التطرف الصهيوني… الإرهاب حين يصنع الدولة! (2 - 15)

نشر في 22-06-2016
آخر تحديث 22-06-2016 | 00:05
ربما لا توجد في التاريخ دولة قامت على أسس إرهابية مثل إسرائيل. كانت العصابات الإرهابية نواتها الأولى، وأداتها الأساسية للاستيلاء على الأرض وفرض أمر واقع جديد على فلسطين التاريخية، مستغلة الظروف الدولية آنذاك، ومستفيدة من الدعم الغربي والتعامي الشرقي عن تجميع أشتات اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى «أرض الميعاد» كما تدعي الحركة الصهيونية.
والمدهش أن الغالبية الكاسحة، إن لم يكن كل الجماعات اليهودية سواء الإرهابية أو تلك التي ادعت العمل السلمي لأجل إقامة الدولة، استندت بصورة أو بأخرى إلى مبادئ دينية كانت تبيح لها القتل وسرقة الأرض واستعباد أبناء الشعوب الأخرى، معتمدة على تفسير الحاخامات المتطرفين لنصوص التوراة. بالتالي، فإن تلك التنظيمات التي ساهمت في إنشاء إسرائيل كانت بشكل أو بآخر صورة من صور الإرهاب الديني.
تابعنا في الحلقة السابقة كيف أن أول منظمة إرهابية في التاريخ استغلت نصوصاً توراتية لتبرر إرهابها وجرائمها مطلع القرن الميلادي الأول، وكيف تحوّلت تلك الجماعة إلى أسطورة بطولية في الذهنية اليهودية، واستلهمت عشرات المنظمات الإرهابية اليهودية لاحقاً تجربتها، وإن جاء التنفيذ بطريقة أكثر وحشية مستخدماً تطورات العصر وأسلحته. فلم تعد تلك المنظمات الإرهابية تعتمد على الخناجر لتنفيذ جرائمها، وإنما باتت تستخدم أحدث الأسلحة في إبادة الشعب الفلسطيني واستلاب أرضه وتاريخه، والتخلص ممن يعترض مشروعها الصهيوني الاستيطاني.

القتل باسم السماء

استندت تلك المنظمات إلى تفسيرات دينية تؤكد أن «رب بني إسرائيل يفضل قتل الشعوب الأخرى والتخلّص من نجسهم ودنسهم»، ويردد المتطرفون أن الرب أمر بني إسرائيل بالقضاء على الآخرين. مثلاً، أمر الرب جيش العبرانيين عندما دخل أريحا في زمن يهوشع بن نون أن يقتل كل نفس حية فيها بمن فيهم النساء والأطفال، وبقتل الحيوانات والبهائم وحرق الزرع وهدم البيوت. ويتفاخر التوراة بأن جيش العبرانيين قتل سكان بلدة عاي التي كانت تقع بين أريحا ورام الله والبالغ تعدادهم حينئذ، وفق التوراة، 12 ألف نسمة. كذلك استندت تلك التنظيمات الإرهابية إلى أن التوراة أوصت بطرد الناس من الأماكن التي يتواجد فيها العبرانيون، لأن وجود الشعوب الأخرى بين العبرانيين يؤثر سلباً فيهم فيصيبهم بالدنس والنجس، ولا يجوز أن تبقى شعوب قذرة بين «شعب الله المختار». من هنا، جاءت دعوات المتطرفين إلى طرد الفلسطينيين، بل تجاوز الأمر إلى أن يكون هذا التوجه سياسة إسرائيلية رسمية فيما يعرف بيهودية الدولة!

عندما بدأت القوى الصهيونية تنفيذ مخطط إنشاء الدولة وتهجير اليهود من العالم إلى أرض فلسطين، استعانت بأدوات عدة كان في مقدمها تنظيمات شبه عسكرية تزامن تشكيلها مع نشأة الأحزاب اليهودية. ومنذ بدايات القرن العشرين تشكلت على أرض فلسطين عشرات التنظيمات شبه العسكرية أو بالأحرى العصابات الصهيونية التي استخدمت أشكال العنف كافة لتحقيق أغراضها. من أولى تلك التنظيمات الإرهابية «بارجيورا» وهي منظمة عسكرية صهيونية سرية أسسها عام 1907 كل من إسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط، وكان شعارها «بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا». كان هدفها المعلن احتلال الحراسة والعمل من أيدي العرب وإقامة مستوطنات زراعية عسكرية، واستلهمت اسمها من اسم شيمون بارجيورا قائد التمرد اليهودي الأول ضد الرومان في فلسطين ما بين عام 66 وعام70م... واستمرت المنظمة بالعمل حتى 1909 عندما أتاح تطورها فرصة تأسيس منظمة أكثر اتساعاً واستقراراً هي «الحارس»، أو «هاشومير» بالعبرية، وكانت الحاضنة الأولى لأخطر الإرهابيين الإسرائيليين الذين سيقودون العمليات الإرهابية الصهيونية لاحقاً، ويتحولون من بعدها إلى قيادات للدولة!

