الأديب محمد بركة: الشلل الأدبية لاتزال تسيطر على واقعنا الإبداعي!

نشر في 07-07-2016
آخر تحديث 07-07-2016 | 00:01
كتب عن «الفضيحة الإيطالية» وعن «عشيقات الطفولة» وتساءل بأعلى صوته: لماذا كرهت المثقفين؟  هو الأديب  محمد بركة  الذي احتفظ لنفسه بمساحة خاصة على خريطة الأدب المصري الحديث. تتسم كتابته بإيقاع موسيقي وعبارة رشيقة ومفارقة درامية ومزج بين الفصحى والمحكية المصرية على نحو يكسب النص فرادته وخصوصيته.
في الحوار التالي  يتحدث عن روايتيه اللتين تلقيان إقبالا، وقد صدرتا في طبعة جديدة
ضمن كتاب واحد .
استقبل الوسط الأدبي كتابك الجديد الذي ضم روايتيك بحفاوة كبيرة، فماذا عن هذه التجربة؟

مثلما اعتدنا نحن العرب  أن  نكرم مبدعينا لدى انتقالهم إلى الدار الآخرة، أسسنا تقليداً آخر  لا يقل فداحة وكوميدية، وهو ألا يعيد الكاتب منا طباعة أعماله إلا حين يصل إلى سن الحكمة الأبدية ويودع آخر شعرة سوداء في رأسه مستنداً إلى عكاز أنيق،  وهو يقف في شرفة بيته  يطل على  سنوات عمر  تسربت  كما الماء من بين الأصابع مردداً  مع الشاعر القديم: ليت الشباب يعود يوماً!

   وحتى أكون أكثر وضوحا مع القارئ  العزيز، فإن أسباباً إضافية تقف وراء إعادة طبع روايتي {الفضيحة الإيطالية} و {عشيقات الطفولة} ، من أهمها أن داء  الكسل الرهيب الذي ابتليت به ومنعني من إصدار طبعة ثانية للراوية  الأولى  التي نفدت نسخها  سريعاً وعلى نحو مفاجئ ، وها أنا ذا أمتثل لرغبات موزعي الكتب  ونصائح الأصدقاء بإعادة طبعها ولو بأثر رجعي.  

أما الراوية الثانية فأشعر تجاهها  بنفس مشاعر أب أنجب ابنة جميلة ثم تركها في الغابة  تلاقي مصيرها  بمفردها ومضى إلى كهف عزلته،  لمجرد أنه يعاني حالة من الضجر والمزاج العام السيئ! نعم يتملكني شعور طاغ بالذنب تجاه رواية نفدت طبعتها الأولى رغم دخولي في نفق طويل من العزلة، بمجرد صدورها على نحو جعلني أعزف حتى عن الانخراط في تلك الأنشطة المعتادة للاحتفاء بعمل أدبي جديد.

لكن ألا يمكن أن تكون الروايتان مختلفتين في أجوائهما على نحو يجعل الجمع بينهما بكتاب واحد نوعا من المجازفة؟

لحسن الحظ ، أن الروايتين تجمع بينهما خيوط مشتركة – بحسب تعليقات النقاد – سواء على مستوى اللغة والمخيلة أو على مستوى  علاقة مع الآخر تضيء مصابيح الغرام في حضرة الأنثى ، وتعزف ما تيسر من ألحان الشجن في حضرة مولانا الوطن .

مشروع الكاتب

هل كانت تجربتك الصحافية خصما أم إضافة إلى مشروعك الأدبي؟

لم أحب يوماً الصحافة كمهنة تتطلب  شروطاً ومواصفات خاصة، وأشعر بالغربة بين الصحافيين رغم أن العمل الصحافي، بحد ذاته، نبيل وتنويري، وإنما اخترتها باعتبارها الأقرب إلى الإبداع الأدبي، وأحب في صاحبة الجلالة، فقط، فتح نافذة عبر زاوية شخصية للتعبير الحر  والتواصل المباشر مع القارىء، أدين للصحافة بقيم الرشاقة والإيجاز  وعدم التورط عاطفياً مع المتلقي، لكني على الجانب الآخر بذلت مجهوداً حتى لا أقع فريسة لها كمهنة تلتهم وقت المبدع .

ألم يكن غريباً أن تصدر كتاباً يحمل عنواناً صادماً « لماذا كرهت المثقفين»؟

ربما كان غريباً لأنني قبل عشر سنوات، وبينما كنت أتلمس خطواتي الأولى في القاهرة كأديب شاب يكتب القصة القصيرة ويعمل محرراً ثقافياً، كشفت الغطاء في لحظة نزق تاريخي عن مهازل الوسط الثقافي بزيفه وادعاءاته ومراهقة شيوخة وانتهازية صبيته، وكانت النتيجة أن تم طردي من جنة الثقافة على أكثر من مستوى نظراً إلى قولي ما أعتقد أنه الحقيقة وبالأسماء من دون تزييف، ومع ذلك لست نادماً، فقد قلت كلمتي وحملت عصاي ومضيت بطريقي .

