سليمان الملا: نجاح أغنية «وطن النهار» أجمل تكريم في حياتي (3-4)

«الساحة الغنائية في الكويت توقفت عند عبدالقادر والرويشد وشعيل ونوال والمسباح»

نشر في 26-06-2016
آخر تحديث 26-06-2016 | 00:03
في هذه الحلقة من الحوار مع الملحن والمطرب الكبير سليمان الملا، يتحدث عن التكريم، الذي حصده في مشواره الفني، وكان آخره ليلة التكريم التي أقامها له المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب خلال شهر مايو الماضي، في حين ينتظر جائزة الدولة التقديرية، وإن كان يرى أن التكريم الحقيقي، حصل عليه بالفعل من الجمهور الكويتي والخليجي والعربي، خصوصاً بعد النجاح الكبير، الذي حققته رائعته الوطنية من خلال أغنية «وطن النهار».

وهذا العمل ولد من رحم معاناة الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، واجتمع الملا في صناعة الأغنية مع اثنين من عمالقة الأغنية الكويتية، وهما الشاعر الغنائي الكبير بدر بورسلي والمطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر، كما يتحدث عن العديد من القضايا والأحداث المهمة، التي ترافق الأغنية الكويتية والخليجية، خلال السنوات الأخيرة من خلال تقييمه لها، كذلك رأيه حول ما يقدم الآن على مستوى الأغنية الوطنية.

وسيجيب أيضاً عن سؤال عن سبب عدم ظهور مطربين جدد يحملون الراية بعد جيل المطربين عبدالكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال... تفاصيل كثيرة يسردها الملا في حواره خلال السطور التالية فلنقرأها معاً:

• هل تشعر أنك حصلت على التكريم الكافي لمسيرتك الفنية الطويلة ؟

- بداية أرى أن أي عمل فني لي ينجح ويحقق صدى جيداً لدى الجمهور سواء كان أغنية عاطفية أو وطنية أو مقدمة غنائية لمسلسل تلفزيوني هو أمر يضاف إلى رصيد نجاحاتي، التي تشكل المحطات المهمة والمؤثرة في مشواري الفني، كما أذكر هنا أنني كرمت في بعض الدول الخليجية كملحن كويتي أعطى الكثير من الألحان والأعمال الفنية المؤثرة للكثير من المطربين على مستوى الكويت والخليج والوطن العربي، وبعيداً عن أمور التكريم، أشعر بأنني من الفنانين الذين لا يزالوان في مرحلة العطاء وإن كان قد قل عن السابق بسبب إغلاق العديد من شركات الإنتاج الفني للأغنية، في حين هناك قلة من شركات الإنتاج الآخرى مستمرة في عملها، لكنها تحتكر عمل الفنان لصالحها فقط.

تكريم النجاح

• هل تشعر بالحزن لأنك لم تحصل على جائزة الدولة التقديرية حتى الآن رغم مشوارك الفني الطويل؟

- دعني أقول لك أنني كرمت في دولة قطر الشقيقة عن مجمل عطائي الفني منذ أواخر فترة السبعينيات حتى الآن، والتكريم الآخر الذي أرى أنني حصلت عليه هو مدى التأثير والنجاح الكبير، الذي أحدثته الأغنية الوطنية التي قدمتها كملحن مع بقية العناصر الإبداعية فيها من شاعر كبير مثل العملاق بدر بورسلي والمطرب الكبير عبدالكريم عبدالقادر وهي "وطن النهار"، التي شكلت وجدان الكثير من الجمهور، الذي سمعها، ومعها شعرت أن هذا هو أعظم تقدير وتكريم أحصل عليه من الجمهور الكويتي والخليجي والعربي، وهي أغنية تمثل ثمرة عناء عمل سبعة أشهر أثناء فترة الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت، فهذه الأغنية لا تزال موجودة ومؤثرة في وجداننا جميعاً، وقد قدمت هذه الأغنية للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وإلى ولي عهده الأمير الوالد الراحل سعد العبدالله كابن بارٍ لهذه الأرض الطيبة، بلدنا الكويت، التي أعطتنا الكثير، وهي أغنية تعبر عن حبنا وولاءنا لهذه الأرض التي نعيش عليها، كذلك أعتز كثيراً بالتكريم الأخير الذي حصلت عليه خلال شهر مايو الماضي من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، من خلال إقامة ليلة لتكريمي ضمن فعاليات مهرجان الموسيقى الدولي، وهو تكريم اعتز كثيراً به لأن المجلس الوطني يمثل دولة الكويت من جانب، وكذلك لشعوري أنني كرمت في حياتي.

بانتظار «التقديرية»

أما الحديث عن جائزة الدولة التقديرية، فنحن في انتظارها، خصوصاً أنني مازلت مستمراً في عطائي وفي طموحي لرفع اسم الكويت عالياً من خلال ما أقدمه من أعمال فنية، فنحن نمثل سفراء لبلدنا، وإذا حصلت عليها ستكون مصدر سعادة لي بلا شك، وإذا لم أحصل عليها، فأنا ما زلت مستمراً في عطائي، ولن يقلل ذلك من إخلاصي لعملي ولبلدي.

