داء مزمن
حوارات مسلسل «ساق البامبو» بكلماتها العنصرية المعجونة بالكراهية واحتقار الآخر مرعبة لأنها غير غريبة مطلقاً عن واقع حواراتنا، ولولا الداء المزمن لصراخ الممثلين الكويتيين وللضعف المريب في صياغة الحوارات المسلسلية، لكان للمسلسل شأن آخر.

وكان أن حضرت زيارة عائلية كبيرة الليلة السابقة لكتابة هذا المقال، فدار حوار حول الكويتيين و"الأجانب"، حين صرخت إحداهن، وهي المعروفة بطيبة قلبها وجمال خلقها في الواقع: أذونا في كل مكان، حاشرين روحهم معنا، دخلوا في أنوفنا، نبي لنا مستشفى بروحنا، ويا ريت يفصلون المطار بعد، وكل شي بالديرة. نظرت إليها وأنا لا أدري أأضحك أم أبكي، فالسيدة زوجها غير كويتي من جنسية عربية، وكذا هي ابنتها منه، ووالدتها في الواقع من دولة شرق آسيوية، فهل استشرى الداء حد أن يتعنصر الإنسان ضد أقرب الناس إليه؟ قلت لها: تذهبين لمستشفى وابنتك لغيره؟ تقبلين منع علاج ابنتك في مستشفاك؟ قالت نعم، أوديها خاص، فنظرت إليها وأنا لا أعرف من أين أبدأ ولا كيف أنتهي، فاتتها نقطتي تماماً، وفاتتني أنا ضربة من ضربات قلبي، وفاتت الكويت كلها محطة "المركز الإنساني" التي تسمينا باسمها إلا أننا تجاهلنا النزول فيها. تكالبت عليّ الآراء وأنا جالسة بين أهلي وصديقاتي، صرخت السيدات، اللواتي سيعدن إلى بيوت يخدم فيها أجانب في سيارات يسوقها أجانب، وسيذهبن إلى سوق يبيع فيه أجانب، وسيوصلن أبناءهن إلى مدارس يدرس فيها أجانب، وسيزرن محطات بنزين يقف فيها أجانب، وسيتبضعن في جمعية يخدم فيها أجانب، صرخن بكل أصواتهن الرفيعة والسميكة بجمل ركيكة التركيب والمعنى، وكأنها قادمة من سيناريو مسلسل كويتي هزيل، جمله عالية الوتيرة عنصرية الفحوى كريهة الكلمات، عن الأجانب اللي أكلونا، وعن الكرم الكويتي، و"أنا والله ما في أطيب مني مع شغالتي أعطيها من هدومي وأطلعها معاي وحتى موبايل أخليها أحياناً تستخدمه" و"ما في بلد مثل الكويت يعالج الأجانب ويدرس عيالهم" و"الله لا يغير علينا، أهل كرم" وغيرها من الجمل المستهلكة الركيكة، يمتدح فيها أصحابها أنفسهم ولا يرون هزالة وكوميدية ونرجسية هذا المديح المريض. عدت للبيت بقلب مثقل، فاضت عليّ مخاوفي، ماذا لو استمر هذا التفكير وتضخم حتى سدّ كل ضوء شمس يطهر حياتنا؟ ماذا لو عزلنا هذا التفكير تماماً فقضى على كل قدراتنا على التعايش مع الآخر؟ ماذا لو انقلبت الدنيا ودارت الأيام وأصبحنا نحن ذوي حاجة، نلجأ للآخرين ونترجى حسن استضافتهم وكرم أخلاقهم وعدل معاملتهم؟ كل شيء جائز والدنيا دوارة، فماذا لو دارت علينا؟ لن يحفظنا الله إلا إذا حافظنا على إنسانيتنا، رعاكم الله وأبعدكم عن كل مكروه.