سورية وثورة 1925

نشر في 07-07-2016
آخر تحديث 07-07-2016 | 00:15
 خليل علي حيدر تبعد قرية المزرعة 17 كم غرب السويداء، وقد بدأت "معركة المزرعة"، ضمن اشتباكات "ثورة 1925 السورية الكبرى"، حين هاجم فرسان الدروز ومشايخهم الحملة الفرنسية التي أرسلها "ساراي"، المفوض السامي، لقمع الثورة في مهدها، واستعادة نفوذ فرنسا في السويداء، وكان على رأس الحملة قائد جيوش الشرق الجنرال ميشو ومعه ستة آلاف مقاتل ومدفعية ثقيلة وفرقة مصفحات ودبابات، غير أن الفرقة اضطرت جميعها إلى الانسحاب بعد معركة دامت ثلاثة أيام، وبعد خسارة 1500 قتيل وخسارة خمس دبابات، كما جُرح في هذه المعركة الجنرال "ميشو" نفسه، ولم ينج من القتل إلا بفراره داخل مصفحة والدم يتقطر منه". (د. شاكر مصطفى، العالم الحديث، ص 536).

سرت الثورة إلى غوطة دمشق، يضيف د. مصطفى، "وما بين ليلة وضحاها انقلبت هذه الجنة الفيحاء التي اعتاد المرء أن يجد فيها الهدوء والظل والماء والفاكهة المختلفة الألوان إلى جحيم مستعر، وشهدت معارك طاحنة استمرت سنتين كاملتين".

مالت موازين القتال لمصلحة السوريين، وخشي الفرنسيون على سمعتهم، وقاموا باستدعاء الجنرال" غاملان" وأمدوه بعدة فرق سنغالية ومغربية، وفرق من الآليات المصفحة والطائرات... ووصل "غاملان" إلى دمشق في سبتمبر 1925 فاستعرض الحاميات العسكرية، وأعلن أنه سينهي الثورة في أيام معدودة، بعد أن أنشأ "الملازم كوليه" فرقة من متطوعي الشراكسة، وجهزت السلطة فرقة من الجواسيس بثتها في كل قرية لتتبع الأخبار وحاصرت مداخل دمشق لتمنع تهريب السلاح والمؤن إلى الثائرين، وقد انتصر الثوار خلال هذه الفترة في معركة المسيفرة بحوران، غير أن القصف الجوي أجبرهم على التراجع وتركها للقوات الفرنسية.

وباشر الفرنسيون في إعداد "حملة السويداء"، التي تجمعت قواها في المسيفرة بعد استرجاعها وكانت القوات الفرنسية فيها تتألف من لواء أجنبي وثلاثة ألوية من الرماة الإفريقيين، ولواء من الرماة السنغاليين وفيلق كامل من الرماة التونسيين، وكل هؤلاء ممن كانوا من المشاة انضمت إليهم سبعة ألوية وكتيبة من الخيالة المراكشيين والتونسيين والشراكسة، وست كوكبات من المدفعية وثلاث كوكبات سيارات مصفحة وشعبة فنية وكتيبة دبابات مصفحة، "وتوجه هذا الجيش بضخامته الرهيبة ونظامه الرائع نحو السويداء، واصطدم بالدروز عدة اصطدامات متفرقة وحاصر قلعة السويداء وأنقذ حاميتها لكنه لم يستطع دخول المدينة، وحاصر الدروز قلعة راشيا في لبنان ودخلوا بعض أطرافها فأسرعت القاذفات إلى إلقاء قنابلها عليهم واستردت المدينة والقلعة منهم". (ص537).

احتشد أهل دمشق ومحاربوها في الغوطة، وعلى رأسهم عدد من كبار الوطنيين البارزين كالشهبندر وجميل مردم والقوتلي وبعض آل البكري ممن أمدوا الثائرين بالعون المادي والتوجيه، وساهم حي الميدان وحي الشاغور بنصيب كبير في الثورة.

