Neon Demon الآسر ينتقل بأناقة من الموضة إلى الرعب

نشر في 05-07-2016
آخر تحديث 05-07-2016 | 00:00
إيل فانينغ في لقطة من فيلم The Neon Demon
إيل فانينغ في لقطة من فيلم The Neon Demon
صحيح أن شعار NWR المميز يظهر في شارة البداية، إلا أنك لا تخطئ إن فكرت في أن فيلم نيكولاس وندينغ رفن الأخير يشكّل نموذجاً للانغماس الذاتي في الموضة. ولكن أي انغماس ذاتي؟ وأي موضة؟
تدور أحدث The Neon Demon، هذه القصة الخرافية الغريبة، في زاوية من زوايا عالم الموضة في لوس أنجلس تنتفي فيها القيم والأخلاق، زاوية تجوبها وحوش مفترسة، مدراء يتصنعون اللطف، ومصاصات دماء شقراوات فاتنات ينتعلن أحذية بكعب عالٍ. يشكّل هذا الفيلم، الذي يتطور ببطء ويستعد للقتل، هجوماً شرساً على الجمال، أو على الأقل على تعريفنا التقليدي الباهت له، إلا أنه يبقى رغم ذلك عملاً مميزاً آسراً.

قد يبدو هذا الوصف متناقضاً، إلا أن هذا الفيلم يُعتبر الأقرب إلى المثالية: حلم من أحلام هيلموت نيوتن المحمومة خُلط بأسلوب داريو أرجينتو العنيف. ولكن إن اعتقدت أن هذا الفيلم يركّز على الأسلوب وينسى الجوهر، فأنت مخطئ كل الخطأ. فمن خلال جلسات التصوير التي تعمي الأبصار والانفجارات الملونة البراقة إلى الأزياء الخلابة (التي صوّرتها بأسلوب مميز المصورة السينمائية ناتاشا براير)، لا يكتفي The Neon Demon باستخدام اللغة البصرية لعالم الأزياء المبهر، بل يجسدها بمستوى من التألق المهووس، حتى إنه يتخطى حدود التقليد أو النقد. فيتناول الفيلم في موضوعه الرئيس ما ينهش الأجسام، فيستحوذ على شكل الضحية الخارجي ليدمرها من الداخل.

إذا استفضنا في الشرح قد نكشف تفاصيل الحبكة التي تدور حول جيسي (إيل فانينغ الرائعة)، فتاة بريئة في السادسة عشرة من عمرها تقصد لوس أنجلس وهي تحلم بأن تصبح عارضة محترفة، فتلفت الأنظار بسرعة. لكن الإطراء الذي تفوز به يحمل من الخبث ما يحوّله إلى طعنة في الظهر: فكما تقول لها خبيرة تبرج ودودة (جينا مالون)، {يريدون أن تكوني مثل الغزال الذي يقف مباشرة أمام أضواء السيارة الأمامية}.

رغم ذلك، لا يستطيع أحد إنكار جمال جيسي الخلاب. فهي لا تملك جمال منافساتها المنحوت البارة. لكن فانينغ ببشرتها البيضاء وابتسامتها البسيطة تحول جيسي إلى نسخة من البراءة الريفية. فبما أنها لم تتلوث بالبوتوكس والجراحات التجميلية (تقول عارضة أخرى بسخرية: {الجراحات التجميلية وسيلة فاعلة للظهور بمظهر جيد})، تشع بنقاوة لا يعتبرها عالم الأزياء نادرة بل فريدة من نوعها. وما هي إلا فترة وجيزة حتى تُطلى بلون الذهب وتخطف أنفاس أحد كبار العاملين في مجال الموضة (أليساندرو نيفولا المذهل). في هذه الأثناء، يتحوّل الازدراء الساخر، الذي تلقاه من منافستَيها الرئيستين، جيجي (بيلا هيثكوت) وساره (آبي لي)، إلى سخط وذعر بالكاد تنجحان في إخفائه، فيما تتفوق عليهما تلك الفتاة النكرة.

صحيح أن جيسي تسير نحو النجاح بخطى سريعة، إلا أن أحداث The Neon Demon تتحرك كالدبس الحلو اللماع. فتتعاقب التطورات في كل مشهد ببطء مغرٍ، كما لو أن رفن يمتص بدقة كل ذرة أكسجين من الغرفة. في إطار آخر، قد تبدو هذه المقاربة هازئة، إلا أنها تساهم في هذا الفيلم في إبراز غرابته الفريدة وسخريته الداكنة، حتى فيما تشعر بتيار خفي زاحف من الخوف يتفاقم باطراد في الخلفية.

