لماذا لا نأكل لحم الحمير؟!

نشر في 25-06-2016
آخر تحديث 25-06-2016 | 00:06
 محمد صالح السبتي دعاني صديق روسي مرة على العشاء في إحدى الدول، وقبل العشاء أخبرني أن الوجبة هي كباب لحم الحصان! علت وجهي وقتها صدمة ممزوجة بشيء من الاشمئزاز، ولاحظ صديقي عدم تقبلي هذا الأكل، فقلت له إننا لا نأكل لحم الحصان مطلقاً ولا تتقبله نفوسنا أبداً، فاستغرب، وقال: إنه اللحم الأول عندنا والألذ والأطيب، وعندما أخبرته عما نأكل من اللحوم في بلادنا، وذكرت له أننا نأكل لحم الإبل علت وجهه ذات الملامح التي علت وجهي في البداية! كيف تطيب نفوسكم لأكل الإبل، ورأيت منه اشمئزازاً كالذي أحسسته مسبقاً!

هناك تقريباً ١١ دولة تعتبر لحوم الكلاب والقطط من وجباتها الرئيسية وهي اللحوم الألذ الأطيب عندها! وآخرون يأكلون لحوم القردة، وفي بعض بلادنا العربية يعتبر الضفدع من أفضل الوجبات، وفي دول أخرى تعتبر الحشرات والصراصير أطعمة مفضلة، بينما نشمئز نحن من مجرد رؤيتها كما هو الحال مع لحم فئران الصحراء "الجرابيع" والثعابين وغيرها... وقد ثبت في الأحاديث أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أذن بكل لحم الأحصنة، بينما منع لحوم الحمير الأهلية المستأنسة، ويرى كثير من العلماء أن لحوم الحمير غير الأهلية "المستوحشة " حلال لا حرمة فيه.

ما تشمئز منه أنت وتستقذره يراه غيرك طعاماً طيباً، والعكس صحيح، تقبل الطعام أو عدم تقبله ينبعان من التربية والثقافة والتعود ليس إلا، وقد يكون لبعض تعاليم الأديان دخل في ذلك، لكنها في العموم مسألة ثقافة وبيئة.

تقبل الطعام أو عدم تقبله هي ذاتها كمسألة تقبل الطرف الآخر المخالف لك أو عدم تقبله، سواء كان هذا الاختلاف في الدين أو المذهب أو الرأي السياسي والاجتماعي، هي مسألة ثقافية تربوية تعتمد على التنشئة والتربية، ولا يمكن لها أن تتحول بضغط زر، فالقناعات والأفكار ليست كأزرار التلفزيون، إنها عملية بناء كاملة لأفكار وثقافات وقناعات، بناء عبر التخطيط ورص الحجر بجانب الحجر وفوقه وتحته بطريقة هندسية محكمة وملء الفراغات بين هذه الأحجار بمادة ماسكة لها وسقف وأعمدة وأسس ومثبتات، ثم مسح هذه الأحجار بعد صفها وما يتبعها من صبغ وتجميل... إلخ، هكذا هو بناء الأحجار ومثله بناء ثقافات المجتمع وترسيخ قناعاته ورؤاه.

واليوم أهم مشكلة تواجه المجتمعات العربية والمسلمة هي مشكلة تقبل الآخر والتعايش معه، سواء كان هذا الآخر من باقي العالم أو من داخل هذه المجتمعات، وسواء كان اختلافنا مع هذا الآخر دينياً أو مذهبياً أو سياسياً منهجياً، وتكاد دولنا العربية الإسلامية تبلغ شفير الهاوية وهي تحاول محاربة هذه المشكلة وحلها، بل إن دولاً كثيرة انزلقت إلى هذه الهاوية، وواضح أنها لن تخرج منها، فكثير من البرامج والكتابات والفعاليات تهدف إلى ثقافة التعايش في مجتمعاتنا، لكن الحقيقة أنه لا تقدُّم نحو هذا الهدف أبداً إن لم يكن هناك تراجع في ثقافة التعايش! لماذا؟ لأننا نتعامل مع هذه الثقافة كما نتعامل مع أزرار التلفزيون، نظن أننا بصغطة زر نخلق هذه الثقافة! والأمر قطعاً ليس كذلك! فحتى الذين يتبنون ثقافة التعايش يخفقون بها أحياناً أو غالباً، كلنا نخفق في تطبييق هذه الثقافة، من يرعاها وينادي بها بالنسبة للأديان قد ينساها في المذهبية الطائفية، ومن يطبقها في المسألة الدينية يخفق بها سياسياً، ومن يرعاها هنا وهناك يخفق بها عرقياً وهكذا... لماذا؟ لأننا في عمق ثقافتنا وتربيتنا ونشأتنا لا نتقبل الآخر أبداً كما لا نتقبل أكل بعض اللحوم أبداً، هي عملية بناء لا مجرد حكاوى!

back to top