أئمة الحديث: الإمام أحمد بن حنبل
هذا الإمام، قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل"، إنه الإمام أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المزوزي ولد في ربيع الأول من سنة 164هـ ببغداد.بدأ حياته دارسا للفقه، فجلس لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثم اتجه إلى الحديث، فأخذ عن كل علماء الحديث في العراق والشام والحجاز، ولعله أولُ محدِّث جمع الأحاديث من كل الأقاليم، ودوَّنها، واستمر جِدُّه في طلب الحديث وروايته، حتى بعد أن بلغ مبلغ الإمامة، حتى لقد رأه رجل من معاصريه والمحبرة في يده يكتب، فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ وأنت إمام المسلمين؟ فقال: مع المحبرة إلى المقبرة، وكان يقول: أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر.قال ابن الجوزي: إن أحمد لم ينصب نفسه للحديث والفتوى، إلا بعد أن بلغ الأربعين، وبعد أن ذاع ذكره في الآفاق الإسلامية، فازدحم الناس على درسه، حتى ذكر بعض الرواة أن عدد من كانوا يستمعون إلى درسه نحو خمسة آلاف، وأنه كان يكتب منهم نحو خمسمئة فقط، والباقي يتعلمون من خلقه وهديه وسمته، وكان مجلسه بعد العصر، تسوده الهيبة والتعظيم لحديث رسول الله (ص).يقول إسحاق بن راهويه: كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وأصحابنا، فكنا نتذكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، فأقول: ما مراده؟ ما تفسيره؟ ما فقهه؟ فيقفون كلهم، إلا أحمد بن حنبل.
نظرا لأن الإمام أحمد كان عليماً بالأحاديث، فتوافرت له ثروة هائلة في العلم مكّنته من الاستنباط، وقد وسّع باب القياس، ما جعل الأحكام أقرب إلى مرامي الشارع ومقاصده المستوحاة من أعمال الرسول (ص) وأقواله، وقد قدّم الإمام أحمد الحديث على الرأي والقياس، ولو كان ضعيفاً كما أنه أكمل مشوار الإمام الشافعي من ناحية تعظيم دور السنة في البناء الفقهي. حينما اعتنق الخليفة العباسي المأمون آراء المعتزلة في خلق القرآن، ودعا الفقهاء والمحدثين أن يقولوا بخلق القرآن، تعرض الإمام أحمد إلى محنة عظيمة، بسبب رفضه لهذا الرأي، فحبس وضرب، وتوالى ثلاثة من الخلفاء على ذلك: المأمون، والمعتصم، والواثق، لكن الإمام صمد على الرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.قال الشيخ المحقق أحمد شاكر: لقب أمير المؤمنين في الحديث، لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر، كشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني، وفي المتأخرين ابن حجر العسقلاني.وخلف ابن حنبل كتب "المسند" و"الناسخ والمنسوخ" و"العلل" و"السنن في الفقه"، وكانت وفاته يوم الجمعة 12 ربيع الأول سنة 241 هـ، في بغداد.