حكاوي الراوي... نجيب محفوظ (14 - 15)

«أولاد حارتنا»... تفاحة محفوظ المحرّمة

نشر في 19-06-2016
آخر تحديث 19-06-2016 | 00:05
«أولاد حارتنا» واحدة من أشهر روايات نجيب محفوظ، وهي من بين أربعة مؤلفات تم التنويه بها عند منحه جائزة نوبل، أثارت جدلاً واسعاً منذ بدء نشرها مسلسلة على صفحات جريدة «الأهرام»، وصدرت لأول مرة في كتاب عن دار «الآداب» ببيروت عام 1962، ولم يتم نشرها في مصر حتى صدرت أواخر عام 2006 عن دار «الشروق» بعد رحيل المؤلف. وكما كانت «أولاد حارتنا» واحدة من أربع رواياتٍ وراء فوز نجيب محفوظ بالجائزة العالمية، فقد كانت سبباً رئيساً من حيثيات الحكم عليه بالاغتيال من جماعات الإرهاب المتسترة باسم الدين.
انتهى نجيب محفوظ من كتابة «الثلاثية» في عام 1952، ولم يجد ما يكتبه بعد أن تحقق التغيير الذي كان يسعى إليه من خلال نقد المجتمع المصري في رواياته، ودخل في حالة صمت أدبي طويلة. وبعد خمس سنوات من التوقف، شعر محفوظ بدبيب غريب يسري في أوصاله: «وجدت نفسي منجذباً نحو الأدب، وكانت فرحتي غامرة عندما أمسكت بالقلم مرة أخرى، ولم أصدق نفسي عندما جلست أمام الورق من جديد لأعاود الكتابة»، فكتب «أولاد حارتنا».

كان محفوظ في تلك اللحظة من تاريخه الإبداعي ينتقل من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية، فاستسلم لغواية استعمال الحكايات الكبرى من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة ليطرح السؤال الكبير على القادة الجدد عن الطريق الذي يرغبون السير فيه: طريق الفتوات أم طريق الحرافيش؟

كانت أول رواية يكتبها بعد ثورة يوليو، يقول: «كانت الأفكار كافة المسيطرة عليَّ في ذلك الوقت تميل ناحية الدين والتصوف والفلسفة، فجاءت فكرة رواية «أولاد حارتنا» لتحيي في داخلي الأديب الذي كنت ظننته قد مات، لذلك لاحظ النقاد تغييراً في أسلوبي واتجاهاتي الأدبية، وهم يقارنون رواية «أولاد حارتنا» بما سبقها من أعمال، فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في أعمالي قبلها، بل هي أقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة، ومع ذلك فهي لا تخلو من خلفية اجتماعية واضحة، لكن المشكلات التي صاحبتها والتفسيرات التي أعطيت لها جعلت كثيرين لا يلتفتون إلى هذه الخلفيات».

لرواية «أولاد حارتنا» قصة طويلة ربما لم تضع نهايتها حتى اليوم، بدأت مع توقف نجيب محفوظ عن كتابة الرواية بعد قيام ثورة يوليو عام 1952. أحس أن العالم الذي كان يسعى إلى تغييره بالكتابة غيرته الثورة فعلاً، ثم وجد نفسه مدفوعاً إلى العودة إلى الكتابة، وكان غادر مجتمعه الذي طال نقده له. وكانت بدأت تظهر في المجتمع الجديد مؤشرات سلبية، تحفز القلم بين يديه، وبدأت رواية «أولاد حارتنا» تكتب نفسها. وما إن انتهى منها في بداية عام 1959 حتى دفع بها إلى «الأهرام» لتنشرها مسلسلة على حلقات أسبوعية، وكان يدرك أن الرواية برمزيتها ودخولها إلى مناطق حساسة على المستويين الديني والسياسي يمكن أن تجلب المتاعب، لذلك طلب من علي حمدي الجمال، مدير تحرير «الأهرام» آنذاك، أن يقرأ الرواية بعناية قبل نشرها، كأنه أراد أن تكون «الأهرام» على بيّنةٍ من العمل الذي ستُقدم على نشره.

فوجئ نجيب محفوظ بأن «الأهرام» بدأت بنشر الرواية يومياً، ابتداءً من يوم 21 سبتمبر 1959 ولم تتوقف قبل الانتهاء من نشرها كاملة حتى يوم 25 ديسمبر من العام نفسه، ولا شك في أنه أدرك أنهم أرادوا أن يسارعوا بنشر حلقاتها قبل أن تلفت إليها الأنظار وتثور من حولها الزوابع، ولكن الزوابع لم تتأخر طويلاً وجاءت مزمجرة تحاول وقف النشر وتدفع إلى محاكمة نجيب محفوظ بتهمة الخروج على الثوابت الدينية.

