السياسة هي فن التمثيل!

نشر في 02-07-2016
آخر تحديث 02-07-2016 | 00:07
 محمد صالح السبتي ذات مرة دخلت البيت فأخبرتني والدتي أنها اتخذت قراراً بمنع خادمة منزلنا "لجمي" من مشاهدة التلفاز نهائيا، وأنها أخذت من غرفتها الجهاز، ولما سألتها: لماذا يا أمي، دعيها تستأنس بمشاهدة التلفاز وتستمتع، قالت: منعتها لمصلحتها، فهي لا تكاد تشاهد فيلماً حتى تدخل في نوبة بكاء كبييرة فتسوء نفسيتها عدة أيام من أثر هذه المشاهدة، "لجمي" تتأثر كثيراً بالأفلام وأنا أخاف عليها!

قلت لها: يا أمي كلنا نتأثر بالتمثيل... نبكي من بعض المشاهد ونضحك من أخرى، نعيش القصة وكأنها حقيقة، كل البشر هكذا، مع أننا نعلم أنه مجرد تمثيل، وأن هؤلاء الممثلين يصطنعون هذه الأدوار اصطناعاً لكننا نصدقهم، نرى فقيرهم فقيراً وغنيهم غنياً، ترتسم في أذهاننا صورة سيئة عمن يمثل أدوار الشر والقسوة، كما ترتسم صورة جميلة عن آخرين يقومون بأدوار الطيبة والحكمة، الغريب أن هناك ممثلين ارتسمت عنهم صورة نمطية واحدة لتخصصهم في أداء نوع معين من الأدوار، حتى صار الناس يظنون أن هذه شخصياتهم الحقيقية، في حين تجد بعض الممثلين يقوم أحيانا بدور العسكري المحافظ على القانون، وأخرى بدور الحرامي السارق، وثالثة تراه فقيراً معدما، ورابعة تراه غنياً مفرطاً في الغنى، وفي كل الحالات نعيش معه الدور ونصدقه، هذا هو فن التمثيل وهذا هو أثره علينا... كلنا هكذا ليست "لجمي" وحدها!

كثيرون عرّفوا السياسة وأطلقوا عليها بعض المصطلحات لمحاولة تبسيط فهمها للعموم، بعضهم كان لطيفاً في تعريفها.. أسماها فن الممكن! عندي أن السياسة هي فن التمثيل! هي أن تجيد أداء الأدوار المطلوبة منك، أو التي تحقق مصالحك أو مصالح حزبك أو تجمعك حسب الحاجة! السياسي يتنقل من موقف إلى آخر كما يتنقل الممثل من دور إلى غيره، يخطب بثورية وحماسة إذا احتاج الأمر ليقنع المستمعين، وقد تحتاج المصلحة إلى اللين والهدوء فتجده ليناً هادئاً في خطابه! إذا احتاج السياسي إلى الحرب كان صقراً محلقاً في السماء وجمع لأتباعه كل مقولات الشجاعة والإقدام والكرامة والعنفوان، وحاديه لهذا الإصلاح وإقامة العدل والمساواة، وإذا احتاج للسلم تجده حمامة يطير لنشر السلام ويحشد مقولات الحكمة والهدوء وطول البال لنيل المنى وتحقيق المصالح!

أنا لا أعيب على السياسين بهذا الكلام قطعاً، بل أحاول فقط تبسيط مفهوم السياسة، ولا أجد عيبا أبدا في تغيير المواقف لتحقيق المصالح وفق المتغيرات وبضوابط مرعية, لكن الفرق أن هناك ممثلين يجيدون اختيار القصة وأداء الأدوار المطلوبة منهم لينتجوا فنا راقيا هادفا، لكن بعضهم قد يزوّرون أثناء تمثيلهم حقائق تاريخية أو يسيئون أداء الشخصيات أو قد يفتقدون للمعنى الحقيقي للفن، قصة وحواراً وأداء، من أجل الربح المادي المجرد أو بدافع التواجد والظهور ليس إلا... وهكذا يفعل بعض السياسيين تماماً.. نحن نتأثر بالتمثيل مع علمنا اليقيني أنه تمثيل، لكننا لا نعي أن المواقف السياسية أغلبها تمثيل أيضاً!

back to top