النحات حسن كامل: زهرة اللوتس بطل كل {أوان}

نشر في 23-06-2016
آخر تحديث 23-06-2016 | 00:01
«أوان» كلمة واحدة لكنها تحمل في طياتها الكثير، عنون بها النحات الدكتور حسن كامل معرضه الأخير في «غاليري النيل»، لينفذ في إطارها منحوتات تحمل أبعاداً فلسفية وإنسانية مغايرة، تواصل من خلالها مع تراث النحت المصري القديم، متخذاً من «زهرة اللوتس» بطلاً لمعرضه.
وقال كامل في حوار مع «الجريدة» إنه ضد أن يكون الفن والنحت، خصوصاً، عبارة عن مجموعة أشكال جميلة فحسب، فلا بد من أن يحتوي الشكل مضموناً قوياً...
وإلى التفاصيل
ما الإطار العام الذي تتناوله منحوتاتك في معرضك الأخير «أوان»؟

«زهرة اللوتس» في برعمها أو بداية تكوينها، اخترت هذه الزهرة نظراً إلى مكانتها الخاصة لدى القدماء، وهي تنغلق مساء وتتفتح في الصباح، وكانت بالنسبة إليهم رمزاً للتجدد، البعث، إعادة الحياة من الموت، النور من الظلام والأمل من اليأس، فاعتبرتها رمزاً لأمور كثيرة نحتاج إليها. آن الأوان للتمسك بمثل هذه الأفكار لنبدأ عصراً جديداً يتيح لنا حياة أفضل.

كيف تتناول كل هذه المفاهيم من وجهة نظرك التشكيلية؟

بأكثر من رؤية أبدأها بلوحة الحلم، وهي عبارة عن بورتريه تحوم حوله براعم اللوتس في الفضاء في تصميم قريب من شجرة أوزريس، إله الخلق عند المصري القديم، وهذه البداية من خلالها تظهر مقولة: «أنت الذي نال ما تمنى.. أنت الذي صدقت.. أنت من ترى نفسك من جديد»، كذلك أضع شرطية أن الإنسان عندما يتمنى شيئاً لا بد من أن يقابله الصدق والأمانة والعطاء، وحينها سيرى نفسه في صياغة جديدة ورؤية مختلفة.

تضافر الوجه الإنساني مع برعم اللوتس.. فماذا قصدت بهذا المزج؟

يشير الوجه إلى الإنسانية والبشرية، عموماً، والملاحظ أن البورتريه في المعرض لا عيون له، تعمدت إخفاءها لأني أرى أن العيون هي النافذة التي تربط الإنسان بالعالم الخارجي، والانشغال الكثير أحياناً يعطل ويشغل الإنسان عن نفسه، فأرى أن غلق العين أو عدم وجودها في لحظة معينة هو نوع من التأمل، ركز داخل نفسك، قم بدراستها، أعرف إمكاناتها وموقعها وسط الآخرين، وماذا يمكن أن تمنحك، حين ذاك يمكن أن تبني عليها وتقويها وتصنع نجاحات لا يتخيلها أحد.

إشعاع البرونز

نفذت أعمالاً بخامة البرونز، فلماذا تطغى هذه الخامة؟

خامة البرونز من أكثر الخامات التي تترجم الرؤية النحتية بشكل قوى، ورغم اهتمامي بها وظهورها بنسبة كبيرة في معرضي، إلا أنني استخدمت خامات أخرى أيضاً، بازلت، نحاس، رخام، قماش وحجر جيري، لكن الأساس هو البرونز، تطرح الفكرة خامات مساعدة، بمعنى أن خامة القماش في لوحة «الحلم» ويخرج منها نحاس يلمع يعطي قيمة للنحاس نفسه، من المهم تنوع الخامات، ولكن لا تزال خامة البرونز على عرش النحت لما فيها من إشعاع قوي وقادرة على امتصاص الروح من الفنان وتقديمها للمتلقي، وهي أكثر الخامات قدرة على شحن العمل بمشاعر الفنان.

رغم أن زهرة اللوتس أساس التشكيل في المعرض، ولكن في كل قطعة منطقاً ورؤية تقدم من خلالها رسالة مختلفة.

العنصر كمنطلق ثابت في أي معرض لا من بد أن يتناوله الفنان بأكثر من صياغة، حسب الموقف التعبيري أو الرسالة، لكل عمل رسالة وليس مجرد شكل جميل، فضلا عن أنني ضد أن يكون الفن والنحت، خصوصاً، عبارة عن مجموعة أشكال جميلة فحسب، فلا بد من أن يحتوي الشكل مضموناً قوياً ورسالة، وأن يكون الفنان مفكراً، يتأمل الأشياء ويحاول صياغتها بمفهوم يعتقده، ولست مع أن تكون وظيفته صنع تماثيل جيدة، لكني مع المدرسة التي تعتبر أن للفنان رؤية وفلسفة في الكون يستطيع صياغتها بأكثر من شكل.