زوابع «أولاد حارتنا» بدأت مع لحظة النشر الأولى، لكنها لم تتوقف حتى اليوم، مواسم الزوابع تتجدد كل فترة، ما إن تهدأ حتى تثور من جديد. كان الناس قد نسوها فترة طويلة، خصوصاً وقد منعت من النشر في كتاب داخل مصر، وظلت تأتي نسخ من طبعتها البيروتية إلى القاهرة، من دون أن تحدث فرقعة أو ضجة كبيرة، وظل نجيب محفوظ على شرطه من أنه لن يوافق على طباعتها في كتاب إلا بموافقة من «الأزهر الشريف». ثم جاءت جائزة نوبل لتحيي الضجة، وتثير العواصف على صاحب نوبل، وكانت «أولاد حارتنا» واحدة من الروايات الأربع التي ذكرتها براءة الجائزة، وتجمعت على إثرها نذر العواصف أشد عنفاً وأكثر تطرفاً مما جرى في المرة السابقة.

ألف جنيه

في الصفحة الأولى من العدد الصادر يوم 23 سبتمبر عام 1959 وتحت عنوان «الأهرام ينشر قصة نجيب محفوظ الجديدة» قالت الجريدة: «اتفقت الأهرام مع نجيب محفوظ كاتب القصة الكبير على أن تنشر له تباعاً قصته الجديدة الطويلة. نجيب محفوظ هو الكاتب الذي استطاع أن يصور الحياة المصرية تصوير فنان مقتدر مبدع، لذلك فإن قصصه كانت حدثاً أدبياً بارزاً في تاريخ النهضة الفكرية في السنوات الأخيرة»، ووقعت «الأهرام» مع نجيب محفوظ عقداً يصبح لها بمقتضاه حق النشر الصحافي لقصته الجديدة مقابل ألف جنيه، ولا تذكر «الأهرام» هذا الرقم، وهو أكبر مبلغ دفع في الصحافة العربية لقصة واحدة، تفاخراً أو ادعاء، إنما تذكره لتسجل بدء عهد جديد في تقدير الإنتاج الأدبي»، وفي الصفحة العاشرة، ومع رسوم الفنان حسين فوزي، نشرت الحلقة الأولى من «أولاد حارتنا».

يقول محمد حسنين هيكل: «نجيب أعطى «أولاد حارتنا» لعلي حمدي الجمال، الذي كان مديراً لتحرير «الأهرام» في ذلك الوقت من عام 1959، وكان نجيب يزوره في مكتبه بالجريدة، وقد أعطاه الرواية وطلب منه قراءتها بشكل جيد وبعناية. الجمال لم يقرأ الرواية وسلمها لي وهو يقول : «يبدو أن في الرواية لغماً ما»، فأخذتها إلى البيت لأن جو المكتب قد لا يساعدني على القراءة بالتركيز المطلوب في مثل هذه الحالة، ومن الصفحات الأولى للرواية أدركت مغزى تحذير نجيب محفوظ لعلي حمدي الجمال».

 يتابع هيكل: «حين انتهيت من قراءتها استقر رأيي على النشر، تصورت من البداية أن بعض رجال الدين قد يحاولون وقف نشر الرواية، فقررت نشرها بشكل يومي، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تنشر فيها رواية يومياً، ولم أجد سبباً يدعوني إلى الرجوع إلى الرئيس جمال عبد الناصر قبل نشر الرواية في «الأهرام». كان هذا عملي وقد مارسته، وكنت متأكداً أن أحداً، خصوصاً من رجال الدين، لن ينتبه إلى أهمية الرواية إلا متأخراً، وهذا ما جرى بالفعل».

كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة لنشر الرواية كاملة، وقرر هيكل أن يكون النشر بشكل يومي بدلاً من حلقات مسلسلة أسبوعية، حتى يسرع عملية النشر قبل أن يتحول موقف المتوقع رفضهم بها إلى مشكلة كبرى. وهذه النشرة لأولاد حارتنا حسب الباحثين هي النسخة الأكمل من بين نسخ الرواية المنشورة سواء تلك التي نشرت في بيروت أم التي نشرت بعد ذلك في القاهرة في أواخر عام 2006.

