من بيانات ثورة 1925 السورية

نشر في 08-07-2016
آخر تحديث 08-07-2016 | 00:13
 خليل علي حيدر وثّق د. محيي الدين السفرجلاني أحداث سورية الجسام عام 1925 وما بعدها، في كتابه المنشور عام 1961 في دمشق بعنوان "تاريخ الثورة السورية"، وسنحاول فيما يلي اقتباس بعض البيانات الواردة في الكتاب، 644 صفحة، لإعطاء القراء فكرة عن بعض أهدافها وحوادثها:

انطلاق الثورة

إلى السلاح إلى السلاح:

"يا أحفاد العرب الأمجاد هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم، هذا يوم انتباه الأمم والشعوب، فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.

أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.

أيها العرب السوريون:

تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لن تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.

أهداف الثورة

نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة، يا ويح الظلم! لقد وصلنا من الظلم إلى أن نهان في عقر دارنا، فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من المزايا الإنسانية بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا، بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج.

إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة، إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة، ومطالبنا هي:

1- وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.

2- قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.

3- سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش محلّي لصيانة الأمن.

4- تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.

إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا المشروعة هذه بدمائنا الطاهرة، كما كتبها أجدادنا من قبلنا.

إلى السلاح والله معنا، والإنسانية معنا، ولتحيا سورية حرة مستقلة.

سلطان باشا الأطرش

قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام

23 / أغسطس / 1925

وجاء في بيان ثان لسلطان الأطرش:

الاستقلال يؤخذ ولا يعطى... الحرية والمساواة والإخاء

يا بني الوطن:

الاستقلال يؤخذ ولا يعطى... الحرية والمساواة والإخاء

يا بني الوطن:

لا تنافس في الأهواء ولا خصومات، ولا أحقاد طائفية بعد اليوم، إنما نحن أمة عربية سورية، أمة مستضعفة قوية في الحق، قد انتبهت إلى المطالبة بحقها المهتضم، أمة عظيمة التاريخ، نبيلة المقاصد، قد نهضت تريد الحياة، والحياة حق طبيعي وشرعي لكل الأمم. قد قسمها الاستعمار الأجنبي فوحدتها مبادئ حقوق الإنسان وإعلان الحرية والمساواة والإخاء، نعم ليس هناك درزي وسني وعلوي وشيعي ومسيحي، ليس هناك إلا أبناء أمة واحدة ولغة واحدة وتقاليد واحدة ومصالح واحدة، ليس هناك إلا عرب سوريون.

المشكلة الطائفية

يا بني الوطن:

ليس لكم بعد الآن على اختلاف المذاهب والفئات إلا عدو واحد هو الحكم العسكري الجائر والاستعمار الأجنبي، فانفروا إلى إنقاذ البلاد من أوضاعها السيئة وارفعوا علم الاتحاد والتضامن والتضحية. إن حركتنا اليوم هي حركة مقدسة غرضها المطالبة بالحرية والاستقلال وضمان حقوق البلاد على مبدأ سيادة الأمة، فليتحد الدرزي والسني والعلوي والشيعي والمسيحي اتحاداً وثيقاً وليؤلف بين قلوبنا الإخاء القومي ومحبة الوطن، ولتكن إرادتنا إرادة حديدية واحدة.

إن قائد جيوش الثورة الوطنية السورية المقدسة يطلب إلى كل العرب السوريين:

1- إعلان الإخاء الوطني بين كافة الطوائف.

2- قيام الأحياء- الحارات- في كل مدينة بصيانة الأمن الداخلي كل بحسب جهته، عند دخول جيوش الثورة الوطنية وانهزام المستعمرين.

3- تأليف دوريات ومخافر وطنية يمشي على رأسها الزعماء المخلصون المحترمون من الأمة، لتأسيس الاتصال الداخلي لحفظ الأمن وصيانة الأموال ومنع التعدي.

4- إرسال قوة محلية من المتطوعين إلى خارج المدينة أو القرية لاستقبال كتائب الثوار الوطنيين بالأهازيج الحماسية عند وصولهم، باعتبار جميع الأمة جيشاً واحداً لهذه الثورة المقدسة.

هذه هي التعليمات التي يجب أن يتبعها الشعب العربي السوري في المدن والقرى تأييداً للأخوة القومية والثورة الوطنية، ولتحيا سورية حرة مستقلة.