بعدما بنى رفن شهرته على مشاهد العنف المجنون التي أطلقها في أفلام مثل Bronson وثلاثية Pusher، تحوّل إلى سيد التوتر البطيء ومصصم محترف بالغ الدقة، إلا أن لهذه المقاربة أوجهها السلبية كما الإيجابية ، مثلما أظهر فيلماه السابقان.

لا شك في أن إخراجه إعلاناً لعطر غوتشي عام 2012 شاركت فيه الممثلة بلايك لايفلي شكّل تمهيداً جيداً. لكن رفن عثر في هذا العام على موضوع لا يتقبل فحسب صوره الدموية ومبالغاته العنيفة وميله إلى الفن المقزز، بل يتكيف معها بسهولة أيضاً، مع أننا لا نقصد بذلك أنه الوحيد الذي يرى الوجه الساخر والبشع لقطاع يحوّل الفتيات الجميلات إلى مجرد لحم (نتذكر Death Becomes Her وDrop Dead Gorgeous، فضلاً عن كامل تاريخ هوليوود عن تقديم الخدمات الجنسية مقابل التقدّم في العمل).

بالإضافة إلى ذلك، لا يُعتبر رفن أول كاتب يتناول المساحة النفسية التي تبدأ فيها هوية المرأة (التي تقوم على خليط من التصميم الذي لا يرحم والوحشية الخفية) بالتزعزع والتمزق. فيشكّل فيلم ديفيد لينش Mulholland Drive وفيلم دارين أرونوفسكي Black Swan اثنين من الأمثل الأحدث والأبرز في هذا المجال. صحيح أن The Neon Demon يبدو أكثر وضوحاً في استخدامه منطق الأحلام وأكثر حدة في مؤثراته، إلا أنه يحمل بضع لمحات من هذين العملين. فكما نرى في هذين الفيلمين، تصطدم طاقة النجومية الفتية وحماستها بالرعب والانعزال في الحياة الشخصية. ففي كل ليلة، تعود جيسي إلى نزل باسادينا المقزز إلى أبعد الحدود، الذي يديره مدير سيئ يؤدي دوره كيانو ريفز. صحيح أنك تضحك عندما تراه على الشاشة للمرة الأولى، ولكن عندما تشاهده للمرة الأخيرة، تكون الابتسامة قد اختفت عن وجهك.

لا يسهّل عليك هذا الفيلم التمييز بين الواقع المعدّل والكابوس الحي، وهذا ما يهدف إليه المخرج بالتحديد. فتطغى على عدد من المشاهد البارزة في مسيرة جيسي نحو النجومية (منها عرض أزياء مهم يحفل باللحظات المجردة) صور مخيفة ملطخة بالأحمر، فضلاً عن موسيقى {الإلكترونيكا} النابضة المتصاعدة التي ألفها كليف مارتينيز لهذا العمل. أما الصورة الأكثر غموضاً في هذا الفيلم (رمز يتألف من ثلاثة مثلثات تظهر على خلفية سوداء)، فتذكرك بلقطة أخرى نرى فيها جيسي وهي تتأمل نفسها في مرآة ثلاثية الأبعاد، علماً أن هذه اللقطة قد تذكّرك بدورها بفيلم All About Eve.

ولكن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان هذا العمل ينجح في تبديد تهمة {كره النساء} التي وُجّهت أحياناً (لم تكن دوماً من دون مبرر) إلى أفلام رفن. صحيح أن هذا المخرج أخبر صحيفة The Guardian في مقابلة معه أن المرأة ليست أكثر إثارة للاهتمام فحسب، بل تشكّل أيضاً {جنساً أكثر تقدماً}، غير أن خاتمته العنيفة والوحشية، التي تشمل مشاهد عن أكل لحوم البشر، فظائع دموية، الشذوذ الجنسي، ومجامعة الأموات، ستشكل سلاحاً بيد كل مَن يؤكد تهمة مماثلة. ولكن بما أن قوة رؤية رفن العنيفة أسرتني، اعتبرت مشاهد مماثلة إشارات إلى الحياة مشجّعة وناجحة. قد يكون The Neon Demon جثة فيلم جميلة، إلا أن هذه الجثة تنزف.

back to top