تربية المجتمع

نشر في 25-06-2016
آخر تحديث 25-06-2016 | 00:01
 مزيد الخالدي حدثني مرةً أحد المهتدين الكنديين أن المتتبع للتطور العلمي الغربي يجد أنه يقود الشعوب الغربية بشكل متزايد نحو أمور من التطور والحضارة قد سبقناهم إليها بفضل الإسلام، فقادهم البحث العلمي والتجربة إلى المكان نفسه الذي نحن فيه بفضل الله، نحن وصلنا إليه بهدي الإسلام وهم وصلوا إليه بالبحث العلمي.

ولنأخذ مثلا ختان الذكور، أو عدم أكل الخنزير أو الصيام... وغيرها، فهي أمور نلتزم بها بدافع ديني منذ 1400 عام، وخلال هذه الفترة وبعد التطور العلمي الغربي نجد الغرب يلتزم بها ويحاول إلزام المجتمع المدني بها لتصبح ثقافة مجتمع ينظّر لها في الجامعات، وتنفذ في المستشفيات، بل يدافع عنها في أماكن العبادة مع أنها قد تخالف المعتقد السائد لديهم.

ولنا في مصدر تطورنا وتمدننا وهو الإسلام قدوة في تصحيح مسيرة المجتمع وتربيته التربية السليمة لينشأ قوياً صحيحاً ومتماسكاً، والأمثلة كثيرة على أهمية إرشاد المجتمع وتربيته، خذ مثلا خطبة الجمعة وصلاة العيدين، حيث يلتزم كل المجتمع بالتجمع والتمازج والمشاركة في تلقي التوجيه والإرشاد ممن لهم الصفة العلمية والدينية.

لكن مع التراجع الديني الذي نشهده وتناقص العلماء، وقلة توجه الشباب نحو العلوم الشرعية، وتطور الأساليب العلمية والاجتماعية التي تقدم بها الحضارات الأخرى منتجاتها، نجد إقبالاً متزايداً من المجتمع على الالتزام بثقافة مجتمعات أخرى بغض النظر عن كونها جيدة أم سيئة، المهم أنها قد قدمت إليه بشكل يغريه ويشجعه على الالتزام بها.

ولم تعد المنافسة اليوم بين الدول عسكرية أو حتى علمية للسيطرة على العالم، هذه كانت بعض المراحل التي مر بها الصراع الحضاري بين المجتمعات، لكن التنافس الحقيقي الآن أصبح تنافساً وسيطرة تربوية وثقافية على المجتمعات الأخرى بلا سيف أو بندقية.

ويحضر إلى الذهن مثال المغول الذين اجتاحوا العالم الإسلامي فأحرقوا الكتب والمدارس والمساجد ودمروا كل ما يمتّ للثقافة والحضارة الإسلامية بصلة، لكنهم لم يتمكنوا من تربية المجتمع مجدداً، فظل المسلمون متمسكين بدينهم وثقافتهم، فماذا كانت النتيجة؟ دخل الغالب في دين المغلوب وأسلم المغول وانتهى تهديدهم للعالم الإسلامي.

والمتبادر إلى الذهن ونحن نرى التسابق العالمي للسيطرة على الإعلام والنشر الإلكتروني وتحريك الشعوب بالربيع العربي وغيره، أن هذه التحركات تم التخطيط لها بدقة وعلى فترة طويلة فيما يشبه التربية لهذه الشعوب لتحقيق أهداف معينة قد خطط لها.

أعلم يقينا أن إحدى السفارات الغربية نظمت برنامجا كاملا يتناول التغيير في المجتمع المدني في بعض الدول العربية، بل موّلت بعض المبادرات لتهيئة الناس وتوجيههم على النحو الذي رأيناه فيما بعد ورأينا نتائجه التي لم يستفد منها إلا تلك الدول التي خططت له.

ولعلنا ننتبه إلى ماهية الدور الذي تريده بعض الدول بنشر تعليمها الخاص حول العالم من خلال جامعاتها ومدارسها، وحتى رياض الأطفال في بلادنا، فما شكل المواطن الذي ستربيه هذه المحاضن التربوية، وهل تقوم الأسرة بدورها الحقيقي مع الأبناء بتربيتهم وتوجيههم التربية المطلوبة، أم أن الوقت والجهد المبذولين من الوالدين لا يصلان إلى ربع أو عُشر الوقت الذي يقضيه الطفل مع مدرسه الغربي.

وما الدور الذي خططت له حكومات تلك الدول، وهي تصرف الملايين، لإيصال بث قنواتها إلينا؟ هل الهدف هو الترفيه عنا بأفلامهم ومسلسلاتهم، أم إفادتنا بآخر الأخبار، أم تغذية العقول والأذهان بالمعلومات والصور الذهنية التي تخدم قضاياهم وتنشر ثقافة الأمة الغالبة بين الشعوب المغلوبة على أمرها؟ وهكذا تأمل وأنت تنظر إلى باقي مكونات تلك الثقافة الجوفاء التي بدأت تغزونا بمطاعمها وموضتها وأسلوب حياتها.

في الختام، لسنا ضد التعليم الحديث، ولسنا ضد الإعلام، إنما نريد وعياً يواكب هذه المتغيرات في مجتمعنا ويوجهها لخدمته وخدمة ديننا وثقافتنا.

back to top