الصراصير تتواصل عبر بكتيريا الأمعاء
على غرارنا، تحبّ الصراصير الحياة الجماعية، خصوصاً حين لا يكون أمامها أي عمل آخر. وصار العلماء اليوم يعرفون السبب. تصدر بكتيريا الأمعاء التي تخرج في براز الصراصير روائح تعتبرها الأخيرة جذابة. وعندما يفتقر صرصور إليها يعيش وحيداً عموماً، حسبما اكتشف الباحثون. وربما تؤثر ميكروبات الأمعاء في سلوك كائنات أخرى أيضاً بطرق لم نكتشفها بعد.
تقول أنجيلا دوغلاس، وهي باحثة تدرس الميكروبات والحيوانات التي تحملها في جامعة كورنيل: «لا نعرف ما إذا كانت الميكروبات عموماً مهمة في عمليات التواصل الكيماوية، إلا أنني أعتقد أن هذه الطريقة في التواصل منتشرة». وقد يؤدي التنصت على حوارات الصراصير الميكروبية إلى طرق أفضل للتخلّص من هذه الآفة المنزلية الشائعة.تتواصل الحشرات عادةً باستخدام روائح تُدعى فرمونات، وخضعت أنواع الأخيرة التي تجذب الذكر إلى الأنثى لدراسات مكثفة. ولكن منذ سبعينيات القرن الماضي، اكتشف علماء الحشرات أيضاً أن ما يُدعى فرمونات التجمّع يشجّع الصراصير على البقاء معاً. لكنّ الباحثين لم يتفقوا مطلقاً حول ماهية هذه الفرمونات. يشير بعضهم إلى أنها مواد تشبه الشمع على الطبقة الخارجية من الجلد، في حين يؤكد آخرون أنها مركبات غنية بالنتروجين في البراز. وتصرّ مجموعة ثالثة على أن للأحماض الدهنية (أسس الدهون) دوراً فيها، مع أن تحديد أي من هذه الأحماض تحوَّل بدوره إلى موضوع جدل.تساءل كوبي سكال، عالم حشرات في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية في رالي، عمَّا إذا كانت النتائج المتضاربة تشير إلى أن الصراصير المختلفة تستعمل مواد تجمع كيماوية مختلفة بسبب تنوع بيئتها، طعامها، والميكروبات في أمعائها. لذلك عمل سكال وفريقه، خصوصاً عالم الحشرات من جامعة ولاية كارولاينا الشمالية أياكو وادا-كاتسوماتا، إلى تعقيم صراصير ألمانية، Blattellagermanica، وتربيتها في أقفاص خالية من الجراثيم كي يصبح برازها خالياً منها أيضاً. تنجذب الصراصير عادة إلى براز جيرانها، إلا أنها تفادت البراز الخالي من الجراثيم.فضلت 80% إلى 100% من الصراصير الفتية المختبرة البراز على الماء المعقم. صحيح أن الاختلاف في الانجذاب لم يكن واضحاً إلى هذا الحد بين البراز الخالي من الجراثيم والبراز العادي، إلا أن عدداً أكبر بكثير من الصراصير انجذب إلى البراز العادي، حسبما أفاد الباحثون في عدد مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences على شبكة الإنترنت، فمن دون الميكروبات في البراز، ما عادت الصراصير تتحد معاً كثيراً. يقول سكال: «تراجعت خصائص التجمّع على نحو واضح».عندما عزل وادا-كاتسوماتا البكتيريا في البراز وأطعمها للصراصير الخالية من الجراثيم، استعادت ميلها إلى التجمع. وأظهر تحليل كيماوي متطور لبراز الصراصير العادي والبراز الخالي من الجراثيم أن الفئة الثانية تفتقر إلى الأحماض الدهنية المعتادة التي تتبخر من البراز عندما يتعرّض للهواء، فاستخلص الباحثون أن هذه الأحماض الدهنية المتطايرة قد تشكّل فرمونات التجمع المفقودة، وخصوصاً أن النسخ الاصطناعية من هذه المركبات دفعت الصراصير أيضاً إلى التجمع. تقول دوغلاس (لم تشارك في البحث): «توضح الدراسة الأسباب التي جعلت الدراسات السابقة تؤدي إلى نتائج مختلفة. يعود الاختلاف كله إلى الكائنات المجهرية». وقد يكون هذا السبب الذي حال دون اتفاق أنصار الأحماض الدهنية على أي من الأحماض هو المهم. ويضيف سكال أن مواد تجمع مرشحة أخرى، تستطيع على ما يبدو، عندما تكون عالية التركيز، دفع هذه الحشرات إلى التجمع. لكن المركبات التي تنتجها البكتيريا تُعتبر أكثر فاعلية والحافز الأكبر على الأرجح، وفق كوبي.أظهر باحثون آخرون أن ميكروباً محدداً يحمله جراد الصحراء يساهم في سلوك التجمع في هذا النوع. وفي عام 2012، أشار باحثون إلى أن بكتيريا تعيش في غدد الرائحة في الضباع تنتج روائح تساعد هذه الحيوانات على تمييز أقاربها وتحديد أفراد مجموعتها. يوضح سكال: «ثمة احتمال أن تكون هذه الطريقة واسعة الانتشار».توافقه ماي بيرينبوم، عالمة حشرات من جامعة إيلينوي في أوربانا-شامباين لم تشارك في الدراسة، الرأي قائلة: «صار واضحاً أن الحشرات تحمل مجموعة واسعة من الميكروبات، فهي مصابة بكثير منها على ما يبدو». وفي حالة الصراصير، «تكتب هذه معاً قصة تعاون بيولوجي جميلة».رائحتناماذا عن الناس؟ يؤثر الطعام الذي نتناوله في البكتيريا في أمعائنا، ما ينعكس بدوره على رائحتنا. صحيح أن رائحة الجسم الكريهة التي قد تنجم تحد من الاحتكاك، ولكن «لا يتوافر دليل على أن البكتيريا تؤدي دوراً إيجابياً في التواصل بين البشر»، وفق سكال.يدرس هذا الباحث راهناً ما إذا كان كل نوع من الصراصير (تلك التي تعيش في المطبخ مقابل تلك التي تسكن القبو) ينتج فرمون تجمع خاصاً به. ويأمل سكال وزملاؤه تطوير فرمون تجمع اصطناعي ينجح في حالة الصراصير الألمانية كلها. سيساهم هذا المركب في جذب الصراصير إلى مبيدات الحشرات، الأشراك، والفخوخ. تختم دوغلاس: «إن نجحنا في فهم كيمياء تجمّع الصراصير ومرونتها بشكل أفضل، نتمكّن من تطوير إستراتيجيات أكثر فاعلية للتحكم فيها».