هل ما زلت ترى الوسط الأدبي بهذه الصورة القاتمة؟

الصورة ليست قاتمة تماماً، فقد كنت مصدوماً من مدى الانحدار الذي وصل إليه سلوك أدباء كنت أراهم كباراً وأنا طفل أقرأ لهم بعيداً في قريتنا، الآن تمّ استبدال مشاعر الغضب بالرثاء والشفقة، فأدباؤنا - إلا من رحم ربي - تحولوا إلى مندوبي شركات عامة للتسويق لنفسهم عبر تبادل المصالح والتربيطات ورفع مبدأ « شيء لزوم الشيء» ، لقد غاب القارئ والناقد  ووجد الأدباء أنفسهم معزولين في صحراء النسيان، فقرروا انتزاع أي مساحة حضور عبر افتعال الأهمية في خبر أو لقاء إعلامي أو الصراع على حضور مؤتمر هنا أو مهرجان هناك .

ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟

بشكل عام، لدي حساسية  ما  من الأحكام المسبقة التي يطلقها السادة النقاد والمنظرون، حين تتلبسك حالة الكتابة وتمضي بك {نداهة الإبداع}إلى المجهول اللذيذ، تختفي التنظيرات والمفاهيم المسبقة وتفرز التجربة خصوصيتها ومفاجآتها

تكتب القصة القصيرة فما رأيك بالقصة القصيرة جداً التي بدأت تشهد رواجاً عربياً؟

القصة القصيرة هي حبي الأول والجنس الأدبي الأقرب إلى القلب، وأعتقد أنه بات يستعيد بعضاً من كبريائه الجريح في مواجهة وحش الرواية التي تعملقت في السنوات الماضية بشكل مخيف .

تقيم حاليا ببلجيكا مديراً لمكتب الأهرام المصرية، فكيف ترى صورة العرب في أعين الآخر الأوروبي؟

لسنا ضحايا ، فالعربي في أوروبا، من دون تعميم لكن أيضا عبر نماذج ليست بقليلة، ينال حقوقه بل ويتلاعب بقانونية الإقامة  والرعاية الاجتماعية ليحصل على أشياء كثيرة ليست من حقه، المواطن الأوروبي يمتلك الحد الأدنى من الوعي، على عكس الأميركيين على سبيل المثال، لكن بعض الوسائل الأعلامية لا ترى فينا إلا  حفنة من القبائل المتناحرة مصيرها الحروب الأهلية، وعلينا، قبل أن نغضب، أن نسعى إلى تغيير واقع، إذ ربما بقليل من النقد الذاتي نكتشف أننا كنا بالفعل كذلك !

وجدت لنفسك موقعاً داخل الخانة الأدبية المصرية والعربية؟ وثمة من يرى أنك مقلّ في الإنتاج الأدبي.

الشعور بالرضا، عموماً، يشكل خطراً على تجربة الكاتب لأنه قد يعيقه عن بذل مزيد من الجهد، فما بالك لو كان الكاتب أصلا مثلي كسولاً للغاية، لقد صدرت  لي مجموعتان قصصيتان وروايتان وكانت ردود الفعل رائعة ومشجعة للغاية ولدي رواية جديدة تصدر قريبا بعنوان مبدئي «التردد ٥٢}.

ماذا عن جديد محمد بركة؟

انتهيت من رواية ثالثة تحمل عنواناً غير نهائي هو «صحراء الملائكة « ومجموعة قصصية بعنوان «الموتى يدقون بابي}.

عشق الطفولة ونقد المثقفين
ينتمي محمد بركة إلى جيل التسعينيات الأدبي في مصر، يكتب القصة القصيرة والرواية والأدب الساخر، نشرت له ستة كتب منها مجموعتان قصصيتان: {كوميديا الانسجام} ، و{ثلاثة مخبرين وعاشق} ، وروايتان : {الفضيحة الإيطالية»، و{عشيقات الطفولة}، وأصدر كتابا آثار ضجة واسعة بعنوان «لماذا كرهت المثقفين}.

كذلك صدر له كتاب في الأدب الساخر بعنوان «صباح العكننة}، وأسس منتدى الساخرين، الذي أطلقته نقابة الصحافيين قبل العمل كمدير لمكتب جريدة الأهرام في بلجيكا.

قالت عنه الكاتبة الإماراتية ظبية خميس: {إن كتابة محمد بركة كتابة حية ويومية ومعيشة ترصد ما حولها وترصد ذاتها في الوقت نفسه، لغته واقعية غير أنها رشيقة تستمد مادتها من السيرة الذاتية والتجارب الشخصية والنزوات والإحباطات، محمد بركة يكتب ذاته عبر أحاسيسه}.

أما الكاتبة هبة عبد العزيز فقالت في معرض حديث لها عن روايتيه {الفضيحة الإيطالية} و{عشيقات الطفولة}: ما كتبه محمد بركة لا يعتبر سيرة ذاتية بالمعنى المعروف، فبداياته الريفية حتى مجيئه إلى القاهرة ثم تعامله مع الغرب بشكل مباشر حدث لكثيرين مثله، وأنا أرى الأحداث في {الفضيحة الإيطالية} تسبق كثيراً الأحداث في رواية {عشيقات الطفولة»، وقد أعجبني في كتاباته إحساسه المرهف بالأنثى.

وقال الروائي محمد البرعي: {بركة يكتب بروح الطفل.. فهو يلعب على الورق بل يقوم بعمل هامش لشرح التفاصيل الدقيقة بحس ساخر، وأهم ما يلفت نظري أنه لا يتخلى أبدا عن كونه صحافياً حتى وهو يكتب الرواية}.

بعض الأدباء العرب تحولوا إلى مندوبي علاقات عامة

الإعلام الغربي لا يرانا إلا حفنة من القبائل المتناحرة مصيرها الحروب الأهلية
back to top