تعدى نشاط المنظمة مسألة الحراسة والحماية إلى مجال تنفيذ عمليات إرهابية وتجسس، إضافة إلى بناء مستوطنات. فأسست أول مستعمرة لها في تل عداشيم عام 1913، ثم ألحقتها بمستعمرة أخرى في كفر جلعادي في 1916، ثم مستعمرة تل هاي في 1918. وتعرضت منظمة «هاشومير» للمطاردة من السلطات العسكرية التركية خلال الحرب العالمية الأولى، عندما تم كشف شبكة تجسس على السلطات العثمانية في فلسطين اشتهرت باسم شبكة «نيلي».

قمع ثورة الفلسطينيين

بحلول عام 1920، أيقن الفلسطينيون أبعاد المؤامرة التي كانت تحاك لوطنهم، وتواطؤ القوى الكبرى، خصوصاً بريطانيا، ضدهم، وضعف القوى العربية والإسلامية عن نجدتهم، فانتفضوا في مواجهة الوجود الصهيوني على أرضهم، ما دفع اليهود إلى تعزيز عصاباتهم وزيادة تسليحها لقمع تلك الثورات. من هنا، جاء تأسيس عصابة «الهاجاناه» وتعني بالعبرية «الدفاع»، لتحل محل منظمة «هاشومير»، وكان «أبو الإرهاب الصهيوني الحديث» فلاديمير جابوتنسكي صاحب فكرة تأسيس مجموعات عسكرية يهودية علنية تتعاون مع سلطات الانتداب البريطاني، وانصبّ اهتمامها الأساسي على العمل العسكري. وفي عام 1929، شاركت الهاجاناه في قمع انتفاضة العرب الفلسطينيين، وهجمت على المساكن والممتلكات العربية، كذلك برعت في استخدام أسلوب «السور والبرج» لبناء المستوطنات في يوم واحد، وفي عمليات تهريب اليهود إلى فلسطين.

وقد نشطت عناصر الهاجاناه والبالماخ (القوة الضاربة للهاجاناه) في عمليات التجسس واغتيال القيادات العربية في القرى والمدن الفلسطينية المختلفة، بل وقامت بكثير من العمليات الإرهابية ضد القوات البريطانية التي كانت الداعم والممول الرئيس لهم فيما عُرف باسم حركة المقاومة العبرية، ما يثبت أن اليهود تشبعوا بعقيدة الغدر والخيانة، وأنهم لا يتورعون عن التهام كل من يقف في وجه مشروعهم الاستيطاني حتى ولو كان حليفاً لهم... وقد تجاوز عدد أعضاء الهاجاناه قبيل إعلان قيام إسرائيل 36 ألف جندي، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف من البالماخ، وأصدر بن جوريون في 31 مايو 1948 قراراً بتحويل الهاجاناه إلى جيش الدفاع الإسرائيلي!

اختراع البراميل المتفجرة

إحدى الجرائم التي ارتكبتها عناصر العصابات الصهيونية، وفي مقدمهم أعضاء الهاجاناه والبالماخ، مجزرة قرية بلد الشيخ في سهل حيفا. عشية رأس السنة الميلادية عام 1947 هجمت قوة من «البالماخ» قوامها 170 مسلحاً على القرية، فطوقتها ودمرت عشرات البيوت والممتلكات، ما أسفر عن سقوط 60 شهيداً من بينهم كثير من الأطفال والنساء. وفي 16 يناير من عام 1948 ارتكب الإرهابيون الصهاينة مجزرة جديدة عرفت بمجزرة عمارة المغربي في مدينة حيفا. دخل الإرهابيون متخفين بلباس الجنود البريطانيين، مخزناً قرب عمارة المغربي في شارع صلاح الدين في مدينة حيفا بحجة التفتيش، ووضعوا قنبلة موقوتة، أدى انفجارها إلى انهيار العمارة وما جاورها من مبان، واستشهد نتيجة ذلك 31 من الرجال والنساء والأطفال، وجُرح ما يزيد على 60.