قدمت مجموعة من منحوتاتك بصياغة مباشرة وصياغة تجريدية، فما الذي يجذبك في هذه الآلية؟

يكون التجريد، أحياناً، أبلغ من التفاصيل، وكلما كانت الفكرة مجردة وملخصة كانت أقوى وأكثر تأثيراً، يضفي التجريد نوعاً من الغموض على العمل، نشعر لدى المتلقي بنوع من التحفيز والتفكير ومحاولة مشاركة الفنان في هذه الفكرة. اللجوء إلى التجريد والمباشرة حاجة فنية وليس اختياراً، يفرض الموضوع نفسه لينفذ بصياغة معينة.

عنونت بعض الأعمال ألا يعد ذلك تقييداً لحرية المتلقي الذي تتنوع قراءته للمنحوتة؟

ربما اتفق معك في هذا الرأي في حال كان المعرض يناقش إرهاصات متفرقة، أو يتناول موضوعات لا تجمعها نقطة انطلاق واحدة، ولكن معرضي له مضمون واحد، بالتالي أحاول أن أعطي مؤشرات للمتلقي ليشاركني في سلسلة الأفكار، وأفضل أن يقرأ الجملة التي كتبتها في البداية لأنها منطلق للأعمال كافة.

يؤكد معرضك الأخير فكرة ارتباطك بالعمارة و{جماعة ممر»، حدثنا عن هذه التجربة.

يعتمد تكوين أي جماعة على الاتفاق الفكري بين مجموعة من النحاتين، وهذا ما وجدناه مع «جماعة ممر»، قضينا معاً كجماعة عامين، كاناً عبارة عن بحث ودراسة ونقاش مستمر، تكونت الجماعة من الدكتور هشام عبد الله وأحمد قرعلي وأنا.

قد يأتي وقت تظهر فيه تجربة خاصة تتطلب الخروج بشكل فردي، إذ من الصعب طرحها في إطار جماعي، من ثم يحدث نوع من الاستقلال، وربما في المستقبل يحدث نوع من التلاقي، إذا كانت الفكرة والطرح يحتملان تقديمهما من خلال الجماعة، قدمنا معرضين، الأول في «مركز الهناجر» والثاني في «غاليري مشربية»، في الفترة الحالية نقدم تجارب مستقلة بالإطار الفكري نفسه الذي جمعنا.

المشهد الكويتي

برأيك ما سبب ازدهار النحت في مصر في الفترة الأخيرة؟

يمرّ النحت في مصر بفترة ذهبية، وهذا ليس غريباً، التاريخ مكتوب بالفن وربما النحت، خصوصاً، قد اتهم بأنني متحيز لمجالي، النحت مرتبط بالعمارة، والدليل أن معبد الكرنك الذي يُنظر إليه الآن على أنه حوائط ومبان وأعمدة ومجموعة تماثيل، لا يعرف كثر أنه يضم 33 ألف تمثال.

من هنا نجد أن النحت هو اللغة الأساسية لكتابة الحضارة، في الفترة الحالية بدأ فن النحت يسترد عافيته، لدينا تجارب جادة وسمبوزيوم أسوان الذي بدأ عام 1996 ساهم في تكثيف وتركيز وطرح خبرات على فنانين من أجيال مختلفة ليقدموا تجاربهم مدعمين من حضارة مصرية، فتح السمبوزيوم فرصة ليكون لنحاتي مصر قدم ثابتة في الخارج.

تنفذ سبك أعمالك بنفسك، فهل ذلك نوع من استعراض مهارتك؟

أفضل أن أسبك أعمالي بنفسي، لكن أحياناً مع ضيق الوقت وقرب افتتاح المعرض استعين بأصدقائي لسبك بعض القطع، الفنان في تعامله مع أعماله له لغته الخاصة، وغير مطلوب من أي مسبك أو فنان أن يتعامل بالمنطق نفسه مع الخامة، كلما كان التعامل شخصياً وخاصاً بين الفنان وخاماته وأدواته وطريقة إنتاجه للعمل، تكون الرسالة مشحونة بشكل كبير.

ما رؤيتك للمشهد الكويتي وقد أقمت فيها معرضاً منذ عامين؟

بالفعل، أقمت معرضاً في غاليري بوشهري في الكويت يمثل مراحل مختلفة من إنتاجي، ولي حادثة ظريفة هناك، إذ قصدني زوار كويتيون لمشاهدة أعمالي، وقد أثارني تعليق أحدهم إذ قال: «والله ما فيكوا فايدة»، بمعنى أن الأعمال مرتبطة بالمصري القديم، سعدت بهذا التعليق لأنه أظهر أن لدينا شكلاً وطريقة مميزة في الأداء، بالنسبة إلى الموقف التشكيلي الكويتي وجدت حركة فنية رائعة ورواجاً لفنون من توجهات مختلفة.

اللجوء إلى التجريد والمباشرة يكون لحاجة فنية وليس اختياراً
back to top