يقول هيكل: «حين وصلنا إلى الحلقة 17، تحرك رجال الأزهر وأطلقوا مدافعهم علينا، اشتعلت الأزمة، وتدخلت الدولة، وكنا قد وصلنا إلى الحلقة العشرين. صحيح أنني كنت قلقاً من بعض ردود الفعل، لكن لم أكن أتصور أن يصل الأمر إلى هذا المدى الذي وصلت إليه».

البداية من «الجمهورية»

بداية الهجمة على الرواية جاءت من جريدة «الجمهورية» التي بادرت بنشر رسالة قالت إنها وصلتها بالبريد، تشير إلى أن الرواية التي تنشرها «الأهرام» تحتوي على «تعريض بالأنبياء»، وبدأت الزوابع، انتقادات في رسائل البريد، ومطالبات بعدم نشر بقية الرواية، بل أرسل بعض الأدباء عرائض قانونية وبلاغات للنيابة لمحاكمة محفوظ.

وكان غريباً، أن الاعتراض الأول على رواية «أولاد حارتنا» لم يأت من «الأزهر» ولا جاء من «المشايخ» بل كان بعض أدباء بادروا بإرسال عرائض وشكاوى يطالبون بوقف نشرها، وكانوا هم الذين قادوا حملة تحريض «الأزهر» ومشايخه ضد نجيب محفوظ، وروايته. يقول محفوظ: «بدأت الأزمة بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة «الجمهورية» خبراً تلفت فيه النظر إلى أن الرواية المسلسلة التي تنشرها جريدة «الأهرام» فيها تعريض بالأنبياء. وبعد هذا الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف، في إرسال عرائض وشكاوى يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمي إلى المحاكمة، وبدأ هؤلاء يحرضون الأزهر ضدي على أساس أن الرواية تتضمن كفراً صريحاً، وأن الشخصيات الموجودة فيها ترمز إلى الأنبياء، وقد عرفت هذه المعلومات عن طريق صديق لي هو الأستاذ مصطفى حبيب، الذي كان يعمل سكرتيراً لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيل نيابة، وهو من أخبرني أن غالبية العرائض التي وصلت إلى النيابة العامة أرسلها أدباء».

وإذا عدنا إلى أعداد جريدة «الجمهورية» في تلك الآونة سنجد أنها كانت تنشر رواية يوسف إدريس «البيضاء» وقد بدأت في نشر أولى حلقاتها بعد 12 يوماً من نشر «الأهرام» لرواية نجيب محفوظ « أولاد حارتنا»، وكانت رواية إدريس تنتقد بعنف التنظيمات الشيوعية المصرية، ويعترف الأديب الكبير يوسف إدريس أنه نشر «البيضاء» في «الجمهورية» بتشجيع من صلاح سالم، أحد ضباط ثورة يوليو، وكان مشرفاً على «الجمهورية» في ذلك الوقت، رغبة منه في منافسة «الأهرام» في نشر رواية مسلسلة لكاتب كبير.

مجلة «المصور» بدورها دخلت على خط التبليغ ضد «أولاد حارتنا» في رسالة أرسلها قارئ إلى صالح جودت محرر باب «أدب وفن» في 18 ديسمبر عام 1959، أي قبل توقف نشر «أولاد حارتنا» بأسبوع كامل، وقال فيها إنه اختار جودت لأنه «من القلائل الذين لم يدخلوا سوق النفاق»، واعتبر أن محفوظ في روايته الجديدة: «يحيد ويجانب كل أصول القصة، فكتابته الأخيرة لا هي رمزية ولا هي واقعية، ولا هي خيال، ولا تنطبق على أي قالب معروف»...

وأضاف: «جاء محفوظ ليتحدى معتقدات راسخة، ولهذا يتعذر على كائن من كان حتى ولو محفوظ نفسه أن يقدمها بمجرد كتابه قصة، التستر وراء الرموز أضعف قضية نجيب محفوظ في مجتمع يجل الدين بطبيعته». ردّ صالح جودت على صاحب الرسالة: «لا أستطيع أن أحكم على القصة الأخيرة لمحفوظ، الذي لا شك في أنه يعد قصاص الطليعة عندنا اليوم، فإذا كان قد نحا في قصته الجديدة نحواً جديد غير ما تعودناه في روائعه السابقة، فالحكم في ذلك لمن قرأوا القصة»، ويضيف:»الباب مفتوح لرسائل القراء الذين قرأوا قصة محفوظ». 