ولعل إحدى المفارقات التي تكشفها مجازر العصابات الصهيونية ابتكارها وسائل قتل يدينها العالم اليوم، ومن بينها البراميل المتفجرة. في 28 يناير عام 1948، دحرج الإرهابيون الصهاينة من حي الهادر المرتفع على شارع عباس العربي في مدينة حيفا في أسفل المنحدر، برميلاً مملوءاً بالمتفجرات، فهدم بعض البيوت على من فيها، واستشهد 20 مواطناً عربياً، وجرح نحو 50.

وفي 22 يناير 1949، تولى «إسحق رابين»، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد والذي كان يوصف بالاعتدال! وكان آنذاك ضابط عمليات «البالماخ» قيادة هجوم مفاجئ وشامل عند الفجر على قرية يازور على بعد 5 كيلومترات من مدينة يافا، ونسفت القوات المهاجمة الكثير من المنازل والمباني، وأسفر الاعتداء عن مقتل 15 فلسطينياً من سكان القرية لقي معظمهم حتفه وهم في فراش النوم، ولم يُكشف عن تفاصيل هذه المذبحة إلا عام 1981.

إرهابيون بعضهم من بعض

نتيجة للانشقاقات داخل العصابات الصهيونية، توالد المزيد من عصابات القتل الجديدة وكان كل منها يزايد في القتل والإرهاب على حساب الدم العربي، فنشأت عشرات التنظيمات الإرهابية السرية في تلك الفترة، ومن بين تلك العصابات التي اشتهرت وتخرج فيها عدد من قيادات دولة الإرهاب الإسرائيلية لاحقاً منظمة «البيتار»، وهي تنظيم شبابي صهيوني أسسه في بولندا عام 1923 يوسف ترومبلدور، وكان أعضاؤها يتلقون أيديولوجيا واضحة التأثر بالأيديولوجيات الفاشية التي سادت أوروبا آنذاك، فكانوا يتعلمون أن أمام الإنسان اختيارين لا ثالث لهما: «الغزو، أو الموت»، وأن كل الدول التي لها رسالة قامت على السيف وعليه وحده (لاحظ التشابه في الأفكار مع التنظيمات الإرهابية الحديثة ومن بينها داعش)!

كذلك ظهرت في تلك الفترة منظمة «آرجون»، وهي اختصار للعبارة العبرية «إرجون تسفاي ليومي بإرتس إسرائيل» أي «المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل»، وعرفت أيضاً باسم منظمة «أتسل»، واتخذت شعاراً لها عبارة عن يد تحمل بندقية وخلفها خريطة لفلسطين تتضمن الضفة الشرقية، وكلمة «راخ كاخ» وتعني «هكذا فقط»، أي بقوة السلاح والقتل يتحقق هدف الدولة... وقد صنفت فيما بعد من السلطات الإنكليزية كمنظمة إرهابية في عام 1931.

تضمنت المنظمة قوة سرية من نحو ألف عنصر تقوم بأعمال التخريب وتدمير الممتلكات والسرقة والاغتيالات، كذلك ضمت ما عُرف بالشعبة الحمراء أو «الفرقة السوداء»، ومهمتها أن تعمل في المناطق العربية في فلسطين والبلاد العربية الأخرى، فدرب أعضاؤها تدريباً خاصاً، وتعلموا اللغة العربية، وانتقوا من اليهود ذوي البشرة السمراء. وأحيطت هذه الشعبة بالسرية التامة حتى عن أعضاء المنظمة أنفسهم، وخلال الثورة الفلسطينية قامت إرجون بما يزيد على 60 عملية عسكرية ضد الفلسطينيين، إضافة إلى مهاجمتها قوات الاحتلال البريطاني... معتمدة على أساليب إرهابية مروعة في تنفيذ عملياتها، من بينها ابتكار أسلوب السيارات المفخخة والتي أسقطت مئات الضحايا كما حدث في مجازر السوق العربية في حيفا وفي القدس، الذي تم الهجوم عليهما أكثر من مرة عام 1938 على سبيل المثال من خلال السيارات المفخخة، وإلقاء القنابل اليدوية، وكانت القنابل الموقوتة توضع في صناديق الخضراوات لإدخالها إلى الأسواق المكتظة وتفجيرها في وقت الذروة. كذلك استخدم أسلوب الهجوم على الحافلات والقطارات وتفجير الأسواق ودور السينما. مثلاً، فجّرت المنظمة في يوليو 1946 فندق الملك داود في القدس حيث سقط 91 قتيلاً معظمهم من المدنيين، وبينهم 41 فلسطينياً، 17 يهودياً، 15 بريطانياً... كذلك فجرت في أكتوبر من العام نفسه سفارة بريطانيا في روما، فضلاً عن تنفيذ عشرات الاغتيالات بحق الشخصيات العربية والبريطانية.

