:• إستيارين النخيل يُستعمل لصناعة السمن النباتي غير المهدرج والشوكولا والمعجنات... يحتوي هذا الزيت الصلب على 70% من حمض النخيل، وهي كمية أكبر بكثير من تلك الموجودة في زيت النخيل الخام.• أولين النخيل يكون مهدرجاً لجعله صلباً على حرارة الغرفة. نتيجةً لذلك، هو يشبه السمن النباتي الأبيض ويحتوي على أحماض دهنية ومتحولة مشبوهة وهو يُستعمل في منتجات كثيرة يصدرها قطاع الزراعة الغذائية. يكون زيت النخيل بهذه النسخة مضراً بالصحة وهو يرفع خطر الإصابة بمشاكل القلب والأوعية الدموية والأمراض المزمنة والحالات السرطانية! تكمن المشكلة في واقع أنه الشكل الأكثر شيوعاً بين المستهلكين، لا سيما الأشخاص الذين يجهلون حقيقة المنتجات المتحولة ويمكن أن يستهلكوا، من دون علمهم، حتى 300 غرام من زيت النخيل في الشهر، وهي كمية هائلة!كيف يمكن تجنب زيت النخيل؟بناءً على المعلومات السابقة، من الأفضل التوقف عن استعمال زيت النخيل في أطباق الطعام. لكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟في المقام الأول، يجب التحقق من أغلفة المنتجات بحثاً عن عبارات مثل “زيت النخيل” أو “إستيارين النخيل” أو حتى “زيوت نباتية” غير محددة. يمكن أن تشير تلك الزيوت النباتية إلى زيت النخيل.يجب استهلاك المنتجات غير المتحولة قدر الإمكان وتفضيل الأطباق المنزلية الصغيرة والزبدة أو زيت الزيتون على السمن النباتي.عند شراء منتجات متحولة، يجب التنبه إلى عبارة “خالي من زيت النخيل” التي أصبحت رائجة جداً بسبب الجدل الذي سبّبه هذا الزيت. يعمد بعض شركات التصنيع إلى استبدال زيت الكولزا بزيت النخيل. لا يمكن تسخين زيت الكولزا بأي شكل لأن طبخه يؤدي إلى تشكّل أحماض دهنية متحولة وضارة، لكن يبدو أن المصنعين لا يدركون ذلك... لذا لا يمكن أن تحتوي زيوت القلي والمعجنات والبسكويت على زيت الكولزا!في ما يخص مستحضرات التجميل، من الأفضل اختيار صابون حقيقي يخلو من زيت النخيل بدل جلّ الاستحمام السائل الذي يحتوي عليه في معظم الأحيان.الوضع مشابه في ما يخص منتجات التنظيف، فهي تحتوي بدورها على زيت النخيل. لذا من الأفضل اختيار المنتجات المفيدة التي كانت تستعملها النساء قديماً مثل الخل الأبيض وبيكربونات الصوديوم والصابون الأسود...ماذا عن المنتجات العضوية؟ صحيح أن زيت النخيل العضوي يكون أفضل من النسخ الأخرى، بسبب طريقة زرعه التي تحترم البيئة، لكن لا يوصى به عموماً. يكون زيت النخيل الذي يُستعمل في المنتجات العضوية متحولاً جداً أيضاً.باختصار، لا يمكن اعتبار جميع المنتجات سيئة أو جيدة، بل يجب الاطلاع على تفاصيلها والقيام بخيارات مسؤولة بما يضمن حماية الصحة والبيئة في آن!