ثورات سورية

نشر في 30-06-2016
آخر تحديث 30-06-2016 | 00:10
 خليل علي حيدر عرفت سورية الانتفاضات والثورات والقمع والتدمير في مطلع القرن العشرين، بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، وها هو القمع والتدمير ينالها في مطلع القرن الجديد.

بدأ الإنكليز والفرنسيون مع نهاية الحرب بتنفيذ "اتفاقية سايكس بيكو" و"وعد بلفور" واقتسام العراق وبلاد الشام، ونحن اليوم في شهر يحمل دلالات وذكريات مريرة في التاريخ العربي الحديث، ففي بداية الشهر حلت الذكرى المقاربة لنصف قرن من هزيمة الخامس من يونيو 1967، والذكرى المئوية الأولى لبدء "الثورة العربية الكبرى" انطلاقاً من مكة المكرمة، بقيادة "الشريف حسين" ضد الدولة العثمانية، والتي انتهت بانقسامات وحروب وصدامات وثورات عديدة بعد اكتشاف الاتفاقيات السرية، ومنها الثورات السورية المتوالية.

قد تكتب المقالات وتعقد الندوات وينشر المزيد من الكتب حول هذه "الثورة العربية الكبرى"، أما هنا فسنكتفي بجانب من التحليل الذي كتبه الأستاذ المصري "وليد محمود عبدالناصر"، شارحاً أدوار القوى الثلاث التي كانت خلفها: "فلا شك أن انطلاق الثورة العربية الكبرى في 2 حزيران (يونيو) 1916، وما شهدته من نجاحات في مراحلها الأولى كان نتاج تلاقي أدوار ثلاثة أطراف في الأساس، أثرت على شعوب المشرق العربي، وأثارت أفعالها حميتهم العربية، وهي: أولا، جهود وإبداع ومساهمات قطاعات مهمة من النخبة الثقافية العربية، وتحديداً بلدان المشرق العربي، في شكل فردي وجماعي، ضمن جمعيات فكرية وثقافية، على حد سواء في سبيل إنهاض وعي قومي عربي لدى شعوب المشرق العربي، وثانياً نشاط وفاعليات قطاع مهم من العرب الناشطين سياسياً، وأساساً من بلدان المشرق العربي انتظموا في سياق أحزاب سرية، ربما محدودة الحجم ولكن واسعة التأثير، بغرض تنظيم الصفوف، إن لم يكن لإطاحة الحكم العثماني فعلى الأقل لإضعاف قبضة سيطرته، وثالثاً وتطلعات وطموحات وتحالفات بعض الحكام ضمن مساعيهم لإقامة دولة عربية كبرى تلبي أحلام الشعوب من جهة، وتحقق لهؤلاء الحكام أمجاداً باقية ويذكرها التاريخ من جهة أخرى". (الحياة، 17/ 6/ 2016).

قوبل دخول فيصل ابن الشريف حسين على رأس الجيوش العربية دمشق بارتياح وحماس في المدن السورية واللبنانية، "فأخذت ترفع الأعلام العربية وتعلن التحاقها بالثورة وانصياعها لأوامر القيادة العربية قبل أن تصل إليها كتائب الجيش العربي، وكان أول عمل قام به فيصل بدمشق أن ألّف حكومة عسكرية برئاسة "رضا باشا الركابي" تشمل صلاحياتها سورية الداخلية، وأرسل" شكري باشا الأيوبي" إلى بيروت لرفع العلم العربي وتأسيس حكومة عربية فيها".

(العالم الحديث، شاكر مصطفى، دمشق 1950، ص519).

ويستعرض الباحث السوري المعروف د. شاكر مصطفى في الكتاب نفسه الحوادث والتدخلات الفرنسية في سورية، فيشير إلى مجموعة من الثورات السورية الأولى 1918-1920 قبل معركة ميسلون، ووصول الفرنسيين إلى دمشق، وثورة حوران بعد دخول الفرنسيين، وكان الفرنسيون قد أرسلوا رئيس الوزراء السوري علاء الدين الدروبي، والوزير عبدالرحمن اليوسف إلى "حوران" لإقناع مشايخها بقبول الانتداب الإفرنسي، فهجم عليهما الأهالي في محطة "خربة غزالة" في 21 أغسطس 1920 وقتلوهما، وكان من حوادث التمرد "حادثة القنيطرة"، عندما هاجمت عصابة مؤلفة من 14 فارساً الجنرال الفرنسي "غورو" و"حقي العظم" حاكم دمشق في طريقهما إلى القنيطرة لزيارة أحد أمراء عرب الجولان، فأصابت الجنرال والعظم بإصابات عادية، وقتلت بعض المرافقين، ثم "ثورة هنانو" بقيادة الزعيم إبراهيم هنانو (1869-1935 ) الذي ثار ضد الفرنسيين، ولقب نفسه "المتوكل على الله"، وانتصر على الحملات الإفرنسية المتتابعة، وأصبح يسيطر على منطقة واسعة تقع ما بين حلب وإدلب والمعرة، "فسيّر الإفرنسيون عدة حملات في وقت واحد من اللاذقية وحلب وحماة بلغت 30 ألف مقاتل اضطرت هنانو إلى الانسحاب في 12 (يوليو) تموز 1921 من جبل الزاوية وفر إلى حمص ثم عمان فالقدس، حيث اعتقلته السلطات البريطانية وسلمته الى السلطات الإفرنسية التي أعادته إلى حلب وحاكمته أمام المحكمة العسكرية، ولم تثبت عليه شيئاً من تهم الخيانة أو أعمال النهب بل، أثبتت أنه مناضل وطني فبرئ وأطلق سراحه". (ص534).