كانت «الأهرام» لا تزال مستمرة في نشر الرواية، ولكن هيكل يقول: «انقلبت الدنيا علينا. بعد أسبوع من النشر بدأت المشكلات في صورة خطابات حملها البريد، واتصل بي الرئيس عبد الناصر وسألني: «إيه الحكاية؟»، وكان عبد الناصر قرأ بعض الحلقات من الرواية، قلت له: أنا كنت مدركاً لكل المحاذير قبل النشر، ولكن هذه رواية لنجيب محفوظ، وعلى أية حال سينتهي النشر خلال أيام».

اتفاق «جنتلمان»

ولكن كانت تتصاعد وتيرة موجة الاعتراضات مع كل حلقة تنشر من الرواية، وربما أعادت التذكير بما جرى قبل سنتين، تحديداً في عام 1957، وكان مصطفى محمود قد أصدر كتابه «الله والإنسان» ورأى البعض أن فيه آراء إلحادية، وتمت مصادرته وكاد مؤلفه يقدم للمحاكمة، ولم يمض على تلك الواقعة عامان حتى بدأت «الأهرام» في نشر رواية جديدة لنجيب محفوظ بعنوان «أولاد حارتنا»، وثارت ثائرة رجال الدين من جديد، فطلب الرئيس جمال عبد الناصر الذي كانت قد وصلت إلى مكتبه بعض الشكاوى من الرواية تشكيل لجنة من ثلاثة علماء من الأزهر وكلفهم بكتابة تقارير حولها وهم: الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، وجاء قرار اللجنة بمنع النشر، بعدما كانت «الأهرام» على وشك الانتهاء من نشر الرواية حتى نهايتها.

كان الكاتب والأديب سليمان فياض يعمل آنذاك بوزارة الأوقاف سكرتيرا للجنة كانت تحمل عنوان «الدفاع عن الإسلام» مع الشيخين سيد سابق ومحمد الغزالي وكانا مسؤولين معاً عن إدارة المساجد والدعوة والدعاة. وأضاف فياض أنه في إحدى جلسات تلك اللجنة قدم الشيخ الغزالي ورقتين معدتين يستعرض فيهما رواية «أولاد حارتنا» من زاوية الاتهام وحدها في غيبة من الدفاع والمتهم.

وعلى إثر ذلك التقى حسن صبري الخولي، المبعوث الشخصي للرئيس عبد الناصر مع نجيب محفوظ، وأطلعه على موقف مشايخ الأزهر والأوقاف من الرواية وربما أطلعه على التقرير الذي أوصى بوقف نشر الرواية وكتبه المشايخ محمد الغزالي ومحمد أبو زهرة وأحمد الشرباصي، وانتهى الحوار بين الخولي ومحفوظ إلى اتفاق «جينتلمان» أن بإمكان محفوظ نشر الرواية في أي بلد عربي باستثناء مصر إلا بموافقة الأزهر. وافق محفوظ، وظل ملتزماً بالاتفاق، معتبراً أن رسالة الرواية لم تصل، يقول: «شعرت أن رسالتي لم تصل فلم أسع إلى الدفاع عنها ولم أسع إلى نشرها».

صارت الرواية تفاحة نجيب محفوظ المحرمة. ظلت خارج إمكانية النشر داخل مصر طوال الفترة الممتدة من أواخر عام 1959 إلى أواخر عام 2006، وطوال هذه المدة كانت موجودة على الأرصفة بسعر بسيط، ولم تشهد أي إقبال عليها كتفاحة محرمة، حتى أتيحت لأول مرة في عام 1994 فنفد المطبوع منها عن بكرة أبيه.

سبق هذه «النشرة» ثلاث محاولات فاشلة لنشر الرواية في مصر، جاءت المرة الأولى عقب فوز محفوظ بجائزة نوبل، وفي غمرة الاحتفالات بالجائزة العالمية تحمست جريدة «المساء» الحكومية القاهرية لإعادة نشر الرواية مسلسلة، وبعد نشر الحلقة الأولى اعترض محفوظ وبعض الخائفين عليه فتم إيقاف النشر.

ولم يستطع محفوظ أن يوقف المحاولة الثانية التي جاءت في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتياله، فقد سارعت جريدة «الأهالي» المصرية التي تصدر كل «أربعاء» عن حزب «التجمع» اليساري بنشر الرواية في عدد خاص منها، وصدرت بالفعل «أولاد حارتنا» كاملة بعد أيام من الحادث في عدد خاص من «الأهالي» يوم الأحد 30 أكتوبر عام 1994، العدد الذي نفد بالكامل كان يحمل عناوين: «لأول مرة في مصر- النص الكامل لرائعة نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» بعد 35 عاماً من غيابها عن الشعب المصري».

