خلف جدران الحياة: مجرمون بثياب أولياء

نشر في 09-07-2016
آخر تحديث 09-07-2016 | 00:07
 محمد جمعة الياسين على مر التاريخ الحديث سمعنا عن جرائم لها الكثير من الدوافع والأسباب والنتائج، ومعظم الجرائم لم تكن إلا بدوافع معروفة مثل السرقة أو الثأر أو الشرف أو الانتقام، هذه الجرائم الكلاسيكية التي يعرفها الجميع لا أحد ينكر وجودها في أي مجتمع، فمادام هناك إنسان تكون هناك جريمة، ولا ريب في ذلك ولا خلاف، فهناك من يقتل لأن أحداً من أهله أو أسرته أو قبيلته تعرض للأذى من شخص آخر فكان الثأر لهذا الدافع موجوداً.

أما في أيامنا هذه فانقلبت الآية رأساً على عقب، فبتنا نسمع عن جرائم في عاصمة يوصف أهلها بالهدوء والمسالمة والطيبة والعطف، إنها الرياض، حيث أقدم ابنان على قتل أمهما قتلا وحشيا بلا رحمة، وحاولا قتل أبيهما المسن ذي السبعين خريفا وأخيهما، قالت عنهم الصحافة إنهما، أي الولدين، ينتهجان الفكر الداعشي، وتلا ذلك أب ينحر ابنه في السعودية، والكويت لم تخلُ من جريمة هي الأخرى، فأخ يقتل أخاه نحرا وبالطريقة البشعة نفسها، ثم يتلو ذلك كله تفجير وحشي في مطار في تركيا يحصد أرواح الأبرياء، وفي بنغلادش يحصد هذا الإرهاب الأسود وباسم أسمى دين أرواح المدنيين والسائحين الذين لا حول لهم ولا قوة، ما ذنب هؤلاء الأبرياء أن يفقدوا حياتهم؟

لا تغمض عينيك سيدي القارئ حتى لا تغمض عقلك وقلبك أيضا، بل انتبه لما حذرنا الله منه بأن عندنا خللا في منهاج حياتنا، عندنا فهم خاطئ لديننا، لقد اختلطت المفاهيم لدينا، وما أنزل الله علينا هذا الدين لنشقى بل لنسعد، وما جعل علينا في الدين من حرج، فظاهرة الدواعش التي ظهرت جديدا بثياب "السفاح الشرعي" لن يقبلها عقل مسلم، حتى لو سلك في سبيل رفضها درب هلاكه، فالشعب الكويتي والخليجي والعالم بأجمعه يرفضون التطرف والعنف، إنهم بشر طيبون ولا يقبلون تلك الجرائم القاسية، بل ترتعد فرائصهم لمجرد القراءة عنها، ولكن لا بد أن نوضح أننا يجب أن نتغير حتى يختفي الدواعش، بل تختفي الجرائم وتذوب الفواحش، ويسود الحب والسلام قلوبنا من جديد.

موجة التدين الكاذب والتطرف العنيف والشحن الروحي الديني المكثف يجب أن تنتهي من بلادنا، ويجب أن نكون كما كنا متدينين بالرحمة لا بالعذاب أو العنف أو التخويف والعقاب، ولا بد أن تعود قيم الدين السمح صوت النغم العربي المهذب، ونخوة العرب وشهامة المسلمين، شيعي يزوج ابنته لسني غير آبه بالمذهب لكنه يأبه للخلق، ابحث فينا عن ابن سينا لا عن سيف الحجاج، ابحث جدياً عن صوت الشيخ مشاري العفاسي يتلو القرآن وكأنه مزمار من مزامير داود فنبكي ثم بعد ذلك نسمع أنغام الحب من أم كلثوم وفيروز، لماذا طغت العمائم على الحمائم وغطت الصقور على الزهور؟ أعجب من ذلك!

حفظ الله بلادنا من كل سوء، ظنكم لكم وحسن نيتي لي ورب البيت كريم.

back to top