وتوسعت المنظمة أيضاً في الإعدامات الميدانية للشباب العربي في القرى الفلسطينية، ومن ذلك مجزرة عيلبون في أكتوبر 1948 وأعدم فيها 14 شهيداً من خيرة شباب القرية، وهجّر أهلها شمالاً إلى لبنان، كذلك مذبحة قرية أم الشوف في 3 ديسمبر 1948 حيث أعدم سبعة شبان عرب أمام أهل القرية بعد العثور على بندقية مخبأة في القرية!

تكريم الإرهابيين

وفي عام 1940، حدث الانشقاق الثاني بخروج جماعة أبراهام شتيرن وشكلت فيما بعد منظمة تعني «المحاربون لأجل حرّية إسرائيل»، كذلك اشتهرت باسم مؤسسها، ورأى أعضاؤها ضرورة دعم ألمانيا النازية لتُلحق الهزيمة ببريطانيا ليتم التخلص من الانتداب البريطاني على فلسطين وتأسيس دولة صهيونية، كذلك عقدوا اتفاقاً مع حكومة موسوليني تعترف بمقتضاه الحكومة الفاشية بالدولة الصهيونية على أن يقوم أعضاء «شتيرن» بالتنسيق مع القوات الإيطالية حين تغزو فلسطين.

وعصابة شتيرن إحدى أكثر الميليشيات الصهيونية شراسة وشهرة، وكان إسحاق شامير، رئيس وزراء إسرائيل لاحقا، عضواً فيها، وحينما عُيِّن وزيراً للخارجية ثار الرأي العام العالمي بسبب تعيين إرهابي مثله دبّر عملية اغتيال الوزير البريطاني اللورد موين (مفوض بريطانيا بالقاهرة) في 6 نوفمبر عام 1944 في القاهرة، والوسيط الأممي الكونت فولك برنادوت في 17 سبتمبر 1948، في فلسطين.

كذلك لجأت المنظمة إلى الهجوم على الحافلات العربية المدنية، وفي 31 مارس عام 1948، لغمت عصابة «شتيرن» قطار القاهرة ـ حيفا السريع، فاستشهد 40 شخصاً، وجرح 60 آخرون، كذلك ألقى عناصرها القنابل اليدوية على عشرات المساجد في حيفا ويافا والقدس خلال خروج المصلين منها، فأوقعوا مئات الشهداء... والغريب أنه رغم هذا الاعتراف العالمي بأن «شتيرن» جماعة إرهابية، نجد الحكومة الإسرائيلية تقرر صرف رواتب تقاعدية لمنتسبها وتمنح بعض قياداتها نياشين «محاربين الدولة»، ويحضر السّاسة الإسرائيليون ومسؤولو الحكومة تأبين إبراهام شتيرن كل عام. كذلك أصدرت عام 1978 طابعاً بريدياً يحمل صورته! لكن تلك الجرائم كافة تتضاءل أمام واحدة من أكبر مذابح التاريخ الحديث، وهي مذبحة دير ياسين التي نفذتها عصابة «شتيرن» بالتعاون مع «ليحي» وبمباركة الهاجاناه.