وقد جاء في "الكتاب الذهبي" الذي أصدرته فرنسا عن أعمال جيوشها في المشرق: "كانت الغوطة مسرحا لعصابات عديدة كاملة العتاد، وافية النظام، ما برحت تقاتلنا منذ تشرين الأول (نوفمبر) 1925، وكانت قواتها الخطيرة معتصمة في تلك البقاع الوعثاء فتحول دون عزم القيادة المحلية على مباشرة أعمال واسعة النطاق لاستئصال شأفة الشقاوة، فاضطرت القيادة المذكورة أن تعتمد الحل الآتي:

1- عزل المدينة بشبكة من الأسلاك الشائكة المعززة بالتحصينات.

2- إنشاء خط من المخافر عند تخوم البساتين الشرقية.

بيد أن تلك الخطة لم تأت بالنتائج المنتظرة لأن جماعات العدو لم تكن بحيث يمكن حصرها في تلك البقاع الكثيرة التقاطيع، فهي تنفك أبدا من ضغط الجيش ولا تلبث أن تأتيه من المجنبتين والمؤخرات". ص (538).

أُجبرت القوات الفرنسية مرتين على التراجع في معارك الغوطة، واضطرت إلى تجديد الحملة على "حي الميدان" ومن فوق الأسطح، كما أُزيلت الأشجار وهُدمت الجدران القائمة بين البساتين.

وفي "حماة" قاد الضابط في الجيش الفرنسي فوزي القاوقجي فرقته متمرداً على رؤسائه الإفرنسيين، في ما يسميه د.شاكر مصطفى "ثورة حماة" وكان القاوقجي "قد اتفق مع زعماء الثورة الآخرين، وحاصر قلعة حماة وكاد يفتحها لولا خيانة بعض الجند، فالتحق بالثورة، وكان ضابطاً خبيراً بشؤون القتال وعارفاً بأساليب الخطط الإفرنسية، فما لبث أن ارتفع اسمه إلى الأوج كقائد عصابات عظيم بارع". (ص538).

وقد دارت حول شخصية القاوقجي (1890-1977) إشادات وشكوك كثيرة بين تمجيد واتهام، وكان ضابطاً في جيش الإنقاذ خلال حرب 1948 بفلسطين، وقد ولد في مدينة طرابلس بالدولة العثمانية ودرس في إسطنبول وتخرج ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني عام 1912، وعمل في خدمة الملك فيصل في دمشق، وعمل مسؤولا عن حراسة قصر الملك، بدمشق، وفي عهد الانتداب الفرنسي أصبح آمرا لسرية الخيالة في حماة.

اشترك في الثورات السورية وأسندت إليه قيادة الثورة في منطقة الغوطة، وكان قد شارك في معارك العراق وفلسطين ضد الإنكليز خلال الحرب العالمية الأولى لكن النقطة البارزة في حياته كانت توليه قيادة جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1947، وكان قد شارك في ثورة 1936 بفلسطين، وساهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني بالعراق عام 1941. وقام القاوقجي بمساعدة الملك عبدالعزيز آل سعود، كما تقول "موسوعة الويكيبيديا"، في تشكل الجيش السعودي عام 1929 للقضاء على تمرد الإخوان الوهابيين، ثم انضم إلى الملك فيصل في العراق في عام 1932 قبل أن يشكل قوات من المتطوعين، توجه بها إلى فلسطين عام 1936، وقد باشر القاوقجي أثناء توليه قيادة جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1947 بتجنيد الكثير من المتطوعين الفلسطينيين لمحاربة الإسرائيليين، ومن هؤلاء ضباط مشاهير من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية لاحقا.

ويبدو أن اسم عائلته مشتق من "قاوق" kavuk، ويقول "معجم الدولة العثمانية"، د حسين مجيب المصري، ... إن الكلمة تطلق على ما كان يلبسه العثمانيون على رؤوسهم، وهو قلنصوة مخروطية الشكل وذلك قبل لبسهم الـ"فس" أو ما يعرف في مصر بالطربوش". كما تعني الكلمة في التركية الحالية العمامة Turban، وربما كانت لمهنة العائلة علاقة بإعداد أو بيع الطرابيش والعمائم.

