Free State of Jones... دراما عن الحرب الأهلية تثير الاستياء

نشر في 05-07-2016
آخر تحديث 05-07-2016 | 00:00
ماثيو ماكونهي
ماثيو ماكونهي
في الكثير من صور الحرب الأهلية الأميركية، تتجلى في أعين الجنود روحاً منهكة تترافق مع نوع من الحدة البعيدة. وينجح عدد من الممثلين في نقل هذا الخليط، إلا أنه لا أحد يؤديه ببراعة ماثيو ماكونهي. فيقدّم هذا الممثل أداء مقنعاً وناجحاً في الدراما التاريخية Free State of Jones، التي تشكّل سيرة ذاتية من إخراج غاري روس تحمل في طياتها الغموض كما الاستياء.

يؤدي ماكونهي دور نيوتن نايت، الذي يُعتبر، على غرار أوسكار شندلر، حالة شاذة في حقبة ومكان مريعين. فقد شنّ نايت، رجل ولد في ميسيسيبي وأيد الاتحاد، حرب عصابات ضد الكونفدراليين، الذي سيطروا على تلك المنطقة، مستعيناً بمقاتلين (وصل عددهم إلى 500) شملوا جنوداً وعبيداً فارين على حد سواء. وفي ميسيسيبي اليوم (ورد مقال متقن في موقع Smithsonian.com في شهر مارس عام 2016 عن إرث نايت المعقد)، ما زال هذا الجنوبي المؤيد للاتحاد شخصية مثيرة للجدل.

رُزق نايت بخمسة أولاد من زواجه العرفي بأَمَة محرَّرة وتسعة آخرين من زوجته. وقد عاشت العائلتان في مزرعة واحدة تبلغ مساحتها نحو 65 هكتاراً. ولكن هل كان نايت بطلاً تقدمياً أم مجرماً متخلفاً؟ يؤكد مقال Smithsonian وعدد من الكتب الأخرى عن حياة نايت أن الجدال بشأن الجواب ما زال مستمراً إلى اليوم. فحتى لو أخرجت حياة نايت الشخصية الغنية من إطارها السينمائي (مع أن هذه خطوة غبية)، تحصل على ثائر تمكّن عام 1864 من الانتصار على الكونفدراليين في مقاطعة جونز بميسيسيبي وأعلن {دولة جونز الحرة}. ولا شك في أن هذه مواد ممتازة تناسب عالم الأفلام، وخصوصاً فئة القصص الذاتية التاريخية البطولية الملائمة عرقياً لأن البطل الأبيض فيها ينقذ السود (ما يعني أن من الممكن الترويج لها في هوليوود).

في مستهل الفيلم، نرى نايت يتنقل في ساحات القتال بصفته مسعفاً تابعاً للكونفدراليين. لكنه سرعان ما يدرك كلفة الحرب ويرى رحاها وهي تطحن أرواح البيض والسود. وهكذا ينجح نص روس، الذي شكّل نتيجة غنية لبحث تاريخي عميق ومعقد، في تصوير يقظة نايت الأخلاقية. ففي أولى مشاهد الفيلم، يُقتل ابن شقيق نايت الفتي في ساحة المعركة قبيل فراره. نتيجة لذلك، يدير نايت نفسه ظهره للحرب وبندقيته نحوها.

في مشهد آخر في مستهل الفيلم، يحرر نايت موزيس واشنطون (ماهرشالا علي) الخائف، الذي كان مستعبداً سابقاً، من الطوق حول عنقه. وفي مرحلة إعادة البناء بعد الحرب، يركّز Free State of Jones على موزيس ومحاولته لتسجيل الناخبين بين العبيد المحررين حديثاً. أما نشاطات نايت نفسه بعد الحرب، فتُستعرض بسرعة. نتيجة لذلك، تشعر أن روس واجه صعوبة في تضمين فيلمه كامل التفاصيل. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال اعتماده المفرط على العناوين التوضيحية التي وضعها فوق صور بيضاء وسوداء جميلة من تلك الحقبة.

لكن خطوات مماثلة تبعدنا إلى حد ما عن القصة الرئيسة، شأنها في ذلك شأن اللقطات التي تنقلنا إلى المستقبل إلى عام 1948، حين حوكم حفيد نايت ديفيد بتهمة الزواج من عرق آخر التي وجهتها إليه ولاية ميسيسيبي. صحيح أن هدف هذه القفزة إلى الأمام التوضيح للمشاهد ما تبدّل وما لم يتدّل، إلا أن هذه المداخلات لا تخدم الغرض المرجو منها.

لكن Free State of Jones ينجح بمهارة عالية في رسم تفاصيل حياة نايت الشخصية. فتجسد غوغو مباثا-رو دور رايتشل، الأَمَة التي أصبحت زوجته. كذلك تحظى كيري راسل بدور بسيط، فتظهر في بعض المشاهد كزوجة نايت الأولى، سيرينا. وفي أحد هذه المشاهد، تهدّئ سيرينا طفل رايتشل الذي ولدته حديثاً، ثم تروح المرأتان تضحكان كما لو أنهما تتساءلان في قرارة نفسيهما: {أليس هذا جنوناً؟}. فيشكّل هذا المشهد إشارة إلى كل ما عجز روس عن تصويره في فيلم يدوم 139 دقيقة. لا شك في أن روس مخرج (من أفلامه الناجحة الجزء الأول من Hunger Games) رفيع الذوق، غير أننا نشعر غالباً عند مشاهد Free State of Jones أننا نزور موقعاً يُعاد فيه تمثيل الحوادث التاريخية. فمن تراكيب الكاميرا إلى تصميم الإنتاج، تبدو كل التفاصيل منمقة أكثر من اللازم ومملة بعض الشيء، لذلك لا تصدق دوماً ما تشاهده. فقد انتابني هذا الشعور خصوصاً خلال مشاهد معسكر باين وودز المثالي، حيث يتشارك مؤيدو نايت الرجال والنساء، البيض والسود، في قضية واحدة. فترى دوماً كماناً أو هرمونيكا تعزف أثناء شواء الطعام فوق النار.

في مشاهد مماثلة، يقترب الفيلم من تحويل بطله إلى نسخة من كاتنيس إيفردين: قائد ثورة جامح ومذهل. إلا أن ماكونهي ممثل أكثر مهارة وخبرة من أن ينجر وراء صورة مماثلة. لكن فيلم روس السلس والثابت الوتيرة مثير جداً للاهتمام، حتى إنك تتمنى لو أنه صُوّر بطريقة أفضل وأكثر جرأة وحماسة.

back to top