كانت «الأهالي» مهدت لنص الرواية بمقالات لنقاد وصحافيين بارزين هم محمود أمين العالم وشكري محمد عياد وفريدة النقاش وجابر عصفور ومحمد رضا العدل وسلامة أحمد سلامة والممثل عادل إمام، وزيادة في الحفاوة تمت الاستعانة برسوم مصاحبة للنص للفنانين عبد الغني أبو العينين وجودة خليفة فضلا عن غلاف الطبعة البيروتية.

عقب نشر الرواية في «الأهالي» أصدر كتاب وفنانون بياناً طالبوا فيه بعدم نشر الرواية في مصر بدعوى حماية حقوق المؤلف الذي نجا قبل أيام من الذبح، في حين وصف كتاب آخرون ذلك البيان بأنه «محزن».

دار الهلال
تجدد الحديث حول الرواية مع زيارة قام بها إلى منزل نجيب محفوظ القيادي الأبرز إعلامياً من بين أعضاء مكتب الإرشاد بجماعة «الإخوان المسلمين» في ذلك الوقت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي زار محفوظ بمناسبة عيد ميلاده الـرابع والتسعين، وقال إنه لا يعترض على «أولاد حارتنا»، بل ويشجع محفوظ على نشرها. ولكن الزيارة التي يبدو أنها كانت لأهداف سياسية فتحت مجدداً ملف الرواية المحرمة، ورغم أن أبو الفتوح قال إن 90% من كلامه من الإخوان، فإنه هوجم بشدة وظهر أن الحملة الشرسة عبرت عن تيار قوي ما زال يرى أن «أولاد حارتنا» رواية كافرة وملحدة وكاتبها يستحق القتل، واضطر أبو الفتوح إلى نشر تصحيح قال فيه «إنه لا يتفق أو يوافق على بع ض ما ورد في الرواية».

مجدداً، يتمسك نجيب محفوظ بالشرطين اللذين وضعهما لنشر الرواية في مصر، وأعاد تأكيد الأمر على ناشره الجديد «دار الشروق»، أن تسبق النشر موافقة «الأزهر»، وأن يكتب الدكتور أحمد كمال أبو المجد مقدمة تسبق الرواية. كان محفوظ يريد أن يحصل على جواز مرور لروايته ممهوراً بتوقيع من مفكرين لهم مصداقية عند جمهور الجماعات الإسلامية، خصوصاً إذا كانوا من غير المحسوبين على النظرة المتطرفة لموقع الدين في المجتمعات الحديثة.

تجدد الجدل حول طبع «أولاد حارتنا» في مصر نهاية عام 2005، حين فوجئت الأوساط الأدبية بإعلان في مجلة «الهلال» عن العدد الجديد من سلسلة «روايات الهلال» الشهرية في منتصف يناير مع إشارة مثيرة تقول: «مفاجأة كبرى... أهم حدث أدبي في العام الجديد»، وكشف مجدي الدقاق، رئيس تحرير الهلال، عن عزم دار «الهلال» على نشر رواية أولاد حارتنا، وأنه يرفض الحصول على موافقة الأزهر وقال: «أرفض أن آخذ موافقة أية جهة، الإبداع لا يتطلب موافقات سياسية أو دينية أو حزبية». ونشرت الصحف غلافاً للرواية التي قالت «دار الهلال» إنها قيد الطبع حتى لو لم يوافق محفوظ بحجة أن الإبداع بمرور الوقت يصبح ملكاً للشعب لا لصاحبه، وتحرك فوراً محامي نجيب محفوظ بناء على طلبه ومحامي دار «الشروق» لوقف النشر وفعلاً منعت المحاولة الثانية لنشر «أولاد حارتنا» في مصر، وكان من المفترض أن تصدر يوم 15 يناير في الموعد التقليدي لصدور روايات الهلال.

لكن التفاحة المحرمة بدا وكأنها حصلت على جواز مرورها إلى القارئ بموت نجيب محفوظ وقد صدرت أخيراً طبعتها رقم 15.

أديب نوبل تقاضى ألف جنيه من «الأهرام» نظير نشر روايته وهو أكبر مبلغ يُدفع لنشر قصة

كان يدرك أن روايته برمزيتها ودخولها إلى مناطق حساسة ستجلب المتاعب
back to top