وثمة جدل يدور حول شخصية المجاهد فوزي القاوقجي، فالبعض يعتبره من أبطال التاريخ العربي الحديث، من رموز المقاومة، ويرى الآخرون، كما تنقل موسوعة "الويكيبيديا" العكس! وتقول: "ففيما ينظر البعض إليه كقائد ومناضل فإن هناك من يرميه بالعمالة الإنكليزية، وبأنه كان دسيسة لهم، وعميلاً مزدوجاً حيث كان يتعاون في الظاهر مع الألمان وفي الباطن يتعاون مع الإنكليز، ويرميه هؤلاء بأنه كان يحاول التفريق بين القادة العرب، ومن هؤلاء الدكتور معروف الدواليبي الذي كان يجزم بذلك، ويذكر في هذا السياق محاولة القاوقجي إثارة الفرقة بين رشيد عالي الكيلاني والحاج أمين الحسيني، كما يعزز كلامه بسياق عدد من الوقائع التي تثير- إن صدقت- ظلالا من الشك في حقيقة كونه مناضلاً صادقا".

ونتابع الآن مسار الثورة السورية من خلال ما يرويه د. شاكر مصطفى وأنور الرفاعي عن قصف دمشق، التي كانت آخر مراحل الثورة:

"ضرب دمشق: كثيراً ما دخل الثوار دمشق وهاجموا مخافر الجيش المرابطة في أحياء المدينة وطرقاتها وكبدوها خسائر فادحة، ووصلوا قصر آل العظم بالبزورية- سوق البزورية- وحاصروه وكادوا يلقون القبض على الجنرال ساراي الذي كان معتصما فيه، لولا فراره داخل مصفحة ومتابعة سيره إلى بيروت، وقد أراد أن ينتقم لهذه الجرأة، فأصدر أوامره بضرب مدينة دمشق بقنابل المدافع والطائرات، واستمر تدمير المدينة يوماً وليلة، وأثار هذا العمل العالم ضد فرنسا، فاضطرت لاستدعاء الجنرال ساراي وتعيين دي جوفنيل De Jauvenel مكانه، وكان أول مفوض سام مدني إفرنسي لسورية، ولم تكن خطة هذا بأعدل من خطة سابقه، فقد أصدر أوامره ثانية بضرب دمشق بعد إنذار أهلها، وكانت هذه المرة أشد من سابقتها، فدُمرت أحياء كاملة، وأُشعلت الحرائق بالأسواق التجارية، وأصبح الآلاف الذين أُنقذوا من الردم بلا مأوى". (ص 538).

ولم تنجح محاولات "دي جوفنيل" فاستقال ليحل محله "بونسو" مفوضاً سامياً وفرنسياً في سورية ولبنان، فكان تعيينه، يقول د. مصطفى، "نقطة تحول في العلاقات السورية الإفرنسية، إذ تبدلت من الحركات العنيفة المعتمدة على القوة إلى المفاوضات السلمية المعتمدة على المرونة السياسية"، وبقي "بونسو" في منصبه سبع سنين، لكنه لم يوفق في حل قضية الوحدة السورية وحدود "لبنان الكبير"، ولكنه مع ذلك سار بالبلاد شوطا نحو النظام الدستوري وتأسيس حكومات مستقرة، وكان أول أعماله دعوة الشعب السوري لانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وألّف حكومة حيادية مؤقتة للإشراف على الانتخابات برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني.

وافتتحت الجمعية التأسيسية أولى جلساتها في التاسع من يونيو 1928 برئاسة "هاشم الأتاسي"، وتم إعداد الدستور في 115 مادة، إلا أن الوضع السياسي السوري دخل في سلسلة أزمات أخرى امتدت إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية، حيث استقلت سورية عن فرنسا عام 1943، وتم انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 17 أغسطس 1943، لتبدأ معها مرحلة جديدة من المشاكل والانقلابات، وكان انقلاب الجنرال حسني الزعيم في نهاية مارس 1949 أولها!

back to top