وفي عام 1922 اغتنم بعض المواطنين فرصة عودة "المستر كراين" أحد أعضاء لجنة الاستفتاء الأميركية "كينع-كراين" إلى دمشق، فتظاهروا وخطبوا أمامه منددين بالسياسة الفرنسة ومنادين بالحرية والاستقلال، وبعد تدخل السلطات الفرنسية أضربت دمشق عدة أيام، وأيدتها المدن السورية بالمظاهرات، فأعلنت الأحكام العرفية وسقط عدد من القتلى على إثر الاشتباكات بين الأهلين والجيش.

وفي العام نفسه وقعت حوادث جبل الدروز، عندما لجأ "أدهم خنجر" أحد قواد القنيطرة إلى دار الزعيم الدرزي "سلطان الأطرش" في "القريّة"، فطلب الفرنسيون تسليمه فرفض سطان متمسكا بتقاليد الضيافة، فحاول الفرنسيون استخدام القوة وأرسلوا إلى الجبل حملة كبيرة من السيارات المصفحة، وشنت الطائرات هجمة مدمرة على بلدة "القريّة" ولاحقت "الطرشان" أو آل الأطرش، فاضطر "سلطان باشا" وأنصاره إلى اللجوء إلى شرق الأردن، وتم القبض على "أدهم خنجر" ونقل إلى دمشق فبيروت، حيث أُعدم.

وكانت "الثورة السورية الكبرى" التي استمرت قرابة عامين كاملين 1925-1927 تتويجا لهذه الانتفاضات، ولم تقتصر هذه الثورة على منطقة واحدة، "بل عمت جبل الدروز ودمشق وحمص وحماة، ووصلت إلى قسم من لبنان، وامتازت بمعارك حربية بين قوات الثوار والجند الإفرنسي، واضطرت فرنسا لإرسال أكبر شخصية عسكرية في بلادها وهو الجنرال غاملان (Gamelin) لإخمادها، كما سيرت عشرات الفرق الإفرنسية والسنغالية والمغربية، وجندت الأرمن والشراكسة في البلاد، واستعملت أساليب العنف والإبادة، ودمرت قرى كاملة، ونسفت دمشق مرتين بالمدافع والطائرات، وقتلت آلافا من الثائرين والأبرياء".

(د.شاكر مصطفى والرفاعي، ص535).

طارت الشرارة الأولى للثورة من جبل الدروز بعد فشلهم في محاولة تغيير الحاكم الفرنسي "كاربييه"، حيث أجبر المفوض السامي في دمشق الوفد الدرزي على العودة للجبل، ثم تم إلقاء القبض على بعض زعماء الطرشان ونُفوا إلى جهات غير معلومة، وأعلن المفوض السامي أن الحاكم "كاربييه" لن يُستبدل بغيره، فسارع "سلطان الأطرش" إلى الجبل وانتقل بين القرى داعيا إلى حمل السلاح لإنقاذ الزعماء ومنع "كاربييه" من العودة، وبذلك بدأت الثورة بتشبث المندوب السامي "ساراي" بأساليبه العنيفة.

"ففي 18 تموز (يوليو) 1925 أسقط الدروز قرب السويداء طائرة فرنسية إيرباص ببنادقهم، فخرجت فرقة فرنسية من السويداء لإلقاء الرعب في قلوب السكان والقبض على المعتدين، وكان سلطان الأطرش في مدينة صلخد، فجمع أنصاره وتحرك لقتال الفرقة الإفرنسية، وهاجمها في يوم 21 منه، وانتصر عليها انتصارا كاد يبيدها جميعا، فشجع ذلك أهل الجبل وانضووا تحت زعامة سلطان باشا. وكلف الجنرال "ميشو" بالسير إلى السويداء والانتقام من الثائرين لكنه مُني بهزيمة مروعة".

وكانت هذه "معركة المزرعة"، التي وقعت في قرية غربي السويداء بهذا الاسم، ثم سرت الثورة من الجبل إلى غوطة دمشق، كما سنرى.

أهالي حوران قتلوا في 1920 رئيس الوزراء علاء الدين الدروبي والوزير عبدالرحمن اليوسف القادمين لإقناع مشايخها بقبول الانتداب الفرنسي

«الثورة السورية الكبرى» التي استمرت قرابة عامين كاملين 1925-1927 كانت تتويجا لانتفاضات عدة سبقتها
back to top