مذبحة دير ياسين
في الساعة الثانية من صباح 10 أبريل 1948، أعطيت الأوامر لعصابتي شتيرن وأرجون بالهجوم على دير ياسين، وتحركت وحدات الإرجون، بالإضافة إلى عناصر من إرهابيي الهاجاناه والبالماخ لمباغتة القرية من الشرق إلى الجنوب، وتبعتهم جماعة شتيرن بسيارتين مصفحتين وضع عليهما مكبر للصوت. يروي مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل لاحقا وأحد الإرهابيين الذين نفذوا تلك الجريمة، في حديثه عن المذبحة أن العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة، فكان القتال يبدو من منزل إلى منزل، وكلما احتل اليهود بيتا فجروه على من فيه بمتفجرات T.N.T القوية التي أحضروها لهذا الغرض. وبعد تقدم بطيء في الظلام، وقبيل ساعات الصباح الأولى بدأ احتلال القرية بكاملها وتدميرها على من فيها.

ودخل إرهابيو عصابة شتيرن تتقدمهم سيارة مصفحة تحمل مكبراً للصوت، وطالبوا سكان القرية بالخروج للنجاة بأرواحهم، وما كادوا يخرجون حتى تم اصطيادهم بالرصاص، ومن بقوا في بيوتهم ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ فقد تم الإجهاز عليهم، فأخذ اليهود يلقون القنابل داخل البيوت فيدمرونها على من فيها.

نترك جاك دي رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين عام 1948 يصف المشهد، وكان زار بنفسه دير ياسين وفحص القبر الجماعي الذي حفرته العصابات الصهيونية للضحايا، وشاهد أكوام القتلى من العرب ووضع تقريراً عن ذلك بالفرنسية ونشره، فيقول: «كانت العصابة ترتدي ملابس الميدان وتعتمر الخوذات، وكان جميع أفرادها شباباً ومراهقين، ذكوراً وإناثاً، مدججين بالسلاح، بالمسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية. وكان القسم الأكبر منهم لا يزال ملطخاً بالدماء وخناجرهم الكبيرة في أيديهم، وعرضت فتاة جميلة تطفح عيناها بالجريمة يديها وهما تقطران دماً، وكانت تحركهما وكأنهما ميدالية حرب. كان هذا فريق «التنظيف» وكان واضحاً أنه ينفذ مهامه بجد متناه». يتابع: «حاولت دخول أحد المنازل فأحاط بي أكثر من 12 جندياً مصوبين بنادقهم الرشاشة نحوي، ومنعني ضابط من التحرك قائلاً: إذا كان ثمة موتى فسيحضرونهم لي، فأثار كلامه غضبي الشديد، فقلت لهؤلاء المجرمين رأيي فيهم وهددتهم ودفعتهم جانباً ودخلت المنزل. كانت الغرفة الأولى مظلمة وكل شيء مبعثراً ولم تكن ثمة جثث. وفي الغرفة الثانية المليئة بالأثاث الممزق وكل أنواع الشظايا رأيت بعض الجثث الباردة. هنا تمت التصفية بواسطة الرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين، وتكرر الأمر نفسه في الغرفة المجاورة. وعندما هممت بمغادرة المكان سمعت أصوات تنهدات، وبحثت عن مصدر الصوت مقلباً الجثث فتعثرت بقدم صغيرة حارة، وكانت فتاة في العاشرة من عمرها مزقت بقنبلة يدوية ولكنها لا تزال على قيد الحياة، وعندما هممت بحملها حاول الضباط منعي من ذلك فدفعته جانباً حاملاً كنزي الثمين، ثم واصلت عملي وأصدرت أوامر بإخلاء البيوت من الجثث، ولم يكن هناك من الأحياء غير امرأتين إحداهما عجوز اختبأت خلف كومة من الحطب، وكان في القرية ما يزيد على 400 شخص، وقد هرب ما يقارب الأربعين، وأما الباقون فقد ذبحوا دون تمييز وبدم بارد».

ورغم تنصل قادة العصابات الصهيونية من تلك المذبحة بعد افتضاح أمرها أمام العالم، إلى أن استمرار نهج هذه العصابات التي تحولت إلى مؤسسات في الدولة الجديدة وممارساتها بحق العرب يكشف أن الإرهاب والقتل ليس وسيلة لدى الدولة الصهيونية، وإنما هو غاية في حد ذاته، وهو ما سنتعرف إليه في الحلقة المقبلة.

المنظمات الإرهابية تروج أن كل الشعوب غير اليهودية «نجسة» يجب التخلص منها بالقتل أو الطرد لحماية «شعب الله المختار»

كانوا يستمتعون بمشاهدة الأطفال المذبوحين وهم يموتون ببطء
back to top