ولادة أغنية

• لوتحدثنا أكثر عن الظروف التي رافقت صناعة أغنية "وطن النهار"؟

- ولادة الأغنية تشكلت في منزلي، حيث كان الشاعر الكبير بدر بورسلي يزورني كل صباح لتناول القهوة، وكنا نعد لها على مستوى الكلمة واللحن، وحرصنا على أن تضم كافة العناصر والمفردات التى تعبر عن الكويت والوطن من بحر وخليج وحب وحنين، وكذلك صوت الأطفال وبعد أن ننتهى من جلستنا، كان يقود دراجته للعودة إلى منزله قبل أن يحل الظلام خلال هذه الفترة القاسية في تاريخ الكويت، وكنت عندما انتهي من تلحين جملة معينة أسجلها على شريط كاسيت، وفي كل مرة كنت أخبئ الشريط في مكان مختلف من المنزل، خوفاً من هجوم الجنود العراقيين والعبث بهذه التسجيلات، التي وصل عددها إلى حوالي خمسة أشرطة كاسيت، كما كنت أخبئ العود، الذي أعزف عليه في نافذة التكييف خوفاً عليه من الضياع، وكنت احتفظ أيضاً بعلم الكويت.

في القاهرة

كانت أيام صعبة وقاسية جداً، إلى درجة أنني كنت أعيش طوال الوقت تحت وطأة هاجس اقتحام منزلي من قبل الغزاة، خصوصاً أنني كنت أسكن في منطقة مشرف " قطعة 6" والتي كان بها "سنترال" يخدم حوالي ستة قطع سكنية، وكان يعج بالجنود العراقيين، الذين كانوا مصدر قلق مستمر، كما أحب أن أحدثك كذلك عن الظروف التي رافقت تسجيل هذه الأغنية في مصر، لنكتشف من خلالها مشاعر الحب والوطنية التي استشعرتها لدى الأطفال الذين سجلوا كورال هذه الأغنية أثناء غربتهم في القاهرة، ومن خلالها نجد مشاعرهم الفياضة تجاه بلدهم الكويت التي تم احتلالها، وهم كانوا يعبرون بمشاعرهم عن كل هذا الجيل من الأطفال الذين عاصروا فترة الغزو، وسافروا مع أهاليهم إلى العديد من الدول الخليجية والعربية لمدة ستة أشهر وحرموا على إثر ذلك من الحياة الجميلة التي اعتادوا عليها داخل بلدهم، وكانوا في حالة اشتياق دائم للعودة وتنسّم أجواء الحرية، وقد جلست معهم لشرح لهم طريقة الغناء والمواقع التي ستظهر أصواتهم فيها ضمن الأغنية، وبالفعل خرجت للبدء في تسجيل أصواتهم وكانت أعمارهم تتراوح ما بين "٩-١٢عاماً".

تأثر وبكاء

وفي بداية التسجيل سمعت أصوات جلبة ومشاكسات أعتقدت أنها شقاوة أطفال، لكن المشرفة عليهم خرجت لتخبرني أن هناك مجموعة من البنات تأثرن بكلمات وألحان الأغنية ودخلن في مرحلة من البكاء بسبب شدة الحنين والاشتياق للعودة إلى الكويت، وقد وجدت أن هذا التفاعل من جانب الأطفال ترجمة صادقة ومؤشر حقيقي لصدق الأغنية ونجاحهما في الوصول إلى قلوب وإسماع الجمهور، لأن أصدق جمهور هم الأطفال، ومادام هذا الجمهور تأثر إلى هذه الدرجة، فهذه تعتبر بداية نجاح للعمل، الذي اجتمعت له كافة العناصر للتفوق بداية من الكلمة واللحن والغناء، وكذلك تعاوننا مع موسيقيين كبار داخل مصر، هذه الأغنية تعد "أيقونة" وهي تتمتع بمكانة خاصة في قلب كل كويتي وخليجي وعربي ومن يسمعها حتى الآن لابد وأن تخنقه العبرة بسبب الصدق الموجود فيها.

أغنيات وطنية

• كانت لك العديد من الأغنيات الوطنية الآخرى...هل تتذكرها؟

- نعم قدمت الكثير من الأغنيات الوطنية التي أعتز بها كثيراً وأذكر منها أغنية بعنوان "يانبع الوفا الصافي" و"حنا فدايا البلد" و"الكويت ديرتنا"، وهذه الأغنية الأخيرة من كلمات الشاعر الراحل عبدالأمير عيسى وقدمتها حوالي عام 1981 بالتعاون مع وزارة التربية، وكان يقود الفرقة الموسيقية للأغنية المايسترو سعيد البنا، وكانت تمثل أول عمل فني يتم تسجيله على الهواء مباشرة.

• ماتقييمك لمستوى الأغنية الوطنية التي تقدم الآن؟

- فقدت الكثير من معانيها ومفرداتها المعبرة مقارنة بما كان يتم تقديمه في السابق حيث كانت الكلمات عميقة وتعكس عشق تراب الكويت.

