أستاذة الفلسفة الإسلامية في جامعة دمنهور د. رشا رجب لـ الجريدة.: نهضة الأمة الإسلامية مرتبطة بتجديد الخطاب الديني

الأزهر الشريف له دور كبير في إزالة الفهم الخاطئ للإسلام

نشر في 21-06-2016
آخر تحديث 21-06-2016 | 00:00
أكدت أستاذة الفلسفة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة دمنهور د. رشا رجب، أن الهدف من الخطاب الديني إحياء وبعث ما اندرس من الدين، وتخليصه من براثن البدع والمحدثات وتنزيله على واقع ومستجدات الحياة والانتقال من النص ضيق الرأي إلى سعة الشريعة.
وأوضحت، في حوارها لـ«الجريدة»، أن تزايد الجماعات المتشددة علامة على ضعف التجديد، وليس غياب المنهجية لتجديد الخطاب، لافتة إلى أن نهضة الأمة مرتبطة بشكل مباشر بتجديد الخطاب الديني، لأن النهضة ليست مقصورة على النواحي المادية والسياسية... وإلى نص الحوار:
● تتعالى المطالبات بتجديد الخطاب الديني.. كيف ترين هذه الدعوة؟

- تجديد الخطاب الديني ليس معناه تغيير ثوابت الدين الإسلامي وأصوله، أو هدم قيم ومبادئ الإسلام واستبدالها بغيرها محرمة أو مبدلة، وهذا ما يهدف إليه التغريبيون، وهذا يعد تخريباً وليس تجديداً، لهذا فالتجديد يكون بإحياء وبعث ما اندرس من الدين، وتخليصه من البدع والمحدثات، وتنزيله على واقع ومستجدات الحياة.

● إذن ما هي الخصائص التي تتوجب لأجل التجديد؟

- هناك خصائص للخطاب الديني الرشيد، فالتجديد في الخطاب لابد له من ضوابط معينة تكون في صدارتها أن يكون التجديد الديني منتجاً لإضافة معرفية، أو علمية تلقي بظلالها على الواقع الحياتي، بحيث يترتب عليها أثر عملي، ومن وجهة نظري فإن أبرز الغايات المقصودة من وراء هذا التجديد في زماننا الراهن هو إحياء وبعث أخلاقيات الإسلام في نفوسنا، فليس هناك أجل من الأخلاق لكي يؤثر فيها الخطاب الديني.

● وما المقومات الواجب توافرها في المتصدي للتجديد؟

- من يقرأ النص الديني لابد أن يكون أولاً دارساً لأصول وقواعد الدين الإسلامي، وأن يخضع المجدد لبعض الشروط ومنها تحديث لغة الخطاب، إلى جانب الوسطية في المنهج، وأن يتفق الخطاب مع منظومة القيم التي ينادي بها الدين، ويعتصم بالأصول، والثوابت الإسلامية، فينتقل بالنص من ضيق الرأي إلى سعة الشريعة ومقاصدها، ويتجنب الانتقائية التي يحكمها الهوى والاعتبارات الشخصية، والتعجل في إصدار الأحكام وتبني المواقف دون دراسة متأنية علمية.

● هل تراجع المؤسسة الدينية كان سببا في عدم التجديد بالشكل الكافي؟

- المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف لها دور كبير في إزالة الفهم الخاطئ للإسلام، وتلك المؤسسات تقوم بهذا الدور من فترة طويلة، لكن حاجتنا له اليوم أكثر من ذي قبل، لذلك لابد من القوة في الطرح، فلابد أن يكون الخطاب الديني قوياً في طرحه، وذلك عن طريق تدريب المخاطبين من قِبَل تلك المؤسسات على كيفيات الخطاب ووسائله، فيكون التجديد في وسيلة وأسلوب الطرح، ومراعاة أصول المتلقين مكاناً وزماناً.