سلطان الأطرش

قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام

1- أرسلت اللجنة العليا في جبل الدروز برقية إلى المسؤول الفرنسي "المسيو برون" تطلب فيها تحديد وقت لمقابلته فكان يوم 16 يونيو 1925، وقد رفع وجهاء الدروز إلى الجانب الفرنسي بياناً جاء فيه:

"إن جبل الدروز جزء لا يتجزأ من سورية العربية يجمعه بها جامعة اللغة والجنس، وتربطه بها روابط اقتصادية مستحكمة الحلقات، فدمشق تأخذ ذخائرها من الجبل، وهو يستودر منها جميع حاجياته، فالجبل مدخر واسع، ودمشق معين لا ينضب، وهما مرتبطان من عصور طويلة بروابط لا تفصم عراها، والجبل لا يحيا بدون الصحراء، والصحراء لا تعيش بدون الجبل، ولذلك فإن جبل الدروز يريد المحافظة على شكل حكومته واستقلاله الإداري في جميع أوضاعه الحاضرة.

سيادة القانون... والحريات

إننا نريد أن يسود القانون في البلاد، فتحترم الحرية الشخصية، فلا يسجن أحد ولا يعاقب أحد ولا ينفى أحدا إلا بقرار تصدره المحاكم العدلية، وفقا للقوانين المتبعة في بلاد العالم عامة، والمشمولة بالانتداب خاصة على الأقل، ونريد حرية الكلام وحرية الشكوى، وإذا ما شكا أحدنا أمره إلى المرجع الفرنسي فلا يعاقب على شكواه على الأقل، كما سبق وحصل مرات عديدة في بلادنا، وذلك من قبل الحاكم كاربيه، فقد كان لا يجرؤ أحد على الشكوى، نريد أن تلتفت المراجع الفرنسية العليا إلى شكوانا وتسمع نداءنا، وتصغي إلى مطاليبنا، فلا يحل بنا العقاب الشديد كما حل بنا من الكابتين كاربيه لشكوانا ولأننا عرضنا حقيقة أمرنا على مندوب المفوض السامي في دمشق، فرفض مطاليبنا، نريد أن ينصفنا الجنرال فيستبدل كاربيه برينو وكلاهما فرنسيان".

فبعد أن وقف النائب الفرنسي على ما جاء فيها قال لهم إن أمر التعيين وغيره مما يشابهه من اختصاص المفوض السامي لا من صلاحيته، على أنه لا يدخر وسعا بمساعدتهم لدى المندوب السامي، فطيّر الوفد برقية حينئذ إلى نفس المفوض نصها: "الوفد الدرزي الممثل بشخص الزعماء والشعب وجهته بيروت يلتمس مقابلة فخامتكم".

حنق المفوض السامي من هذه البرقية وعندما وصلوا بيروت أجابهم برفض المقابلة، وعندما ألحّوا على طلبها هددهم بالنفي إن لم يعودوا.

معركة ميشو

2- يصف المؤلف جانباً من "معركة ميشو" في أغسطس 1925 فيقول: "وما إن أصبح الصباح حتى نفر رجال الجبل الأشم بهمة قعساء لا تعرف الملل والكلل، فتجمهروا وحملوا حملة صادقة على من كان هناك من الفرنسيين فأعملوا فيهم القتل والفتك بحماس زائد وحرارة كبرى، واستعر نار القتال وحم الحمام، فكانت تقذف المدافع من أفواهها الحمم، وكانت البنادق توالي إطلاق النار كمن أفواه القرب والطائرات تصب جامات القذائف تترى، وكانت الأرض والسماء بركانا وأتونا، ما يكاد يهدأ يسيراً حتى يشتعل كثيراً، وكانت المصفحات كأنها قطع من ظلام تكر وتفر وتقدم وتحجم، وكان الذي يرمق هذه الواقعة عن كثب يرى أن الأرض قد استحالت إلى جحيم لاهب ونيران تأكل الأخضر واليابس، كل هذا لم يكن أمام الدروز العرب الأشاوس إلا كجنة عدن أو روضة من رياض الفراديس، أتى هؤلاء الجبابرة على كل هذه المعدات الحربية وعلى من كان يوقد أجيجها وأعملوا فيهم ما عرف عنهم من حرب ضروس، ذللت منهم الهام والرؤوس، وانبلج فجر هذه المعركة عن نصر لم يسطر من قبل ذلك اليوم تاريخ بمثله أبداً" (ص 140).

المرأة السورية والثورة

3- وعن المرأة السورية ودورها يقول د. السفرجلاني:

لم تقتصر الوطنية ولم يقتصر حب الحرية على رجال حماة وشجعانها الأبرار فحسب، بل كان لسيداتها الحرائر الفعل الكبير في هذا الشأن، لذلك عندما مر خلف الجنرال ساراي وهو المسيو دي جوفنيل المندوب السامي الجديد في حماة بطريقه إلى حلب تقدمت فضليات مدينة أبي الفداء باحتجاج قيم رفعنه إليه يتضمن ما يلي:

"غضبت المقادير يا سيادة المندوب على هذه البلاد بسبب سوء معاملة حكامها وأولي الأمر فيها حتى أصبحت هي وسكانها طعاماً لألسن النيران وفريسة للفوضى والاستعباد، ولم تأت بذنب يستحق هذا العقاب الذي لم يسطر له التاريخ مثالا في القرون الأولى.

