عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر د. عبدالفتاح العواري لـ الجريدة.: الإسلام كفل حرية التعبير دون مس الثوابت والمقدسات

دعوات «داعش» لجذب الشباب باطلة وتدل على فهم سقيم للدين

نشر في 19-06-2016
آخر تحديث 19-06-2016 | 00:00
أكد عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر بالقاهرة، د. عبدالفتاح العواري، أن دعوات تنظيم "داعش" للشباب من أجل حثهم على الهجرة من مجتمعاتهم، بحجة إقامة الخلافة، وأن بلدانهم كافرة، هي دعوات فاسدة وباطلة، ولا يجوز الأخذ بها.
وقال في مقابلة مع "الجريدة"، إن "داعش"، ومن على شاكلته، مفسدون في الأرض، وليس من حقهم تكفير أحد، إنما فهمهم السقيم للدين أدى إلى هذه الإفرازات والأفكار الخاطئة، وإلى نص المقابلة...
● كيف ترى دعوات تنظيم "داعش" إلى هجرة الشباب من مجتمعاتهم التي يصفها بالكافرة للانضمام لصفوف التنظيم؟

- هذه دعوات فاسدة وباطلة، ولا يجوز الأخذ بها، وهي أبلغ دليل على فهمهم السقيم والخاطئ للدين، فالدعوة التي أطلقها تنظيم "داعش" الإرهابي حول إقامة الخلافة في العراق والشام ترتبت عليها آثار سلبية.

فهناك نداءات تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، وغيرها تدعو الشباب إلى الهجرة من مجتمعاتهم وأوطانهم، وتدعي أن المجتمعات الإسلامية الآن جاهلية وكافرة ومعوجة السلوك، إلى الحد الذي يخشى المسلم فيه على دينه وخلقه.

وأنا أتساءل؛ أين هو البلد المسلم الذي يمنع المسلمين من تطبيق شعائر دينهم وإعلان شرائعه وإظهارها، حتى نطلب من المسلمين الهجرة؟! إن هؤلاء خوارج العصر مخطئون في حكمهم على المجتمع المسلم بالكفر.

إساءة للدين

● ما ردك على اتهام الدول الإسلامية بالكفر من قبل هذه التنظيمات المتشددة؟

- هذه التيارات أساءت للدين، وتقوم بلي النصوص، لخدمة أغراضها الدنيئة، وليس من حق شخص أو تيار الحكم على الآخرين بالكفر، فهذا افتئات على الدين، فكيف يتهم بلد بالكفر تدوي فيه صيحات المؤذن الله أكبر من فوق منارات مساجده خمس مرات في اليوم والليلة، وتقام فيه الصلوات، وتمارس فيه شعائر الدين في أمن واطمئنان، وكيف يكون دار كفر يدعو إلى الهجرة منه ويحارب ولاة الأمر فيه؟!

وبلاد الإسلام لم يتعرض أحد من أبنائها للفتنة المؤدية لتغيير عقيدته، ولم يمنع أحد منهم من الصلاة أو الصوم أو الحج أو ممارسة حقوقه المشروعة في العمل، وبالتالي الحكم على مسلم بالكفر، هو أمر جد خطير تترتب عليه آثار دنيوية وأخروية، فمن آثاره الدنيوية التفريق بينه وزوجه، وعدم بقاء الأولاد المسلمين تحت سلطان أبيهم الكافر ومحاكمته أمام القضاء، وعدم إجراء أحكام المسلمين عليه، من غُسل وصلاة وجنازة ومناكحة وعدم دفنه في مقابر المسلمين.

● "داعش" ومن على شاكلته من تنظيمات تبرر حمل السلاح بأنها تطبق شرع الله، فما ردكم؟

- من الآثار الخاطئة المترتبة على فهمهم الخاطئ للخلافة، اهتمام هذه الجماعة بأمر حمل السلاح، وزعمهم بأنه الوسيلة الوحيدة للجهاد، من أجل نشر دعوة الإسلام.