• كيف تقارن بين نشاط الفنانين داخل الساحة الغنائية بالكويت في الماضي والحاضر؟

- في السابق كان هناك حراك غنائي أكبر على مستوى المطربين والملحنين والشعراء، أما الأن يكاد يقتصر عمل الساحة الغنائية على التكليفات التي تطلبها وزارة الإعلام من الفنانين سواء كانت للإذاعة أو للتلفزيون في جميع المناسبات الوطنية، كذلك خلال موسم الأعمال الرمضانية، خصوصاً فيما يتعلق بالأغنية الدينية، وأيضاً الأعمال الغنائية التي تقدم للطفل، وتلك التي تطلب للمناسبات الرياضية، وبخلاف ذلك لا نجد هناك نشاطاً غنائياً كبيراً إلا من خلال نشاط المطربين أنفسهم خصوصاً من هم يرتبطون بعقود مع بعض شركات الإنتاج مثل عبدالله الرويشد، نبيل شعيل، نوال، وكذلك الفنان الكبير عبدالكريم عبدالقادر، فهو من المطربين، الذين ينتجون أعمالهم الفنية بجهودهم الذاتية، لأنه لا يعمل تحت مظلة شركة إنتاج معينة، وهو في أعماله الغنائية يكون حريصاً على تقديمها بمستوى فني عالٍ يليق بتاريخه الإبداعي الطويل.

قلة الدعم... ومساوئ عقود الاحتكار
قال الفنان والملحن الكبير سليمان الملا، رداً على سؤال حول أن الساحة الغنائية في الكويت لم تنجب مطربين آخرين، بعد الفنانين عبدالكريم عبدالقادر وعبدالله الرويشد ونبيل شعيل ونوال، "نستطيع أن نضيف إليهم محمد المسباح، فهو من المطربين الذين قدموا الكثير للأغنية الكويتية".

وأضاف: "هناك أسباب كثيرة وراء ذلك، أهمها قلة الدعم المادي والتشجيع للمطربين الجدد الذين يظهرون في الساحة الغنائية من وقت لآخر".

وأوضح: "على الرغم من أن هناك الكثير من المطربين ظهروا بعد ذلك، لكنهم اختفوا، بسبب تداعيات احتكار شركات الإنتاج لهم، من دون أن تقدم لهم الدعم الكافي وأسباب الظهور الفني المناسب لمواهبهم، وهناك أصوات أخرى ظهرت وابتعدت عن الساحة، لأسباب خاصة بهم، وآخرون موجودون، لكنهم لا يعملون، في ظل ظروف إنتاجية صعبة، وتحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم".

وأضاف: "طالما لا يوجد دعم، فلن تجد استمرارية لعمل الفنان، الكويت غنية بمواهبها الغنائية، لكنها معطلة، لقلة الدعم، الذي هو مسؤولية وزارة الإعلام، ممثلة بإدارة الموسيقى في الإذاعة، وكذلك الحفلات التي يقيمها التلفزيون الكويتي، ونتيجة لهذه الظروف الصعبة نجد أن معظم هؤلاء المطربين الذين يعملون خارج إطار شركات الإنتاج الفنية يعتمدون في وجودهم الفني على إصدار الأغنيات المنفردة (السينغل)".

أغنية ضعيفة

وعن تقييمه للأغنية الخليجية الآن، قال الملا: "للأسف، أصبحت ضعيفة، سواء كانت كويتية أو خليجية، أو حتى عربية، نتيجة الآثار السلبية التي خلفتها القرصنة الإلكترونية على الأغنية".

وبيَّن: "من وجهة نظري، أرى أن الإنترنت هو العدو الأول والحقيقي للأغنية العربية بوجه عام، فبمجرد طرح أي مطرب أغنية أو ألبوما جديدا، نجد إنتاجه متداولا بشكل مجاني أمام الجمهور، ما يؤدي إلى ركود سوق الكاسيت، وبالتالي إضعاف عملية الإنتاج بصفة عامة".

وتابع: "فيما يتعلق بهوية الأغنية، فقد فقدت هويتها، الكويتية والخليجية، وكذلك المصرية والعربية بدأت تفقد عناصر مهمة فيها، ما أدى إلى ظهور أغنيات دون المستوى، ومغنين على وزن المغني الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم، الذي يقدم كلمات وألحانا بلا معنى ولا هدف، وتسيء للأغنية المصرية بوجه عام، بالإضافة إلى طغيان الموسيقى الراقصة، التي تفتقد القيمة الفنية الحقيقية التي كانت موجودة منذ سنوات بجهود ملحنين وشعراء كبار آثروا الأغنية العربية بأجمل الكلمات وأعذب الألحان".

قدمت أغنيات وطنية آخرى مثل «يانبع الوفا الصافي» و«حنا فدايا البلد» و«الكويت ديرتنا»

كنت أعيش طوال الوقت هاجس اقتحام الغزاة العراقيين لمنزلي
back to top