إنا لنذكر لسعادتك طرفا مما قاسته حماة تلك البلدة الصغيرة الهادئة التي صمتت طويلا عن ظلمها والاستبداد بأهلها، إذ لم يكن في إبان تلك الحوادث الدامية سامع أو راحم.

1- أباحت السلطة لجنودها القتل والنهب، فكانوا إذا تخيل لهم أحد في نافدة بيته أو في الطريق أردوه قتيلا ذكرا كان أو أنثى، وكم من شيوخ وأطفال ونساء قتلوا بلا ذنب ولا جريمة.

2- توالي إلقاء القبض على الناس، من أي طبقة كانوا، فكل من يجدونه خارجا من بيته يسوقونه إلى السجن ويوسعونه ضربا ويشغلونه بالأشغال الشاقة، فلما رأى السكان ذلك أخذوا يفرون لا خوفا على أنفسهم من السجن، بل من المعاملة القاسية التي كان يعامل بها المعتقلون، تلك المعاملة التي قلما شهد مثلها التاريخ.

نهب المنازل

3- وإذا دخلوا منزلا للتفتيش عن رجل أو للتنقيب عن أوراق نهبوا ما وجدوه من متاع ودراهم وألحقوا بنسائه كل أنواع الأذى والامتهان حتى أصبحوا ويا للعار يسوقون السيدات المصونات بدلا من أزواجهن الفارين.

وكل ما ذكرناه يا حضرة المندوب السامي من تشويه وجه الفضيلة وتسويد صحائف التاريخ، وعدم مراعاة القانون والنظام، لا يساوي شيئا بجانب الأطفال الذين كاد أن يُقضى عليهم رعبا وذعرا من إلقاء القنابل وإطلاق المدافع التي كانت تصب نارها على البلدة من دون سابق إنذار، والتي كانت تنهال على السكان انهيالا مريعا لأنهم لم يكملوا تسليم عدد البنادق التي فرضت عليهم في مدة ساعتين فقط، فكم من منازل عامرة خربت، ونفوس بريئة قتلت، فمن المسؤول عن هذه الفظائع يا ترى... إلخ؟".

ركوع الأسقف والجدران وسجودها

4- وعن قصف دمشق يقول:

حلقت في سماء دمشق صباح الاثنين بتاريخ 19 تشرين الأول (أكتوبر) طائرتان فرنسيتان أخذتا بإطلاق النار من رشاشاتهما على الدور والمآوي الآهلة بالسكان الآمنين، كما تتابع قذف قنابل المدافع من قلعة المزة بعيارات كل قنبلة 15، كما كان شأن مدافع قلعة دمشق التي ما كانت تقل عن تلك إطلاقا لقنابلها التي كانت من عيار 7.5، والكل يستهدف أحياء دمشق وبيوتها من غير تقدير لما ينجم عن ذلك الإطلاق من الأضرار في النفوس والأرواح والأموال المنقولة وغير المنقولة، ومن غير أن يقدر مطلقوها مبلغ ما تحدثه من الأضرار في الآثار الفنية التاريخية، وما كان المطل على دمشق ودورها يرى إلا أسقفا تركع وتسجد وجدرانا تخر فتنحدر هاوية على ما تحتها من نساء وأطفال، وكثيرا ما كان يهرع أصحاب كثير من البيوت إلى أبنية وسراديب تقيهم قذف القنابل وتنجيهم من إطلاق الرصاص والنار، فكانوا يطلون من نوافذ تلك الأقباء على منازلهم الآخذة بالتدمير والحرق والخراب.

لم تقف السلطة عند هذا الحد من الفواجع، بل أخذت تطلق ظهر ذلك اليوم من أفواه المدافع قنابل النفط اللاهبة هدفها دور السكان من غير الثائرين، فما إن تمس القنبلة ما تصادفه حتى تشتعل وتصبح من لمسة شعلة واحدة ولهيبا متحدا كالجحيم. دام هذا القذف بهذا الشكل يومين التهمت النار فيها أكثر من ألف قصر من أفخم قصور المدينة، وأبلغ آثارها النفيسة، وأغلى دورها بناء وأثاثا، فما كانت تصل قيمة الوسط من هذه الدور عن الألفي جنيه.

back to top