والحق أن المنتمين لهذه الجماعة شغلوا أنفسهم بسلاح واهن ضعيف عن أسلحة هي في غاية القوة والخطورة، و"داعش" يستند إلى حديث الرسول (ص): "لقد جئتكم بالذبح"، وهذا حديث ضعيف يرده العقل والنقل، فكيف يصرح الرسول (ص) بذلك في بدء الدعوة، وهو منفر منها لا مرغب فيها، وكيف يقول ذلك، وهو في حالة ضعف لا يستطيع حماية أتباعه، ولو كان النبي (ص) متعطشاً للدماء، ما عفا عن قريش في فتح مكة.

حمل السلاح

● هل يجوز لتلك التيارات حمل السلاح لتغيير الأوضاع في المجتمعات؟

- حمل السلاح من قبل أي جماعة أو تيار يؤدي إلى الإفساد في الأرض، فحمل السلاح مسؤولية الدول وجيوشها، وليس ميليشيات أو تنظيمات، ومن ينادون بالجهاد عن طريق حمل السلاح لتغيير الأوضاع في المجتمعات الإسلامية نقول لهم إن وسيلة الإصلاح لن تؤمن عاقبتها إذا كانت قائمة على العنف.

● هل الإسلام وضع نظاماً معيناً للحكم، كالخلافة مثلاً؟

- الإسلام لم يحدد أو يفرض نظاماً للحكم، وترك الأمر لكل دولة أن تحدد ما تراه مناسباً لها، شريطة إقرار العدل والشورى.

● كيف ترى فتاوى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم؟

- تهنئة المسيحيين بأعيادهم نوع من التواصل والود والمحبة بين أفراد الشعب الواحد، وإن اختلفت ديانات أبنائه، فالإسلام أباح الزواج من المرأة المسيحية، وأحلَّ أكل طعام أهل الكتاب، والرسول أوصى بالمسيحيين، فكيف يأتي من يحرم تهنئتهم، والإسلام دين رحمة والراحمون يرحمهم الرحمن؟! وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم،: "ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة".

معركة الفكر

● هل يمكن حسم المعركة مع الإرهابيين بالمواجهة الأمنية فقط؟

- المعركة مع الإرهاب طويلة وممتدة وخطيرة، ولا يمكن حسمها أمنياً فقط، لكن لابد من أن تكون المعركة أيضا بالفكر، لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتقديم الإسلام في صورته الصحيحة، لوقف استقطاب الشباب.

● ماذا عن الحوار مع الآخر؟

- الحوار مع الآخر أمر أقرَّته الشريعة، وأتت به نصوص القرآن والسُنة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) وضع أسس الحوار، فقد أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ليس فقط على مستوى الأفراد والمجتمعات، بل على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة، للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان، وإزالة اللبس وسوء الفهم والتركيز على المشتركات الإنسانية والتعايش بين الدول، فالإسلام دين يدعو إلى الحوار والتواصل مع الآخر.

ولنا في رسول الله قدوة حسنة، فقد جاء وفد نصارى نجران إلى المدينة للقاء الرسول (ص)، ومناقشته حول طبيعة المسيح، وانتهى الاجتماع بإيمان كل منهم بعقيدته وتمسكه بها، من دون أن يفسد ذلك المودة بين الجانبين، وترك لهم النبي المسجد ليقيموا شعائرهم الدينية، حتى انتهوا، وقال إن المعاملة الحسنة أمر على المسلمين.

التعامل مع المستشرقين

● ما التعامل الأمثل مع المستشرقين؟

- هناك مستشرقون أنصفوا الإسلام، وعلينا التواصل معهم. أما خصوم الإسلام، فوجب علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن، من منطلق الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، لدحر المفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الدين لديهم، والرد على كل الشبهات التي تدور في أذهانهم.

● هل الإسلام يحد من حرية التعبير، كما يرى بعض المثقفين؟

- هذا غير صحيح، فالإسلام كفل حرية التعبير، شريطة عدم الاعتداء على حرية الآخرين، أو المساس بالثوابت والمقدسات الدينية، فالطعن في الثوابت بدعوى حرية التعبير يُعد فسادا وفوضى في الرأي، لأن هؤلاء يسعون إلى التشكيك في الدين وضرب المؤسسات الدينية، حتى تنهار المجتمعات وتصبح لقمة سائغة في جوف أعداء الدين.

حمل السلاح من قبل تيار أو جماعة إفساد في الأرض
back to top