● ظهور الجماعات الدينية المتشددة كان عائقاً للتجديد؟

- لا شك في أن تزايد أعداد الجماعات الإرهابية المتسترة خلف الدين يعد علامة على ضعف التجديد في الخطاب الديني، وليس غياباً لمنهجية التجديد، فالتجديد هو رسالة قديمة جديدة، لكننا نحتاج إلى تجديد التجديد، أي تجديد الوسائل لمواكبة العصر الحالي، وبعض الحركات السياسية استخدمت الدين في السلطة، وهو ما يؤثر على فهم مقاصد الدين، لهذا لابد من تجديد حقيقي للخطاب لا يهدف إلى التكفير، كما تفعل بعض الجماعات، إلى جانب الحد من الأفكار الجهادية التي زرعها المتشددون.

● برأيك من هم المستهدفون بتجديد الخطاب الإسلامي؟

- يجب مراعاة كل أصناف المخاطبين المسلمين منهم وغير المسلمين، وذلك من خلال إنشاء قنوات متخصصة يتحدث فيها المجدد بلغة من يخاطبه ليتم توصيل الخطاب الديني له بأسلوب سهل وميسر، وفي هذا لابد من تعاون وسائل الإعلام مع المؤسسات الدينية.

● هل التجديد يعني مراجعة ثوابت الإسلام؟

- تجديد الخطاب الديني يعني إعادة الشيء إلى أصله بأن نعيد للأمة مسارها الصحيح، بما يبدد عنها الانحرافات والضلالات، فتجديد الدين لا يعني اختراع إضافة لدين الله، وإنما يعني تطهير الدين الإلهي من الغبار الذي يتراكم عليه وتقديمه في صورته الأصلية النقية الناصعة، فالتجديد في هذه المجالات الثابتة يكون ببيانها والدعوة إلى التمسك بها والعمل بأحكامها، وهو كذلك التحذير من تعطيلها وترك العمل بها أو تبديلها وتغييرها بحجة المصلحة ومراعاة العصر.

● هل التجديد ينحصر في أئمة المساجد فقط؟

- لا ينحصر الخطاب الديني في الخطب والمواعظ، بل هو أشمل من ذلك، ومن الوسائل التي يمكن استخدامها إعادة صياغة المناهج التعليمية صياغة إسلامية تسمح للطالب تطبيق مفاهيمه وتوجيه الجهد الأكبر إلى إنشاء المؤسسات القادرة على تنفيذ مبادئ الإسلام، وضمان استمرارها بين الناس، فالتجديد ليس معناه فصل الدين عن الدنيا، بل بالعكس، فالمجدد لابد أن يصل الدنيا بالدين لكي يصل للمخاطب أن الدين جاء لتنمية حياة الإنسان ودنياه ولتحقيق راحته، فالخطاب الصحيح هو الذي يقوِّم الواقع ويضبطه، ويصححه على أساس من هذا الدين.

● هل تجديد الخطاب الديني يلغي بعض الحدود الشرعية في الإسلام؟

- قد يدعي البعض أن سيدنا عمر، رضي الله عنه، قد خالف الشريعة الإسلامية بتعطيله حد السرقة في عام المجاعة قياساً على قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: 38]، لكن في الحقيقة عندما أوقف عمر، رضي الله عنه، حد السرقة في عام المجاعة لم يكن يبتدع شيئاً في الدين، لكنه كان متبعاً، فالضرورات تبيح المحظورات قياساً على قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[المائدة: 3]، وفي الإسلام أن الحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة قوية تدرأ حد السرقة، حيث إنه قد اضطر للسرقة فليس أمامه حيلة أخرى، وهذه بالطبع لا يدرك حكمه إلا من كان على اطلاع واسع بمقاصد الشريعة، لهذا نكرر دائما: لا يتصدى للخطاب الديني إلا من هو مؤهل لذلك.

● إلى أي مدى يرتبط تجديد الخطاب بنهضة الأمة؟

- إن نهضة الأمة مرتبطة بصورة مباشرة بتجديد الخطاب الديني، حيث إن نهضة الأمة ليست في النواحي المادية والسياسية فقط، بل كذلك في الناحية الأخلاقية والعلمية، فلابد أن نولي الجزء الكبير من اهتمامنا ليس فقط بالنواحي المادية ولكن بالمعنوية كذلك.

ظهور المتشددين مؤشر لتراجع الخطاب.. والتجديد إحياء ما اندرس من الدين
back to top